إعجاب الشيطان بمن رنّ هاتفه ببيوت الرحمان
إعجاب الشيطان بمن رنّ هاتفه ببيوت الرحمان .
بقلم الدكتور أبي سيرين محمد علال
تكاد لا تخلو وقت من أوقات الصلاة في المساجد ،- التي لا يواظب عليها إلا ذووا الهمم العالية من أهل الإيمان – من أصوات مزعجة لمغنين وغيرهم ، ورنات صاخبة تختلف رناتها ، تنطلق من هواتف نقالة لأشخاص ، لا هم أحسنوا كسب هذه الهواتف وانتفعوا بها ، و لا هم أحسنوا الدخول إلى المساجد والتأدب معها.
و ما أظن أن هذا الشخص الذي ينفلت منه هاتفه في المسجد ، فيؤذي به من حوله من المصلين ، يعلم فداحة الشر الذي يأتيه ، وحجم الضرر الذي يتسبب فيه . فإن لم يكن يعلم ذلك ففي هذه الكلمات بيان لبعض ذلك ، وبالله التوفيق.
إن من علم شيئا من مقاصد هذا الدين، الذي رضيه الله لنا ، وفتح عليه أبواب الفهم لمراميه ، يعلم أن الشرع الحكيم بتشريعاته السديدة ، يسعى لأن يوفر للمسلم ،وهو في بيت الله واقف بين يدي مولاه ، الجو الروحاني المناسب ، والهدوء النفسي اللائق ، الذي يمكّنه من العروج إلى مقامات سنية سامية ، وهو مستغرق في ذكر الله بقراءة القرآن أو الصلاة . فالوقوف بين يدي الله شرف ، وقرب منه سبحانه ، وحتى يكون قلب المؤمن أهلا لهذا المقام ، وفي استعداد لمخاطبة مولاه والاتصال به ، فلا بد من أن تسبق ذلك مقدمات ، تمهد له ذلك ، وترتقي به إلى ذلك المحل ، ومن أولويات ذلك فك الارتباط بكل علائق الدنيا وأشغالها ، والارتفاع عن لذائذها ومغريتها ، وصم الأذان عن نداءاتها وأصواتها. ومن أجل ذلك حبب الشرع الكريم التبكير إلى المساجد ، وأخذ الزينة إليها ، والسير إليها بالسكينة والوقار، والتطيب لها ، لتتهيأ حواس الإنسان الداخلية والخارجية لمناجاة ربها ، ورداء الطهر يشملها ، ونور الصفاء يتلألأ منها ، فلا الأنف تجد ما يزعجها من ريح كريهة أو نتن ، ولا العين تتأذى بمناظر الألوان المزركشة الفاتنة الملهية ، ولا اليد تعبث بلحية أو أنف ، أو تمتد لمس الحصى أو غيره مما يلمس ويعبث يه ، ومن أقواله عليه الصلاة والسلام المبينة لهذا النهج قوله وهو يتحدث عن الطريقة المثلى التي يجب على المسلم أن يسلكها وهو ذاهب إلى المسجد : »…..فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار » وكأنه صلى الله عليه وسلم لا يريد للمسلم أن يدخل المسجد ودقات قلبه مرتفعة ، وأنفاسه تحدث صوتا وحشرجة ، يتأذى منها المصلون أو ينشغلون بها ، و لا يريد للمسجد أن يكون مكانا ترتفع فيها أصوات تشوش على الذاكر لله الواقف بين يديه.
وإذا تبين هذا ، وهو بين إن شاء الله ، ووصلنا إلى هذا الشخص الذي يحمل هاتفه المحمول إلى المسجد ، لنقول له : إن الذي يصحب الهاتف إلى المسجد أحد رجلين : الأول منهما لا ينتظر مكالمة من أحد ، وليس له غرض يقضيه له هاتفه في هذه المدة ، إذن هو في غير حاجة له ، وهو مستغن عنه وهو ذاهب إلى الصلاة لمناجاة ربه ، إنما هو مثقل لنفسه بحمله ، ومتأبط لشيء قد يصل به إلى إفساد صلاته … وأي عمل كان هذا شأنه فإنه لا يليق بعاقل أن يأتيه ، أو أن يقترب منه ، لأنه مزر به وقادح في شخصيته و عدالته . فكان من الأولى له أن يتركه في منزله حتى لا يأتيه في المسجد بما يشوش صلاته ، ويعيبه عليه الناس….
وأما الثاني من الناس فهو من يحمله لأنه ينتظر إتصالا من أحد ، وهذه هي الطامة الكبرى ، والسفاهة التي قد تخرج الإنسان من إنسانيته وتدخله في عوالم أخرى…. فإذا كان ينتظر مكالمة ،- والله أعلم بمن ينتظر اتصاله ، هل هو ذكر أم أنثى ؟ وما صلته به ؟؟…-وهو ذاهب للصلاة فمعناه أن باله منشغل بترقب المكالمة، وساه عن روح الصلاة ، فإذا ما رن هاتفه وهو واقف في الصلاة فإنه سيفتتن به ، وينشغل بإطفائه ، ويحرج ممن حوله من الناس ، وتضطرب حركاته ،….[وقد حكى لي أحد رواد المساجد أن واحدا من الناس صلى إلى جانبه فرن هاتفه فرد على المتصل وهو في الصلاة ، هكذا….سبحان الله ] هذا بعض ما يلحقه بنفسه ، أما ما يسببه للمصلين فإنه يشوش عليهم ، فمنهم من يذكره صوت الهاتف بنشيد أو أغنية أو موسيقى ما ، فيغرق في ذكريات قديمة تذكره به هذه الأصوات ، وتنسل روحه من الخشوع في الصلاة ، ومنهم من يقارن الرنة التي سمعها ، بالرنة التي يملكها في هاتفه ، فينخرط في استحسان هذه، وتقبيح تلك ، وتحدثه نفسه بإبدال هاته بتلك … وهكذا …حتى يسلم الإمام و هو لا يدري كم صلى … وهذا الذي يبتغيه الشيطان من المصلي ، ويوسوس له به ، ففي الحديث : »….حتى إذا قضى التثويب أ قبل – يعني الشيطان – حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول: أذكر كذا أ ذكر كذا لما لم يكن يذكر ، حتى يضل الرجل إن يدري كم صلى… »
ومنهم من يغضب لما رأى من انتهاك حرمة المسجد بهذه الأصوات التافهة ، ومنهم…….ومنهم……….. وفي كل هذا ازدراء بالصلاة ،وبمكان الصلاة ،وبالمصلين ، وبرب الصلاة …ويكفي الإنسان شرا أن يأتي بواحدة من هذه الآثام والمقابح ، إذن فليعلم الذي يقصد الصلاة ويرن عليه هاتفه وهو فيها ، أنه لا يفرق بين المسجد والمقهى ، وبين إقامة الصلاة وألعاب الملهى ، وبين رب المسجد ورب المقهى………
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل أن يشرع الأذان ، قد كره صوت الجرس الذي اقترحه بعض الصحابة رضي الله عنهم لأن يكون دعوة للصلاة ، وعلامة على أوقاتها ، وهو يقرع خارج المسجد ، فهل يا ترى سيرضى عليه السلام ، بأغاني وأناشيد وموسيقى صاخبة تافهة منفرة…. ، وهي تخترق روح الصلاة ، من مصل ، وداخل المسجد………..[لي رجعة إلى هذا الموضوع]
1 Comment
حري بالمأموم في زماننا هذا أن يضيف بعد إقامة الصلاة لفظ استووا وأطفئوا هواتفكم يرحمكم الله فإن فعل ذلك من تمام الصلاة