رحيل آيت أحمد:حينما يستنهض الميت أحياء الجزائر
طائرة واحدة وقلوب شتى:
برحيل الزعيم الجزائري آيت أحمد- 89 سنة- بمنفاه » الاختياري » بلوزان السويسرية،يغادر الطائرة « Le Douglas DC-3 d’Air Atlas » – المقرصنة من طرف المخابرات الفرنسية في 22 أكتاوبر 1956،آخر ركابها ؛ لتواصل رحلتها براكب لا يترجل أبدا:انه التاريخ.
كان المضيف في الرباط المرحوم محمد الخامس،وكانت الوجهة تونس لحضور ملتقى مغاربي يحضره الملك والزعيم التونسي الحبيب بورقيبة.
يصر الصحفي المصري هيكل على أن لولي العهد ،وقتها ،الأمير مولاي الحسن،صلة ما بالأمر؛وهذا ما تدفع به حتى بعض القيادات الجزائرية التي بكرت بعدائها للمغرب. وهناك من يفسر هذه القرصنة بترتيب مخابراتي فرنسي لصناعة زعامة لأحمد بنبلة تؤهله لرئاسة الجزائر ،المقبلة على التحرر.
أسجل هنا أن الراحل آيت أحمد ظل ،طيلة حياته ،يبرئ المغرب من أية علاقة بالحادثة.
وعلى أي فهي طائرة « مغاربية » ،بعلبة سوداء تفسر الكثير من الملابسات التي أحاطت بقيام دولة الجزائر المستقلة ،التي انتهت أسيرة بيد قائد جيش الحدود ،الراحل هواري بومدين ؛الذي ثبت أنه لم يطلق أية رصاصة في وجه القوات الفرنسية.
ومن هنا فلن يترجل التاريخ الجزائري أبدا من الطائرة ؛حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ؛ويومها ستعرف الشعوب المغاربية ،كيف تم الانقلاب على كل طموحها في الوحدة.
« ما مات حتى مات مضرب سيفه« :
لقد اجتمع في هذا القائد التاريخي للثورة الجزائرية ما تفرق في القيادات الأخرى التي أخلصت للقضية؛وظل وفيا لنهجه الثوري إلى أن وافته المنية؛بعيدا عن وطن ،توفرت له كل الظروف التاريخية،السياسية ،والاقتصادية ليمضي حرا ، مدنيا ،ديمقراطيا ،ومغاربيا لكنه لم يفعل.
حتى جغرافية الوفاة ،هنا، عمل ثوري مفتوح؛لأنها ،وان أفضت فيها روح آيت أحمد، ستظل تسائل ،متوترة،القوات الحية بالبلاد – حاضرا ومستقبلا- عن ال »لماذا » ؟و عن أي مآل لكل هذا ؟ .
تسائل عن كل أبناء الثورة ،البررة،الذين أهدرت دماؤهم ،أو شردوا. أيُّ سجن يتسع لآيت أحمد ،لبوضياف وآخرين في تراب الجزائر المستقلة؟
أي رصاص ثوري ،وأي أيادي تخنق هامات وقامات جزائرية جالدت المستعمر وجلدته؟
نعم، « مامات حتى مات مضرب سيفه واعتلت عليه القنا السمر »،كما يقول الشاعر.
كانت البدايات الثورية في ميعة الشباب (19 سنة) ب »عين الحمَّام » ؛ حيث تبوأ آيت أحمد ،تلميذ البكالوريا ،الصدارة النضالية ،بمنطقة القبائل الكبرى؛ضمن « حزب الشعب الجزائري »PPA الذي أسسه مصالي الحاج بالجزائر ،في مارس 1937 ،بعد أن منعت فرنسا حزب « نجمة شمال افريقيا » ENAالذي سبق أن أسسه بفرنسا سنة1926.
رغم التفاف الشباب القبائلي ( الحسين آيت أحمد،علي لعمش،عمرو ولد حمودة،رشيد علي يحيى ،عمر أوصديق،مبروك بن الحسين…) وقتها، حول الأهداف الأساسية لهذا الحزب ،وخصوصا تحرير الجزائر،فإنهم لم يجدوا فيه صدى لمطالبهم الخاصة المتعلقة بالهوية الجزائرية ،الثقافة واللغة الأمازيغية(البربرية حسب الاستعمال الجاري آنذاك).
