Home»National»المغالطات المنطقية (2) – التوسل بالسلطة-

المغالطات المنطقية (2) – التوسل بالسلطة-

8
Shares
PinterestGoogle+

تناولت في مقال سابق موضوع المغالطات المنطقية اقتصرت فيه على التعريف بمغالطة « الشخصنة » باعتبارها أكثر شيوعا واستعمالا في نقاشاتنا وحواراتنا .أما اليوم  فاخترت الحديث عن مغالطة أخرى لا تقل عنها رواجا  و انتشارا بالقدر الذي يجعلها تسترعي و تلفت الانتباه كذلك.

و قبل ذلك لا بد من التذكير ،باختصار شديد ،أن المغالطات المنطقية هي خطأ تفكيري لا تعوق النقاش المثمر البناء  فقط بل تُفرْمله وتضع حدّا له عِوض أن تُثريه وتُغنيه .و هي ليست خطأ في الحجة أو الفكرة التي نقدمها في حد ذاتها بقدر ما هي في طريقة تقديمها. ولو قمنا عَرَضا برصد المغالطات المنطقية لوجدنا التوسل بالسلطة من بين الأصناف الاكثر شيوعا و استعمالا كما سلف الذكر. لذا ارتأيت أن أساهم بهذا المقال المتواضع ،ولو بشكل محدود، في إثارة الموضوع بُغية الوعي ببعض المغالطات المنطقية المستعملة في النقاش و الكشف عنها في أفق تجاوزها ولو نسبيا .أليست المعرفة تتم عن طريق التجاوز؟

فما المقصود بالتوسل بالسلطة ؟

التوسل بالسلطة ، حجة السلطة، الاحتكام لسلطة او التوسل بالمرجعية ، تتعدد وتختلف المسميات و المغالطة واحدة، وهي اعتبار السلطة سواء كانت سياسية ،دينية ، علمية … أو سلطة رابعة أو حتى خامسة..  دليلا على صحة وصواب الفكرة وبرهانا عليها . فكثيرا ما تُسيطر السلطة -قد تكون مُتسلِّطة أحيانا- و تطغى على استخدام العقل فنقبل أو نتقبّل بل نقتنع بالفكرة هكذا تلقائيا وبشكل عفوي ما دام أن صاحبها أو قائلها عالم معروف أو شخصية مشهورة في مجال الفن و الأدب…أو مرجعية دينية… فَ « ثقافتنا تعبد النصوص ، يكفي أن نقول : قال فلان …ليتوقف العقل !  » * وبهذه الكيفية نعطل للأسف عقلنا أو نلغيه وبالتالي نلغي أنفسنا ، ونستلذ الكسل (وهو فعلا لذيذ،جربته بنفسي الى درجة الخمول) و بالتالي ننساق لا شعوريا  و طوعيا نحو تصديق المغالطة، وهذا في نظر البعض ناتج عن الشعور بالنقص أو الدونية  تجاه الآخر المتقدم و المتفوق علينا معرفيا أو دينيا او رياضيا…

وحتى لا نسقط في التنظير لا مناص  من إعطاء بعض الأمثلة الملموسة من الواقع  المعيش ليتضح المفهوم أكثر .

مثال 1 : كان والدي يرحمه الله يستمد معرفته من لَمْقدَّم كسلطة دينية وكلما كنا نحاول أن نناقشه في موضوع ما كان يأتي الجواب حازما : »واش قْرايَنْكُم تَعرْفو أحسن من لَمْقدم ؟ »  وهكذا ينتهي النقاش أو ينهيه . و « لَمْقدم » هذا الذي كان أبي  يتقبل ويقبل كل ما يلقنه له دون نقاش، يحتل موقعا متقدما نوعا ما ، وهو مسؤول عن إعادة إنتاج العلاقات السائدة داخل المجموعة وفق قواعد تراتبية يكون « لْفُقرا » في المستوى الأول / الأدنى

مثال2  : شخص ما يحاول أن يقنعك بصحة خبر ما  فقط لأن مصدره قناة مشهورة (راهم كَـالوها فَ الجزيرة أو فرانس 24 أو CNN … ) دون الأخذ بعين الاعتبار ان القناة قد تكون منحازة أو متحيزة. فليس هناك موضوعية مطلقة.

 مثال3 :

فؤاد  : أنا أستعمل شمبوان  » كلير » لأنه يزيل القشرة

فريد   : هل أنت متأكد فعلا من ذلك؟

أحمد : طبعا ! لو لم يكن كذلك لما استعمله « رولاندو » (يقصد نجم ريال مدريد) رأيته في الاشهار.

مثال 4 :…لكم أن تضعوا أمثلة اخرى سبق لكم أن صادفتموها.

هذه الأمثلة وغيرها مما تعرفون كثير توضح كيف تغدو سلطة الاعلام أو سلطة الشخص و شهرته او نجوميته مقياسا ومعيارا واحدا و وحيدا لضمان مصداقية « الرأي » .

 ألا ترون معي أن هذا من بين الاسباب التي جعلت البعض منا ينسب اقتباسات و أقوال  الى أشخاص مشهورين عن قصد أو دونه بُغية إضفاء نوع من المشروعية لآرائه وتأكيدها و تمريرها وتسويقها. وقد نصدقها نحن ونتقبلها دون أن نتبيَّن او نتحقق من مدى  صحتها،لا لشيء سوى أن قائلها عالم معروف مثل انشتاين مثلا ، وكأن هذا الأخير معصوم و منزه من الخطأ لا يأتيه الباطل ولو في أمور لا تدخل في مجال تخصصه العلمي. كما انتشرت كالفِطر في الفايسبوك اقتباسات تنسب تَطاوُلا لمحمود درويش أو نزار قباني أو غيرهما و لنفس الغرض تقريبا : تسويق فكرة ما أو تمريرها.

وفي نفس السياق ، ألا يكون هذا سببا من بين الأسباب التي تقف وراء وضع الأحاديث أو نحلها ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كحجة (سلطة دينية) واستغلالها في الصراع السياسي وتوظيفها اديولوجيا خصوصا في العصر الاموي والعباسي لتستمد الطبقة الحاكمة مشروعيتها و تبرر الاستبداد أحيانا. ولا زال الى يومنا هذا من يستغل أو يتوسل  الدين بشكل نفعي و مقيت للوصول الى أهداف سياسية. فمتى سيتحرر الدين من التوظيف الاديولوجي؟

و هكذا يمكن أن نجزم أن الاحتكام أو التوسل بالسلطة بجميع ألوانها ليس دالّا في حد ذاته على  الحقبقة او كافيا لوحده لإثبات صحة ما نقول.بل على العكس من ذلك قد يكون مُضلِّلا و مُموِّها في بعض الحالات.

 جدير بالتنويه قبل ان انسى  أن التوسل بالسلطة غالبا ما يعتبر مغالطة عندما يتم اقحام شخصية ما و الزج بها ولو في غير تخصصها  كحجة للدفاع عن فكرة ما.

أتمنى ان يكون هذا المقال شبه خالٍ من المغالطات . واتقدم بالشكر للاستاذ عبد العزيز قريش الذي احالنا على مرجع في الموضوع :

عادل مصطفى، المغالطات المنطقية: طبيعتنا الثانية وخبزنا اليومي  » فصول في المنطق غير الصوري، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر، 2007، ط1.

  • لست متاكدا من نسبة هذه المقولة لنصر حامد ابو زيد*
  • ———-
  • حميد وشاني
MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *