Home»National»الثقافة الشعبية الامازيغية عند المختار السوس

الثقافة الشعبية الامازيغية عند المختار السوس

5
Shares
PinterestGoogle+

الموضوع لا يعدو كونه مدخلا لبحث او أبحاث تروم رصد الظواهر الثقافية من خلال ما كتبه المغاربة او ما كتبه غيرهم عنهم.و لقد اخترت موضوع الثقافة الشعبية الامازيغية  عند المختار السوسي لكونه يطرح عند الكثيرين تساؤلا كبيرا يمكن تحديده فيما يلي: ما الذي يدفع فقيها ومؤرخا و أديبا إلى الاهتمام بالثقافة الشعبية، او بما « يعتبر عند البعض من سقط المتاع » على حد تعبيره ؟.
محمد المختار السوسي(1318هـ ـ 1900م. // 1383هـ ـ 1963م)  أحد أبرز رجالات الثقافة والفكر بالمغرب،الذين تعددت اختصاصاتهم واهتماماتهم العلمية، فكان فقيها ومؤرخا وأديبا لا يشق له غبار و لا يجارى، وتعتبر مؤلفاته مصادر ذات قيمة علمية كبيرة وهامة، يشكل الحضور المكثف للثقافة الشعبية فيها امرا لافتا للانتباه، لا يمكن تجاهله.
–  فما الذي دفع مؤرخا و أديبا إلى الاهتمام بالثقافة الشعبية او بما « يعتبر عند البعض من سقط المتاع » على حد تعبيره ؟:
–  و ما مفهوم الثقافة الشعبية عند المختار السوسي ؟
–   كيف تعامل مع مكونات الثقافة الشعبية؟
–  وما الوسائل التي وظفها في رصد المظاهر الثقافية الشعبية.؟
اولا: ما الذي دفع مؤرخا و أديبا إلى الاهتمام بثقافة الشعبية او بما « يعتبر عند البعض من سقط المتاع » على حد تعبيره ؟:
قبل الجواب عن هذا التساؤل ينبغي استبعاد فرضية التعصب العرقي أو الانتصار إلى الامازيغ كما قد يتصور البعض لاعتبارات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
.1    انه الرجل كان معروفا بمعارضته الشديدة للظهير البربري الذي أعلنته السلطات الفرنسية، و مجاهرته بالحركة الوطنية في منطقته ، مما جر عليه نقمة الفرنسيين وعملائهم، فتعرض لمحنتي السجن و النفي
.2    أنه كان منافحا عن الوحدة الوطنية حتى في بعدها الثقافي المتعلق باللغة ،واكثر من ذلك كان يعتبر نفسه عربيا قحا مع انه امازيغي الاصل ففي حديثه عن علاقة الايليغيين باللغة العربية يقول: » الحمد لله الذي هدانا حتى صرنا  نحن ابناء إليغ العجم نذوق حلاوتها و ندرك طلاوتها و نستشف آدابها و نخوض امواج قوافيها حتى لنعد انفسنا من ابناء يعْرب و ان لم نكن إلا ابناء امازيغ فالانسان بذوقه  و بما يستحليه عند التعبير لا بما رضعه من ثدي امهاته ، و اللسان بما تتفتح له به المعاني الحلوة  لا بما يتهدج به من لغة يرثها لا تعد من نبع و لا غَرَبٍ. اللغة العربية عندنا معشر الاليغيين  هي لغتنا  حقا التي نعتز بها …حتى اننا لنرى انفسنا من ورثة الادب العربي فنغار ان مسه ماس بفهامة و ندود عن حماه ان احسسنا بمن يريد لن يمسه بإهانة فنحن عرب اقحاح من حرشة الضباب و المستطيبين للشيح القيصوم و ان لم تكن اصولنا الا  من هؤلاء الذين يجاوروننا من ابناء الشلحيين الاماجد »
.3    ان الرجل نفسه صرح بأن اختياره الكتابة عن ثقافة سوس عموما كان بدافع علمي لا عنصرية فيه .. يقول في مقدمة سوس العالمة: » قد يخطر في بال بعض الناس القصيري النظر ان السجلماسي او الدكالي مثلا اذا تصدى كل واحد منهما لمثل هذا البحث في ناحيته ان ذلك من العنصرية الممقوتة… ان هذا العمل ليس من العنصرية في شيء ، فهل اذا توفر الطبيب للتخصص في شيء ، فهل اذا توفر الطبيب للتخصص  في بحث ما حول عضو من الاعضاء نميزه بالعنصرية ازاء الاعضاء الاخرى؟
.4    و يقول ايضا: »و يعلم الله انه لو قدر لي ان اكون ابن تافيلالت او درعة او الريف او جبالة او الاطلس او تادلة او دكالة لرأيت الواجب علي ان اقوم بمثل هذا العمل نفسه لتلك الناحية.. »
ان الاشتغال بثقافة سوس عامة عند المختار السوسي يأتي في اطار مشروع يؤسس لما يمكن تسميته بالكتابة التاريخية العامة التي تتعامل مع الواقع في كل أبعاده ( الاجتماعي والديني والسياسي والعلمي والثقافي والعمراني) يهدف من ورائه إلى :
.1    رد الاعتبار لسوس باديتها و ابناؤها و ثقافتها العالمة و الشعبية.