سيكون هذا مدخلا لصراعات حزبية داخلية كثيرة انتهت بغلبة التيار العروبي الإسلامي، الذي كان واقعا تحت التأثير القومي البعثي ،ومقولات الأمير شكيب أرسلان ،الموجه الكبير لمصالي الحاج. أفضى الصراع إلى النظر إلى النزعة « البربرية » BERBERISME،باعتبارها نيلا من وحدة النضال ،بل خيانة للوطن ؛خصوصا وقد ظهرت ونشطت بفرنسا. جراء هذا اعتقلت العديد من القيادات القبائلية؛ونُكب التيار كلية غداة استقلال الجزائر.
هناك ملابسات كثيرة ،لا يتسع لها المقام،تحيط بغلبة « الجزائر العربية الإسلامية » التي نادى بهام مصالي الحاج ؛ل »الجزائر الجزائرية » التي آمن بها آيت أحمد ورفاقه الأمازيغ. ثنائية لا يزال قطباها في صراع إلى اليوم .وفي التفاصيل تيارعروبي إسلامي كان ينحو نحو الاعتدال في مواجهة المستعمر ،والاكتفاء أحيانا بمطالب إصلاحية فقط،بل وحتى المشاركة السياسية والانتخابية؛وتيار بربري لم يكن يرى بديلا للعمل المسلح ؛وقد دفع الحزب دفعا صوب تأسيس « المنظمة الخاصة »: ORGANISATION SPECIALE؛الشهيرة بOS(1947).
(ناب آيت أحمد – بداية- عن رئيسها ،ثم ترأسها ،لتنتهي قيادتها إلى أحمد بنبلة.اشتهرت ،بالخصوص، بالهجوم على بريد العاصمة الجزائر ،والاستحواذ على المبلغ المالي الأول- وقد كان مهما- الذي شكل عصب عملياتها ضد الكولونياليين.)
يقول بوضياف(1974) مسجلا ما طرأ من تحول على حزب الشعب الجزائري:
» شيئا فشيئا تميعت وطنية حزب الشعب الجزائري ،بتأثير الأعيان؛الخاضعين بدورهم ل (نصائح) الاعتدال،الصادرة عن التيارات البورجوازية العروبية ؛مفرغة ،هكذا،الحزب من محتواه الثوري .هذا العمل التقويضي الايديولوجي ،كان صادرا ، بالتأكيد ،عن قيادة الحزب »
عن عمرو وردان:
La «crise berbériste» de 1949, un conflit à plusieurs faces
وعليه فالحسين آيت أحمد ،القيادي التاريخي –ضمن آخرين- لجبهة التحرير ،والمهندس –ضمن آخرين أيضا- لاندلاع الثورة الجزائرية ؛لا يمكن أن يخفي آيت أحمد آخر آمن بالقضية القبائلية ،منذ أن نظم ،بمعية زميله ،آيت عمران (1945) النشيد « الوطني » القبائلي الأول:
KER A MISS WMAZIGH: »انهض يا ابن الأمازيغي ».
نضال داخل النضال ؛ظل محفوفا بمخاطر شتى ؛وصولا ،في بعض الفترات،إلى استسهال اتهام الزعيم ،وكل التيار،بالخيانة ؛فالعدو الداخلي ،المتمترس بكل الايدولوجيا العروبية ،و حتى الدعم الحزبي المغاربي – العروبي الإسلامي بدوره- لم يكن يقل شراسة عن المستعمر ،الذي أدرك منذ البداية ،أن أعتى رياح المقاومة هي التي ستهب عليه من أعماق الوعي الوطني القبائلي المبكر ،بجبال الجرجورة .
وعي مبكر ،وانخراط قبائلي كبير ،في حزب الشعب الجزائري.يؤكد هذا آيت أحمد نفسه بقوله(1983) في « MEMOIR D’UN COMBATTENT3:
« بعد أبريل 1946 ،كنت أشارك في اجتماعات المكتب الوطني التنظيمي للحزب ،ممثلا لمنطقة القبائل.وقتها فقط اكتشفت أن من ضمن أربعة عشر ألف منخرط(14000) في الحزب ،بلغ عدد القبائليين عشرة آلاف(10000)؛دون احتساب المتعاطفين.وقد تمكن الحزب من الصمود ،ماديا ،بفضل الدعم المنتظم للتجار ،ومساهمات المنخرطين المتواضعة »
عن عمر وردان.نفسه.
نضال التحرير، واتهام آيت أحمد بالعمالة للحسن الثاني: يتبع
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire