زعـمـــاء و لكـــن ..!!
إن ما أثار انتباهي واستغرابي في نفس الوقت، هو ما برح يتشدق به البعض من غير العارفين بخبايا الأمور ، أو من الذين انطلت عليهم لعبة الكلمات والشعارات الطنانة والصيحات الرنانة ، وهو أن كل حركة تمردية أو انفصالية هي حركة تحررية ، وأن زعمائها و قادتها هم مُلهمون ومعصومون من الشوائب والزلات ،بلغوا بهم الأتباع و المريدون قدسية ، يكادون يبلغون بها حد الأنبياء في هذا المجال ..فكرة يُـدمغ بها مريدو الحركات والجماعات دمغــا ، على اختلاف ايديولوجياتها ، وعلى تباين مرجعياتها وخلفياتها الفكرية و العقدية .
قادة أو زعماء لحركات متمردة أو انفصالية ، لا تخفي نيتها في تقسيم المقسم، و تجزيء المجزء، تُـجاهر بذلك ، تساندها في توجهها أيادي السوء والغدر في كل مكان .. قادة يفعلون ما يشاؤون ، دون أي اعتراض من أي كان من الأتباع والمريدين ، يترشحون بمفردهم في كل الدورات، ولا يجرأ أي كان أن يتقدم إلى نفس منصبهم ، وإن فعل ، فسيُرمى بالخيانة و العمالة ، وذلك مدخل للتخلص منه بشكل نهائي ، عن طريق التصفية الجسدية ، لأن الزعامة والقيادة و الرئاسة من خاصتهم هم ، ومن حقهم هم ، بل إنهم إنما خلقوا ليكونوا قادة و زعماء ، وليس أحد آخر غيرهم .. كما لا يحق لأحد من الأتباع و المريدين و المُغرّر بهم من الحركة أو الجماعة ، أن يطلع على خبايا المداخيل والمصاريف الخاصة بها .. فللقائد وحده ،كل حقوق الصرف والعطاء والإمساك ، بالشكل الذي يريد ، وبالقدر الذي يريد ، من دون حسيب أو ر قيب ، وكأن المال هو خاصته ،الذي لا يملك أحد الحق في المطالبة به، أو بنصيب منه . فهو المتفرد في الحركة ، وهو الآمر و الناهي من دون معارضة أو إبداء رأي أو نصيحة حتى ..
– أليس هذا حال معظم حركاتنا المسماة تحررية ، أو جماعاتنا المسماة دعوية أو جهادية ؟ أليس هذا حال زعمائها وشيوخهـا الأفاضل ؟؟.
– ما الفرق إذن بين زعيم عصابة انفصالية مثل عبد العزيز المراكشي ، ورئيس دولة مثل بوتفليقة أو بشار أو صالح أو البشير أو غيرهم من القادة العرب ؟؟ .
– أليسوا كلهم ثابتين ساكنين على الكرسي منذ الأزل ، وليست لهم النية في التخلي عنه طواعية لمن يليهم ، إلى يوم يقبرون ؟؟.
– أليس يجمعهم حب الزعامة و الرئاسة ؟ .
– أليس يجمعهم التصلب في المنصب ، والتكلس في الكرسي إلى حدّ التماهي والحلول ؟؟ .
– ألا يعلنون غير ما مرة أنهم باقون في المنصب ، وأن لا أحد أحسن منهم ، أو على الأقل لا أحد يضاهي مواهبهم وملكاتهم الفريدة في الزعامة و الحكمة و التبصر و الوطنية ؟؟ .
لا فرق بين زعيم عصابة و رئيس دولة في بلاد العرب ، فكلهم بالحرية و التحرر ينادون ، وبالديموقراطية و العدالة و المساواة يُهللون ، بل وعلى أمواجها يركبون ، و شعاراتها يمتطون ، ليتربعوا على كراسي الريادة و القيادة و الرئاسة ، لكنهم وبنفس الشعارات ، وبذات الأعذار الزائفة يبررون بقائهم ، وتمسكهم بالمناصب والامتيازات ، يلهثُ خلفهم جيش من الدجالين والمحتالين ، الذين يُزيّنـون لهم سوء عملهم ، ويُبخسون في أعينهم كل ما عَداهُم ،مُنتفعين هم وإياهم من هِبات المناحين ، و سخاء المُحسنين ، و دعم الكائدين ، الذين يضمرون للناس الشـرّ ، وللبلاد الضّـر ، خدمة لأطماعهم الخسيسة ، وتمكينا لأيديهم البغيضة في المنطقة العربية .
فهل يَعتبِـرُ المعتبرون ، ويستفيقُ المُريدون الذين لا يزالون في غمرة جذبتهم التي لن تدوم يَعْمَهون ؟؟ .. فما أحوجنا إلى الوطنية المتجدّرة ، وإلى الزعامة المتحررة ، و القيادة المتبصرة ، التي تضع خدمة البلاد و العباد فوق المناصب وفوق المكاسب .
محمد المهدي ــ تاوريرت ــ المغرب
07 \06 \ 2016
Aucun commentaire