قمة الضمائر من أجل المناخ مؤشر على حاجة الإنسان في هذا العالم إلى وازع ديني وأخلاقي يحكمه ويوجهه
قمة الضمائر من أجل المناخ مؤشر على حاجة الإنسان في هذا العالم إلى وازع ديني وأخلاقي يحكمه ويوجهه
محمد شركي
عقدت بالعاصمة العلمية فاس يوم الخميس في الثالث من نوفمبر 2016 قمة: » الضمائر من أجل المناخ » وهي قمة مواكبة لمؤتمر الأطراف » كوب 22″ الذي سينطلق بمدينة مراكش ابتداء من الثامن من نوفمبر. وجمعت هذه القمة علماء دين وفلاسفة ، وكان الغرض منها تدارس كيفية توظيف الدين والأخلاق من أجل تحريك الضمائر لتدارك ما يهدد البيئة الطبيعية من مخاطر بسبب ما يصدر عن الإنسان من سلوكات وتصرفات عدوانية تجاه البيئة التي تحتضنه، وذلك بتهافته على إشباع رغباته بطرق طائشة تدمر البيئة بشكل رهيب . ولقد رفعت هذه القمة شعار : » أقوم بحصتي » والمقصود بهذا الشعار هو توعية الإنسان بمشاركته في صيانة البيئة من أجل ضمان حقه في بيئة سليمة صيانة لكرامته الإنسانية .
ولا شك أن استباق مؤتمر الأطراف » كوب 22″ بقمة الضمائر يعكس مدى الوعي بدور الدين في تربية الناس و تخليقهم وتوجيههم نحو السلوك الإنساني السوي تجاه البيئة وتجاه أنفسهم . ولا شك أن مؤتمر الأطراف سيتناول قضايا بيئية ومناخية من زوايا متعددة ، وسيفصل في موضوع المخاطر المهددة للبيئة عن طريق مداخلات أخصائيين ، وسينتهي الأمر بمعرفة مصدر المخاطر، ولكن ستبقى نتيجة مؤتمر الأطراف رهينة بالوازع الديني والأخلاقي ، وبدونه لن تسلم البيئة من الدمار الذي يهددها .
والتفكير في جمع رجال الدين والفلاسفة في قمة الضمائر لاستنهاض الضمائر يعكس وخزة الضمير العالمي المعبرة عن الاستياء من سلوك إنسان هذا العالم الذي صار لا يبالي بما يقترفه من جرائم في حق بيئة تحتضنه ، وتوفر له العيش الكريم والكرامة . وقمة الضمائر مؤشر على حاجة الإنسان الماسة إلى وازع ديني وأخلاقي يحكمه ويوجهه .
ولقد استهدف الوازع الديني والأخلاقي بشكل غير مسبوق في عالم اليوم حيث فسح المجال الواسع للتيارات الفكرية الرافضة والمعادية للدين والأخلاق والمناهضة لهما . واختار العالم المهوس بالقوة والعنف عولمة التيارات الفكرية المناهضة للدين والأخلاق ، فكانت النتيجة هي صناعة إنسان مادي بلا روح ، إنسان الجشع المادي الذي جعله يدمر نفسه من خلال تدمير محيطه . وهذا الإنسان هو إنسان يرفع » شعار أنا والطوفان من بعدي » دون أن يعي أن الطوفان لن يفلته أيضا . فها هو الطوفان يكتسحه من خلال ما ألحقه ببيئته من أضرار جسيمة ، وأنى له أن يكون بمنجاة من خطر يهدد المحيط البيئي الذي يحتضنه . ولقد أقبل الإنسان المجرد من الوازع الديني والأخلاقي على الاستهلاك الفاحش والمدمر للموارد الطبيعية بطرق وأساليب مدمرة للبيئة بكل مكوناتها ، وصار لا يهمه سوى إشباع رغباته وشهواته التي لا حدود لها . واعتدى هذا الإنسان على كل المخلوقات التي تشاركه العيش في عالمه ، وهي مسخرة من خالقها سبحانه وتعالى لخدمته إلا أنه لم يحسن معاملتها ولا توظيفها ولا تسخيرها .
