أحمد الجبلي

نكاد نجزم أن الأغلبية من الناس يملكون أرصدة بنكية يتعاملون معها من خلال عمليتي الإيداع والسحب، ولهذا سيسهل استيعاب هذه الاستراتيجية التربوية التي هي « بنك العواطف ».

تعتمد استراتيجية « بنك العواطف » تماما كما تعتمد جميع الأرصدة البنكية على العمليتين المذكورتين آنفا،  إلا أن تمة اختلافا كبيرا بين الحسابين وبين سبل ومفهوم الإيداع والسحب.

فإذا كانت عملية الإيداع والسحب في الأبناك المالية المشهورة تعتمد على عملة واحدة هي مناط هذا الإيداع وهذا السحب وهي العملة النقدية فإن العملة الوحيدة التي تودع في بنك العواطف هي المشاعر وما يدخل في دائرتها.

إن كل إنسان مطالب بإيداع أكبر قدر ممكن من المشاعر الفياضة والتعبير عن الحب وتقديم خدمات جليلة معتبرة للذين يحيطون به سواء من الأصدقاء أو الجيران أو زملاء العمل أو منهم تحديدا أبناؤه وزوجته وإخوانه، أي عشيرته والأقربين لكونهم يشكلون المحيط الذي يعيش وسطه وبالتالي يحتك به في أغلب الأوقات.

إن الإنسان عندما يودع أموالا طائلة وكثيرة في حسابه البنكي لا تضيره عمليات السحب حتى ولو تكررت نظرا لكون الرصيد ما شاء الله ضخم وكبير. ولكن ماذا عسى الإنسان أن يسحب من رصيده عندما يكون فارغا؟

من المؤكد أنه لن يستطيع سحب أي مبلغ والحالة هاته نظرا للإفلاس الذي يعيشه ولكونه لم يُدخل شيئا لرصيده منذ زمن. فتكون عدم القدرة على السحب أمرا طبيعيا منسجما مع عدم وجود رصيد أصلا.

إن بنك العواطف أشبه بكثير ببنك الأموال، أي كلما أودعنا مشاعر أكثر في علاقاتنا بالآخرين ستشفع لنا في حالة أخطائنا معهم. لأن رصيدنا الذي أودعناه فيهم وقمنا بضخه في قلوبهم أكبر بكثير ولا يمكن أن ينضب أو يقل بمجرد أن نسحب منه شيئا عن طريق زلة لسان أو خطأ أو التسبب في ألم ما.

إن الأمر أشبه بما يقع عادة للأساتذة والمعلمين، فأحد التلاميذ كان مجتهدا ومتواصلا بارعا يشارك في القسم فيضفي عليه حيوية وبهجة، يسهم دائما في توفير أجواء تعليمية مدهشة تساعد الأستاذ في مهامه وتحقيق أهدافه، مما جعل هذا التلميذ محبوبا جدا لدى الأستاذ وكأن هذا التلميذ قد ضخ سيولة كبيرة في بنك عواطف أستاذه. وحدث يوما أن ارتكب التلميذ حماقة من الحماقات داخل القسم وكانت هذه الحماقة مما لا يغتفر، فالتفت الأستاذ لتلميذه وقال له: والله لو فعلها أحد غيرك لكان لي معه حساب عسير ولكن للأسف لا أستطيع أن تخذ في حقك أي إجراء.

إن مثل هذا يقع لنا مع العديد من الناس بما فيهم أبناؤنا، وغالبا ما يسهل علينا خلق الأعذار لمثل هؤلاء الذين لهم أرصدة ضخمة في بنك عواطفنا. ولكن غالبا ما لا يتساهل الناس مع أناس لهم أرصدة جافة شحيحة مفلسة لأنهم لا يجدون شيئا يسحبونه منها عند الحاجة.

إذن، يصبح من أرقى ما يضخ الحيوية في علاقات الناس ويخلق أجواء التسامح والتغاضي عن الأخطاء، حتى تستمر العلائق في أبهى صورها وتقل المناوشات والصراعات، العمل على ضخ أكبر كم من سيولة المشاعر في أرصدتنا التي عند الآخرين، ومحاولة ما أمكن عدم السحب منها حتى تبقى دائما ملأى بثروة هائلة إلا إذا اضطررنا مرغمين للسحب منها.