في الأمر متسع
في الأمر متسع .
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عيد إلى المصلى، فمر على النساء فقال : »يامعشر النساء …ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم مـن إحداكن.قلن:وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن :بلى.قال: فذلك من نقصـان عقلها،أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟.قلن :بلى.قال:فذلك من نقصان دينها ».ولازال حديث رسول الله عن عقل المرأة ودينها،يثير الجدال في كثير من المناسـبـات. ويوغـر بـه البعض صدور النساء.وقد شوهد بعضهن وقد استفزهن هذا الحديث النبوي الصحيح.
نعم الحديث صحيح،ولكنه غير صريح ،لأن صياغته اللغوية ليست صياغة تقريرية،تنشأ عنها قاعدة عامة أو حكم شرعي جازم .وإنما جاء النص أقرب ما يكون إلى التعبير عن الإعجاب والاندهاش لتغلب الضعيف على القوي .ومثل هذا سائر في كلام العرب .فقد قال الشاعر القديم »جرير » (1) :
إن العيون التي في طرفها حـور……..قـتـلـننا ثم لم يحيين قـتــلانـــــا
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به…….وهــن أضعـف خلق الله أركانـــا
والفهم الصحيح لهذا الحديث يقتضي وضعه في سياقه الخاص والعام: فلقد ورد هذا الحديث في سياق وعظ وإرشاد للنساء وفي يوم عيد. وليس من المتوقع من الرسول الكريم ذي الخلق العظيم، أن يغض من شأن النساء، أو يحط من معنوياتهن النفسية في هذه المناسبة البهية.وهو القائل في الحديث الصريح الصحيح والجامع الفصيح: »استوصوا بالنساء خيرا « (2).لقد وجه النبي مزاحه هذا إلى جماعة من نساء المدينة أغلبهن أنصاريات،جرت العادة عندهن أن يتغلبن على الرجال،فلما قدمت المهاجرات من مكة طفقن : »يأخذن مـن أدب نساء الأنصار. »(3) وهذا السلوك إن كان ألفه الأنصار لمدنيتهم ،فقد بدا غريبا لدى المهاجرين لبداوتهم، ولذلك أنكروه كما هو وا ضح من قول سيدنا « عمر بن الخطاب ».
وفيما يخص نقص الدين فلا أظنه يثير حفيظة النساء ،لأن النبي عليه السلام وضحه ،مع ضرورة الإشارة إلى أن الكلام كان عن « الدين » وليس عن « الإيمان »،فنقصان الدين في فترات الحيض والنفاس،لايعني مطلقا نقصا في الإيمان.وانظر إلى عائشة رضي الله عنها وقد أبكاها إيمانها لما فاتتها العمرة بسبب الحيض،وهنا يسلي عنها رسول الله بقوله: »لا يضرك أنت من بنات آدم، كتب عليك ما كتب عليهن »(4).وقد ترتب عن هذه المسألة فقه عجيب،حيث ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يحتمل أن تؤجر المرأة الحائض برغم تركها الصلاة.وأما قوله ناقصات عقل،فلا يعني بتاتا أن النساء ناقصات ذكاء.لأن ملكة العقل مستقلة عن ملكة الذكاء،و الفطنة ،والفهم السريع.ألا ترى الرجل قد يكون في غاية الذكاء نظرا لتخصصه العالي في الرياضيات أوالفيزياء،ولكنه إذا كان مدمنا على التدخين أو شرب الكحول..فإنه بهذا يندرج ضمن ناقصي العقل.لأن العقل هو الذي يحبس المرء والمرأة، عن طاعة العواطف الجامحة والشهوات السيئة. فالعاقل بهذا هو: »الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها…وعن التورط في المهالك. »(5)
نعم المرأة ناقصة عقل لتغلب العاطفة عليها.وغلبة العواطف ليس عيبا في النساء،بل هي ميزة لهن وخاصية للأنوثة،فبقد رما تنقص عواطف المرأة،يكون نقصان أنوثتها.ولولا قوة العاطفة، لمــا تحملت المرأة مشقة الحمل والإنجاب والإرضاع.ألا ترى أنها تجد في هذا التعب حلاوة و لذة. فإذا أضافت امرأة إلى جانب هذا شيئا من العلم و الروية والحكمة، تكون بلغت الكمال، وكانت حقا ممن عــناهــن » المتنبي »
فـي قوله: فــلو كان النساء كمن فقدنا………..لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث للشمس عيب …………..ولا التذكير فـخـر لـلـهـلال
فإن قيل قد حدد رسول الله عليه السلام، من بلغ الكمال من النساء في قوله: »كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ،ومريم بنت عمران.. »(7) قلنا في الأمر متسع،إذ كمل منهن أيضا خديجة وعائشة وفاطمة رضي الله عنهن،وكل من حدت حدوهن في العلم والحكمة و الصلاح. والله تعالى أعلى وأعلم.
د: خالد عيادي .
…………………………………………………..
1) ديوان جرير بن عطية الخطفي.تقديم كرم البستاني.دار بيروت للطباعة والنشر .1986ص 492.
2) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، ومسلم في كتاب الرضاع، في باب الوصية بالنساء.
3) أخرجه البخاري في كتاب النكاح،باب موعظة الرجل ابنته.
4) أخرجه البخاري في كتاب الحج. باب: المعتمرإذاطاف طواف العمرة. ومسلم في كتاب الحج باب: بيان وجوه الإحرام.
5) لسان العرب لابن منظور مادة « ع ق ل ».
6) شرح ديوان المتنبي.أبو الطيب المتنبي.وضعه عبد الرحمان البرقوقي.دار الكتاب العربي.بيروت جزء-3 -1986.ص149.
7) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء.باب قوله: »وضرب الله مثلا للذين آمنوامرأة فرعون ».
Aucun commentaire