لماذا تم توقيف المندوب الجهوي للأوقاف بتادلة أزيلال
أحمد الجبلي
للأسف الشديد أن خبر إعفاء صديقي العزيز المندوب الجهوي لوزارة الأوقاف والشؤون السلامية لجهة تادلة أزيلال الدكتور إدريس أوهنا، قد وصلني متأخرا جدا، ولذا يؤسفني أن أكون آخر من يتفاعل مع هذا الموضوع، ولكن لابد من قول كلمة حق لمعرفتي بالرجل ومواقفه وغزارة علمه وحبه لوطنه وولائه لملكه وتفانيه في عمله بوعي وعلم وعلى بصيرة.
لقد حاولت أن أجمع أطراف الموضوع وأتتبع ما الذي وقع، وما الذي أدى بأحمد التوفيق لعزل مفكر مغربي نبيه، ورجل علم من عشاق الإمام الشاطبي ومدرسة الإمام مالك، رجل حاز جائزة الملك محمد السادس للكتاب الإسلامي يوم كان طالبا باحثا في موضوع حير العالم بأكمله وشيب الرؤساء والقادة والملوك لكونه موضوعا ذا علاقة بأنماط التواصل في العالم العربي والإسلامي بما فيها الفكر الإرهابي الهائج المائج.
لقد كان موضوع بحثه هو: أسلوب الحوار في القرآن الكريم: الموضوعات والمناهج والخصائص. وقد كانت لجنة التحكيم تتكون من اثني عشر عالما على رأسهم العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة والشاهد البوشيخي وفاروق النبهان ومحمد التاويل رحمه الله وغيرهم. وقد نالت مشاركته تنويه أعضاء اللجنة بكونه قد قدم أحسن بحث علمي بالإجماع.
وحسب بلاغ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أوردته وكالة المغرب العربي للأنباء حينها، أن أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف وافق على منح جائزة محمد السادس للكتاب الإسلامي لعام 1425 م /2004 م للأستاذ إدريس وهنا باعتبار أن البحث الذي تقدم به هو أحسن البحوث المشارك بها في هذه الجائزة بإجماع أعضاء اللجنة، وهو البحث الذي تمت طباعته على نفقة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وهو موضوع عالجه بمقاربة عميقة تفيد مراكز البحث والتقصي إذ كان بمثابة كاشف ضوء يفيد في تتبع جذور الفكر الدخيل الذي لا علاقة له بالإسلام لا من قريب أو بعيد على اعتبار أن الفكر الإرهابي الظلامي العدمي هو الفكر الوحيد الذي يخاف الحوار ويفر منه. والتأسيس للحوار هو تعبير عن الوعي الحضاري الذي ميز ويميز أمتنا وبه قد قضت أشعرية المغاربة على كل الفرق الضالة التي عششت ردحا من الزمن إبان القرون الأولى بعد تأسيس دول الأدارسة.
إن الدكتور إدريس أوهنا أنموذج العالم المغربي الفطن الوطني الذي كان الاستعمار يحارب أمثاله من خلال إدخال تلك التعديلات المشؤومة على جامع القرويين نظرا لكون هذه الجامعة التليدة كانت تقوم بتخريج العلماء العاملين من أمثال محمد بن الحسن الوزاني والشهيد عبد السلام جسوس رحمه الله، والشيخ محمد الونشريسي ومن المعاصرين نذكر الطاهر بلحاج والحسن مزوغ وابن عبد الكريم التواتي وهم علماء أجلاء رفضوا مبايعة ابن عرفة رغم التهديد بالحديد والنار.
إن الدكتور إدريس أوهنا هو نموذج من صلب فكر ووعي هؤلاء العلماء ولم يكن في يوم من الأيام من العلماء الذين يخذلون وطنهم أو ملكهم أو يقصرون في أداء الواجب الذي هو العمل الدؤوب من أجل صناعة خطاب ديني مغربي وسطي بعيد كل البعد عن التطرف والإقصاء والأفكار الدخيلة الهدامة. إن الدكتور أوهنا هو نموذج العالم الواعي بالملل والنحل والفرق الكلامية والفرق المعاصرة سواء منها التي على هدى أو تلك الضالة المضلة المتطرفة التي تعمل على تصدير فكر التكفير والهجرة والطعن في العلماء وزرع الفتن بين المسلمين.
وهذا يجعلنا في حيرة من أمرنا إذا كان السي أحمد توفيق وزير الأوقاف يعمل على إقصاء هكذا علماء أجلاء متبصرين بخطورة التهديدات التي تحيط ببلادنا ولهم من الكفاءة والعلم والمعرفة ما يجعلهم قادرين على التوجيه وتحصين المساجد والخطباء من أن يطالهم شيء مما يرفضه جميع المغارب من فكر دخيل يحول من المتشابه محكما ومن الإجماع اختلافا، ومن الثوابت متحولات.
إن أئمة وخطباء وساكنة جهة تادلة أزيلال يشهدون أن الحقل الديني قد صلح شأنه واستقام حاله بفضل هذا الرجل، بعدما كان يَعْمَهُ في الفساد والجهل في مرحلة سلفه.
أنا أعرف أن الدكتور إدريس أوهنا يتميز بفكر علمي رصين وهو ذو حصافة وحصانة لأنني منذ عرفته وهو رجل حوار وله قدرة عالية على الإقناع، يعشق المناظرات والمطارحات الفكرية والعلمية وهو محاضر بليغ يقنعك لما يلم به من علم وحجج ودلائل، وكل هذه الأمور جعلته مندوبا ناجحا مؤثرا بفكره الوسطي في الخطباء والأئمة، فتراه دائما وأبدا يعقد لهم دورات تدريبية تكوينية مستمرة يقوم بنفسه بتأطيرها، حتى أن جميع الأقاليم تستدعيه ليحاضر هنا وهناك وينشر فكر الاعتدال وغالبا ما تدور محاضراته حول التربية والقيم والوسطية والاعتدال وأحيانا عندما يشتهي الحديث في السياسة يتحدث عن الإصلاح من داخل المؤسسات. ولعل هذا الإصلاح وما شابه الذي تبناه في محاولاته لنقد الإدارة الرسمية المشرفة على الحقل الديني هو الذي كان من وراء هذا التوقيف من السيد التوفيق.
ويحق لنا أن نتساءل قائلين: إذا كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد كرمت الرجل واحتفت به من خلال موضوع أبهرها حول الحوار فلماذا لا تؤمن هي بالحوار وتلجأ إلى الإستغناء عن علمائها وأطرها دون الاستماع إليهم ودون إخبارهم حتى مجرد إخبار عن السبب الكامن من وراء إقالتهم أو الاستغناء عن فكرهم الوسطي الذي يعمل على حماية البلاد من فكر الإرهاب والتطرف. يبدو أن وزارة الأوقاف لا يعول عليها في نشر الوسطية والاعتدال مادامت تقصي الخبراء في الفكر الوسطي والاعتدال.
Aucun commentaire