ولقد نصب إنسان هذا العصر نفسه إلها جبارا مستكبرا في الأرض بل في الكون كله ، وصار يتصرف فيهما وفق هواه الأهوج مع تغييب كامل لإله هذا الكون جل في علاه ، فأساء الإساءة الكبرى لما لم يخلقه، ولم يصنعه بل استخلف فيه من طرف الخالق العظيم جل جلاله .
وإن الوازع الديني يجعل الإنسان على وعي تام بطبيعته الإنسانية المخلوقة ، وهذه الحقيقة هي التي ترده إلى صوابه ، وتجعله يتصرف في الكون تصرف المستخلف ـ بفتح اللام ـ وهو تصرف يكون وفق توجيهات المستخلف ـ بكسر اللام ـ . والإنسان حين يتنكر لمخلوقيته، فإن ذلك يترتب عنه التنكر للاستخلاف ، ومن ثم التصرف خارج ضوابطه ، وهو ما صار يهدد العالم اليوم.
وإن توعية إنسان هذا العصر بالمخاطر المهددة له بسبب اعتدائه على محيطه البيئي وهو إنسان تحكمه ثقافة التهافت على الاستهلاك الفاحش والمستنزف للموارد الطبيعية مهما بلغت هذه التوعية، ومهما كانت أساليبها لن تؤتي أكلها طالما ظل الإنسان يتنكر لمخلوقيته ولخالقه . وإن معادلة الخالق والمخلوق هي وحدها الكفيلة بحل مشكل دمار البيئة الذي بات يؤرق البشرية اليوم .
وإن إنسان هذا العصر الذي يستخف بالوازع الديني ، ويقصيه من حياته ، ويسخر منه، وجد نفسه أمام معضلة دمار محيطه البيئي ، ولا مندوحة له عن التصالح مع الوازع الديني لتدارك الكارثة البيئية المحدقة به ، ذلك أن هذا الوازع يردعه حين تحدثه نفسه بالتصرف في بيئته كما يشاء ووفق هواه. والإنسان الذي يحكمه الوازع الديني يؤمن بثنائية الخالق والمخلوق ، وثنائية الحياة الدنيا والحياة الأخرى ، وثنائية العمل في الأولى والجزاء في الأخرى ، وثنائية زوال الأولى ، ودوام الأخرى ، وهذه الثنائيات هي التي تجعله منضبطا، فشتان بين من يصون محيطه البيئي خضوعا لأمر خالقه الذي يختبره في الدنيا ليجازيه في الآخرة ، وبين من يفعل ذلك لمجرد الحرص على مصلحته في حياة زائلة . وقد يكون فعل صيانة المحيط البيئي واحدا بين متدين وغير متدين إلا أنه في الحقيقة يكون مختلفا باختلاف النوايا والمنطلقات ، فهذا على سبيل المثال لا يلوث الطبيعة خوفا على مصلحته فقط ، وذاك لا يلوثها خوفا من عقاب خالقه أساسا وفي ذلك صيانة لمصلحته أيضا لأن الغاية التي توخاها خالقه هي مصلحته.
وإن قمة الأطراف » كوب 22″ إذا ما اقتصرت على قرع أجراس الخطر المهدد للبيئة والمناخ ، و الاقتصار على تخويف الناس من ذلك ، والإفاضة في شروحات وتفاصيل أسباب تلك المخاطر ونتائجها ، فإنها لن تصل إلى مكمن الداء في إنسان هذا العصر ألا وهو تغييب الوازع الديني والأخلاقي . وطالما أن هذا الإنسان لا يخشى خالقه ، ولا يتصرف فيما استخلفه فيه وفق إرادة هذا الخالق ، فإنه لن يرعوي أبدا عن تدمير محيطه البيئي .
