ما أحوج قطاع التربية إلى انضباط تربوي على غرار الانضباط العسكري للوقاية المدنية
ما أحوج قطاع التربية إلى انضباط تربوي على غرار الانضباط العسكري للوقاية المدنية
محمد شركي
صادقت الحكومة مؤخرا ،وهي في آخر ولايتها على ما سمي قانون الانضباط العسكري الذي سيسري مفعوله على أفراد الوقاية المدنية . ولا شك أن هذا الإجراء له أسباب، وجاء نتيجة ملاحظات سجلت على بعض سلوكات أفراد الوقاية المدنية . وصفة عسكري التي وصف بها الانضباط تدل على أن السلوك العسكري يختلف عن السلوك المدني . ولفظة انضباط من فعل ضبط يضبط ضبطا وضباطة ،إذا قوي على الشيء، وقهره، ولزمه، وحبسه ، ومن دلادلاته أيضا الإتقان، والإحكام، والحفظ . وفعل انضبط مطاوع لفعل ضبط ، فيقال ضبطه فانضبط . والضابط هو القائد والحاكم ، لهذا يطلق على رتبة عسكرية، وقد يطلق على صاحب الإيقاع ،فيقال ضابط إيقاع إذا أتقنه وأحكمه ، كما أنه يطلق على صاحب الكتابة ، فيقال كاتب الضبط ،وهي مهمة إدارية خاصة بالتدوين . والضابطة عند أهل العلم هي الحكم الكلي المنطبق على جزئياته، وهي القواعد . ولا شك أن استعمال لفظة انضباط المطاوعة للفظة ضبط في المجال العسكري يدل على التزام العسكريين بسلوك معين داخل المؤسسة العسكرية . ويختلف الانضباط في المؤسسة العسكرية عن الانضباط في المؤسسات المدنية، وإن كانت هذه الأخيرة لا تخلو من انضباط . ويتميز الانضباط في المؤسسات العسكرية بالصرامة بينما توجد مرونة أكثر في الانضباط بالمؤسسات المدنية . ومؤسسة الوقاية المدنية، وهي مؤسسة شبه عسكرية، وإن وصفت بالمدنية لعلاقتها بالمدنيين وخدمتهم ، كان لها انضباط خاص بها إلا أن القانون الجديد قضى بأن يحكمها انضباط عسكري لضرورة دعت إلى ذلك . ومؤسساتنا التربوية تخضع لانضباط تربوي خاص بالمتعلمين ، وبانضباط إداري ومهني خاص بالمربين من مدرسين وإداريين وغيرهم . والانضباط التربوي عبارة عن مجموعة إجراءات تلزم المتعلمين ، وتختزل فيما يسمى القوانين الداخلية للمؤسسات التربوية . ولمعالجة إخلال المتعلمين بالانضباط التربوي أو إخلال المربين بالانضباط المهني والإداري، استحدثت مجالس انضباطية ونسبتها للانضباط تدل على وجود انضباط في هذه المؤسسات ، وهي مجالس للبث في أنواع الاخلال بالانضباط في قطاع التربية سواء تعلق الأمر بالمتعلمين أم بالمربين .