.2    تحفيز غيره على  الكتابة عن تاريخ مناطقهم يقول: »فليسمع صوت هذا السوسي كل جوانب المغرب من أعظم حاضرة إلى اصغر بادية فلعل من يصيخون يندفعون الى الميدان فنرى لكل ناحية سجلا يضبط حوادثها و يعرف برجالها و يستقصي عاداتها »
.3    تدوين او تسجيل كل ما يتعلق بتاريخ المنطقة خوفا من اندثاره بفعل التغيير الذي احدثه الاستعمار و توفير المادة البحثية الخام للمؤرخين او لمن سيأتي ممن يهتمون بتاريخ ابائهم و اجدادهم يقول : »  فلهؤلاء يجب على من وفقه الله من أبناء اليوم أن يسعى إلى إيجاد المواد الخام لهم من كل ناحية من النواحي التي تندثر بين أعيننا اليوم و ما ذلك إلا بإيجاد مراجع للتاريخ يسجل فيها عن أمس كل ما يمكن من الأخبار و العادات و الأعمال و المحافظة على المثل العليا. بل يسجل فيه كل ما كان و لو الخرافات أو ما يشبه الخرافات .. ». و يقول أيضا: » فيكون ذلك ادعى الى وضع  الأسس العامة أمام من سيبحثون في المغرب العام غدا على منضدة التاريخ المغربي العام »
ثانيا: مفهوم الثقافة الشعبية عند المختار السوسي
يظهر من خلال ما كتبه المختار السوسي انه كان حريصا على تدوين كل ما له تعلق بالثقافة العالمة و الشعبية على حد سواء.. و ربما ارتباط المجتمع الامازيغي  العضوي بالثقافة الشعبية انتاجا و ممارسة الى درجة شكلت معه جزء من هويته الاجتماعية رسخ لدى المختار السوسي الوعي بأهمية الثقافة الشعبية و بضرورة رصد ظواهرها المتعددة و عدم اغفالها لذلك وجدناه يتأسف مثلا على ما طال نظيراتها في مناطق أخرى من التهميش و النسيان، يقول: » و من مفاخر المغرب ان هذا العمل بنفسه او اكثر منه كان في بوادي درعة و في تافيلالت و في دكالة و في الريف و لكن اين من يجمع لنا مما هناك مثل هذا الجمع؟ » .فنقل الاخبار و العادات و الأعمال و المثل العليا..و الخرافات او ما يشبه الخرافات…كان من بين شغله الشاغل…و مع ذلك لم يحاول ان يضع تعريفا صريحا لمعنى الثقافة الشعبية و لم يستعمل حتى المصطلح نفسه…ربما لأنه » لم يشأ ان يمارس سلطة العقل على طبيعة ما كان يشتغل به.، باعتبار أن رغبة التعريف تنطوي لدى الإنسان على الرغبة في ممارسة سلطة العقل على الأشياء.. و لكن بتتبع كلامه المبتوث في ثنايا بعض مصنفاته يمكن القول ان الرجل كان يملك تصورا معينا عن ماهية الثقافة الشعبية او عن ماهية ما اشتغل به مما يندرج في مسمى الثقافة الشعبية و عن مكوناتها .. ..
– ففي حديثه عن عادات الامازيغ في عاشوراء يقول: هذا و لا يشتغل بهذه العوائد في عاشوراء الا الرعاع و العجائز و اما العقلاء فإنهم لا يتنازلون الى تلك الميادين ـ و حاشاهم ـ فإنهم ما يزالون ضد هذه البدع »
– و يقول في مقدمة المعسول: « قد يجد القارئ من ابناء اليوم مما اكتبه ما يعده من سقط المتاع و مما لا ينبغي أن يهتم به مما يعده عند نفسه في ذوقه من الخرافات »
– و يقول ايضا:  « احرص على ذكر العادات و طرائف الاخبار و النكات الأدبية و القوافي و ان لم تكن عند الأذواق العالية العالية في الادب  »
– و يقول حاضا غيره على الكتابة التاريخية: »ما ذلك الا بإيجاد مراجع للتاريخ يسجل فيها عن امس كل ما يمكن من الأخبار و العادات و الاعمال و المحافظة على المثل العليا. بل يسجل فيه كل ما كان و لو الخرافات او ما يشبه الخرافات .. »
– يقول ايضا : » امس كانت عندنا تقاليد محترمة في اللباس و في اختيار التأثيث و في هيئة الجلوس و في اقامة الحفلات و في مزاولة الأعمال. فتكونت لنا هيئة اجتماعية توافقنا لانها كانت متسلسلة عن الاجداد لا يحس فيها تغير ما في كل جيل.. »
فيتضح لنا من هذا أن الثقافة الشعبية الامازيغية هي ثقافة تميز المجتمع الامازيغي في اللباس و اختيار التأثيث هيئة الجلوس اقامة الحفلات مزاولة الاعمال العادات الخرافات اوما يشبه الخرافات… و هي ثقافة مصطنعة  في الغالب يمارسها العوام او الرعاع على حد تعبيره ويحملونها و قد لا ترقى اذا كانت مثلا فنونا شعرية و سردية الى مستوى » الاذواق العالية » او الى مستوى نظيرتها في الثقافة العالمة و الكتابة او الاشتغال بها قد يعد عند البعض من  » سقط المتاع و مما لا ينبغي أن يهتم به ».  و هذا التصور لمعنى الثقافة الشعبية كما نستشفه من كلامه هو قريب من مفهومها المتداول في الادبيات الاجتماعية.