ويسخر كثير من المستلبين فكريا وثقافيا عندنا من الوازع الديني، وهم في ذلك مقلدون لغيرهم من الذين يتنكرون له ، فحين يسمعون على سبيل المثال عن ضبط دين الإسلام لاستعمال الماء في عبادة الصلاة حيث لا يسمح هذا الدين بالإسراف في الوضوء أو الغسل ولو كان ذلك بجوار نهر أو بحر ،وهو توجيه إلهي أوحى به لرسوله صلى الله عليه وسلم ليبلغه بدوره للناس، يضحكون ملء أشداقهم من ذلك ، ويسخرون منه ، ولا يلتفتون إليه إلا حينما ترفع تقارير من طرف غيرهم تفيد أن الثروة المائية في العالم مهددة بالنفاد بسبب الإسراف في استهلاك الماء ، إنهم مجرد ببغاوات يقلدون غيرهم ، و مع ذلك لا ينزلون من أبراج كبريائهم ، ولا يتخلون عن عنادهم ومكابرتهم بالرجوع إلى دينهم حيث الحقيقة التي لا سبيل للتنكر لها . وقياسا على موقفهم الساخر والمستخف من موقف الإسلام من تبذير نعمة الماء ، تأتي مواقفهم من كل موقف يتخذه هذا الدين من مكونات البيئة المختلفة لحمايتها وصيانتها ، وهم لا يبالون إلا بما يصدر عن الغير لأنهم مستلبون قد عطلوا إرادتهم أمام إرادة هذا الغير . فكم من خطب منبرية في الجمع التي يلقى كل أسبوع حذرت من الاعتداء على البيئة انطلاقا من تحريك الوازع الديني ، لكنها لا يرى ولا يلمس لها أثر في النفوس لأن تلك المنابر فقدت ما تستوجبه من ثقة و احترام بسبب شيوع ثقافة التجاسر على الدين وعلى المشتغلين به من علماء وفقهاء وخطباء ووعاظ . ومع شديد الحسرة والأسف يساهم كثير من هؤلاء في تكريس تجاسر المتجاسرين على الدين بسبب أساليبهم بعضهم المتخلفة في إيقاظ الوازع الديني في النفوس ، وبسبب القبول بالتجاسر عليهم، وعلى الدين مع الخضوع للمتجاسرين والاستسلام لإرادتهم وللأمر الواقع المفروض عليهم . ومن أشكال التجاسر الصارخة على الدين على سبيل المثال لا الحصر السخرية من صلاة الاستسقاء التي شرعها الله عز وجل عند انحباس المطر ، وهي صلاة تدل على حضور إرادة الخالق سبحانه في موضوع المطر إلا أن بعض السفهاء المتجاسرين على الدين والمارقين منه يخوضون في هذا الموضوع وكأن الطبيعة لا خالق لها يدبر أمرها . ومما قرأت لأحدهم مقالا يقول فيه بكل وقاحة لو كانت المعاصي تحبس المطر لما أمطرت السماء في الدول الأوروبية ، والقضية في نظره قضية موقع المغرب من حيث خطوط الطول والعرض ، وأن صلاة الاستسقاء وهم ،وخرافة، وتخلف على حد تعبيره ، وهو بذلك يظن بنفسه العلم والذكاء غرورا، وبغيره الجهل والغباء .
وأخيرا نقول ما أحوج العالم اليوم إلى مؤتمرات وقمم دينية لبعث الوازع الديني في نفوس سكان هذا العالم الذين يعلنون تمردهم على خالق هذا العالم بكل وقاحة ، ويتعمدون تغيير خلقه يشكل يعود عليهم بسوء، والإخلال بتوازن هذا العالم طبيعيا وبشريا ، ولن يستقيم أمر العالم إلا بعودة الوازع الديني إلى النفوس ، فهو خير ضابط لضبط هذه النفوس ، وتصحيح نظرة الإنسان للكون ولنفسه . فهل سيهتدي العالم إلى ضرورة عودة الوازع الديني إلى النفوس لإنقاذ البشرية من هلاك محقق أم أنه سيمضي في تدمير نفسه من خلال تدمير محيطه ؟
Aucun commentaire