وتصدر عن هذه المجالس عقوبات زجرية من أجل حمل الخارجين عن الانضباط على التزامه . ويتوقف الانضباط على فعالية وجدية العقوبات الزجرية . وقد تكون هذه العقوبات صائبة وعادلة، كما أنها قد تنحرف عن الصواب والعدل . وقد يشوب قرارات المجالس الانضباطية العيب عندما ينحاز بعض أعضائها إلى الذين يحالون عليها ، أو يقفون ضدهم ،فتفقد تلك المجالس مصداقيتها ،ولا تؤدي وظيفتها على الوجه المطلوب . فكم من مخل بالانضباط سواء كان متعلما أو مربيا يجد من يدافع عنه لسبب من الأسباب إما لتعاطف معه إذا كان متعلما ، وإما لتعصب له بدافع انتماء نقابي إذا كان مربيا ، وفي المقابل قد يغيب التعاطف والتعصب ، ويحل محلهما الانتقام ، وفي الحالتين معا تضيع مصداقية المجالس الانضباطية . ومن المعلوم أن الوزارة الوصية على قطاع التربية أصدرت مذكرة تنظيمية في شأن المجالس الانضباطية الخاصة بالمتعلمين ألغت القرارات الانضباطية التي كانت من قبل بذريعة سوء استخدامها ،وقضت بألا يطرد أو يمنع المتعلم غير المنضبط من الدراسة باعتبار ذلك حقا من حقوقه ، وقصرت الإجراء الانضباطي في تكليفه بعمل يعود على المؤسسة التي تحتضنه بنفع شريطة أن يكون ذلك خارج أوقات الدراسة ، وشريطة ألا يعرضه ذلك العمل لخطر أو إهانة . وبهذا القرار فتحت الوزارة الوصية الباب على مصراعيه لعدم انضباط المتعلمين ، وصار الانضباط منعدم في المؤسسات التربوية، وهو ما انعكس سلبا على التحصيل ، وجودة التعليم ، وهو من أسباب تدني المستوى التعليمي بتدني المستوى الأخلاقي في غياب الضوابط التربوية . ولما حصرت الوزارة الوصية الإجراءات التأديبية بالنسبة للمتعلمين في القيام بأعمال تعود بالنفع على مؤسساتهم ، وهو إجراء أفرغه من مضمونه أنه مشروط بعدم تعريض المتعلم للمخاطر أو الإهانة ، علما بأن ما تحتاجه المؤسسات التربوية لا يخلو من أن يكون محفوفا بخطر فضلا عن كونه مهينا .
فعلى سبيل المثال لا الحصر تحتاج مرافق المؤسسات التربوية إلى نظافة، وهي عمل يعود عليها بالنفع ، وتختلف تلك المرافق من حيث نظافتها، ذلك أن نظافة دورات المياه ليست هي نظافة الساحات أوالملاعب الرياضية أو الفصول الدراسية . ونظرا لكون الإجراء الانضباطي إذا تعلق الأمر بتنظيف المرافق مشروطا بانعدام الخطورة والإهانة، فإن المرافق الصحية يجب أن تستثنى بالضرورة من هذا الإجراء لما في تنظيفها من إهانة ، وهو ما منعته المذكرة الوزارية . وقد تستثنى مرافق أخرى من التنظيف إذا ما جر ذلك على المنظف خطورة باستعمال أداة أو مادة أو غير ذلك . و إذا لم يوجد عمل يعود على المؤسسات التربوية بالنفع يظل الإجراء التأديبي معلقا أو يغيب أو يلغى ، وبهذا تكون الوزارة الوصية قد ألغت الإجراءات الانضباطية أو الانضباط التربوي بطريقة غير مباشرة، الشيء الذي ولد فوضى لا حدود لها في المؤسسات التربوية ، وجعل سير الدروس متعثرا إذ يقضي المدرسون وقتا معتبرا في محاولة ضبط المتعلمين غير المنضبطين، كما أنهم يعانون من تجاسر المتعلمين عليهم، بل وحتى الاعتداء عليهم شتما وسبا وإهانة وعنفا . ولهذا يجدر بالوزارة الوصية عن التربية أن تحذو حذو غيرها من المؤسسات ذات الانضباط الصارم ، فتصدر قرارا بالانضباط التربوي على غرار الانضباط العسكري التي شمل مؤسسة الوقاية المدنية إذا ما كانت تراهن بالفعل على جودة التعليم ليكون رافعة التنمية حقيقة لا ادعاء .
1 Comment
صدقت السيد الشركي في هذا الموضوع رغم أني كنت أعارضك بعض المرات والمراسلة الوزارية حول الانضباط لا تخدم مصلحة الوؤسسة وغير المنضبط