  و تختص  الثقافة الشعبية الامازيغية عند المختار السوسي كما يفهم من كلامه  بما يلي:
– كون عناصرها منتجة او مصطنعة من الانسان الامازيغي  بمعنى ان الانسان الامازيغي عبر تاريخه انتج ثقافة هي نفسها الثقافة التي يستهلكها يقول: » امس كانت عندنا تقاليد محترمة في اللباس و في اختيار التأثيث و في هيئة الجلوس و في اقامة الحفلات و في مزاولة الاعمال. فتكونت لنا هيئة اجتماعية توافقنا لانها كانت متسلسلة عن الأجداد، لا يحس فيها تغير ما في كل جيل فكانت لها موازين خاصة مألوفة اليها يتحاكم ذوو الاذواق و الافكار عند الاختلاف فيتخذ حكمها مسمطا و قانونها مرتكز  في اعماق النفوس لا مسطر في الطروس. تلاءمت فيه مقتضيات حياتنا و ديننا و عادات مجتمعنا تلاؤما تاما دين العربية و لغة التدين و عادات تكونت تحت نظرهما في قطر امتزج فيه العرب و البربر تمازج الماء القراح بالراح »
– كونها موروثة او  متسلسلة عن الاجداد على حد تعبيره او كما يقول عما يغني في ليلة عاشوراء: » ثم يرجع الجميع و هم يغنون غناء معلوما محفوظا متوارثا » المعسول ص30 وعنصر الوراثة و هو من اهم العناصر التي تميز الثقافة الشعبية يضمن بقاءها و استمراريتها عبر الرواية الشفوية والممارسة في اطار العائلة او القبيلة او المجتمع
– كونها محلية تختلف عما هي عليه في جهات أخرى..
ثالثا: كيف تعامل مع مكونات الثقافة الشعبية ؟
ينطلق المختار السوسي من مسلمة « ان لكل بيئة عادات قد توافق عادات غيرها و قد تخالفها و الغالب ان عادات المتجاورين تتشابه.. » لذلك فهو عندما يتحدث عن عادات الاليغيين فضمنيا هو حديث عن عادات غيرهم على اعتبار ان الاليغيين لا تنفردون في عاداتهم عن غيرهم الا فيما ندر. و عنده أن  » العادات تدخل كل ناحية من نواحي الحياة حتى الدين نفسه لا يرتكز الا بعاداته » » لذلك نجد كثيرين من المتدينين انما اعتادوا التدين فالصلاة و الصيام و اداب السلام و اعتياد القول الجميل و الاخلاق الفاضلة و الا فهم قد يتكشفون عما في حنايا صدورهم، فإذا بهم لم تمازج الدين و لا بشاشة قلوبهم »
اما تعامله معها  فيقوم على رصد الظواهر الثقافية و التعامل معها بكل تجرد دون يقول:  » لا ننظر إلا للواقع المعتاد من غير أن نزن بميزان الشرع و لذلك نحكي ما كان للتاريخ و للعبرة و إن كان بعضه من البدع أو من الخرافات أو مما لا يرضى الاليغيون ان يعرف عنهم لأن التاريخ كالمرآة تبين كل ما يقابلها كيفما كان »
و لم يكتف بالإشارة إلى عوائد القبائل وأعرافها ، بل أفرد لها عملا خاصا بها سماه : «أخلاق وعادات سوسية»: يقول عنه: » كنت أجْمَع ما أراه من عادات إلغ وما إليها تَحت اسم (حديث سيدي حمو)، فجعلتها رواية ولكن إلى الآن لَمَّا أتّمها، مع أن الموضوع سهل ونافع في وصف الهيئة الاجتماعية »
رابعا: الوسائل التي وظفها في رصد المظاهر الثقافية الشعبية:
لقد وظف في رصده لعادات سوس عامة و ايليغ خاصة من الأدوات العلمية الكثير كالتدوين والتوثيق والملاحظة والمقابلة، و عن اسلوب المقابلة و هي من الاساليب العلمية الحديثة التي توظف في حقول معرفية كثيرة  كعلوم التربية و علم النفس و علم الاجتماع و الانثروبولوجيا.يقول « فقد حبب إلي الجولان في البلاد، ومخالطة كل الطبقات في كل ناد، ومجاذبة الحديث العلمي بين كل الجماعات من حاضر وباد، لعلي أستفيد ما لم يكن به علم قبل… فأكبر اللذات عندي المجاذبة حول تحرير مسائل المنقول أو المعقول، وهل بقي من اللذات إلا محادثة الرجال ذوي العقول « 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *