رجاء لا تغتالوا حب الخضراء، في قلوب عشاقها الأوفياء..
حتى غير المهتمين بالشأن الرياضي عموما، وبالبطولة الوطنية الاحترافية تحديدا، أمسى وضع « الخضراء » يستأثر باهتماماتهم، جراء ما آلت إليه نتائج مبارياتها من تراجع فظيع، وهي التي طالما غمرت قلوب جميع المغاربة بالبهجة والسعادة، وأخرجتهم من دائرة الإحباط والهزائم في أحلك الظروف والمناسبات، حينما كانت تشكل آلة قوية لحصد الألقاب والكؤوس منذ تأسيسها في عام 1949، لاسيما عند بلوغها الدور النهائي من بطولة العالم للأندية البطلة في كرة القدم، التي نظمت ما بين 11 و21 دجنبر 2013، أمام النادي الألماني العملاق باييرن ميونيخ…
وبالنظر إلى ما حققته من إنجاز باهر في هذا « الموندياليتو » الرائع، لم يتأخر ملك البلاد محمد السادس كعادته في تشجيع الرياضيين، وبادر إلى إقامة حفل بهيج، بالقصر الملكي العامر بمدينة الدار البيضاء، في مستوى الحدث ويليق بالوجه المشرف، الذي كشف عنه « النسور الخضر » في « اصطياد » أقوى الفرق الغربية وإلحاق الهزيمة بها. بيد أنه، في أقل من سنتين على تلك الملحمة الخالدة، بدأت قواها تخور بشكل مريب، تحت نظرات من الريبة والاستغراب، وبدا ذلك واضحا من خلال سلسلة الهزائم في « حقلها » وخارجه. أقيل المدرب البرتغالي خوسي روماو على بعد أربع جولات من نهاية الموسم الرياضي 2014/2015، وعوض بابن الدار المدرب فتحي جمال، ليتم التعاقد مرة أخرى قبل بداية الموسم الجديد مع الهولندي رود كرول، دون أن يلوح في الأفق ما يبشر بانفراج الغيوم، فكان الانفصال. وفسح المجال للإطار المغربي رشيد الطاوسي، الذي لم يكن أحسن حظا ممن سبقه، وتجرع بدوره مرارة ثلاث هزائم متتالية اثنتين منها بعقر الدار.
من هنا يتضح جيدا، أن ما يمر به فريق الرجاء البيضاوي، من كبوات متلاحقة جعلته يبدو مهلهلا وفاقدا لملامح البطل الذي كان بالأمس القريب، بعدما غابت عنه تلك الفعالية وروح القتالية المعهودتين، حين كان يقف ندا شرسا في وجه أعتى منافسيه، وكانت ردود أفعاله كثيرا ما تأتي قوية وتمنحه الأفضلية، لا يعود إلى أزمة المدرب، كما يحاول الرئيس وبعض أتباعه من « الأنصار » والمسيرين إيهام الجمهور الرياضي به لامتصاص غضبه، بقدرما هو سوء التدبير واختلالات في الرؤى والتسيير.
صحيح أن السيد محمد بودريقة، أبدى حماسا كبيرا عند انتخابه رئيسا للفريق في العام 2012، وبصم على بداية مسار موفق، استطاع خلاله الدفع بالفريق نحو تحقيق نتائج جيدة لا ينكرها إلا جاحد. لكن، لسبب ما، قد يكون غرورا تسرب إليه في غفلة منه أو وساوس « شياطين » محيطة به، أدى به إلى الاكتفاء بالتركيز على الجانب التجاري والتسويقي بحثا عن موارد مالية إضافية، وإهمال الجانب الرياضي والنفسي للاعبين، بينما كان يفترض فيه الانكباب على إعادة تأهيل اللاعبين الاحتياطيين وتعزيز المكتسبات، التي قادت الفريق إلى مستوى العالمية. فكل الضربات الموجعة، التي عمقت الجراح، ناجمة بالأساس على هذا التخبط الحاصل في تقدير الأمور، مما انعكس سلبا ليس فقط على عناصر الفريق، بل على المدرب وخاصة جمهور عشاقه الأوفياء، الذين مافتئوا يساندونه في السراء والضراء، ولا أدل على ذلك أكثر من أنهم لم يترددوا في اقتناء التذاكر، إبان صدور قرار بحرمان الفريق من جمهوره، في لقائه مع فريق أولمبيك خريبكة بالمركب الرياضي محمد الخامس، والذي آلت فيه نتيجة الفوز للفريق الزائر…
ففي عهد الرئيس بودريقة، عرف الفريق التعاقد مع ثمانية مدربين واستقدام أكثر من ثلاثين لاعبا، منهم من ظل سجين دكة البدلاء، فيما البعض الآخر لم يأت بما تم الرهان عليه من إضافة نوعية، مما أدى إلى استنزاف مالية الفريق دون طائل… لذا نتمنى صادقين أن يكون تقديم استقالته خلال شهر يناير 2016، نابعا من قناعته بضرورة الانسحاب، وإتاحة الفرصة لمن يأنس من نفسه القدرة على إعادة القاطرة إلى سكتها السليمة، حتى لو اقتضى الأمر اعتماد لجنة مؤقتة لتصريف أعمال الفريق حتى نهاية الموسم، ثم عقد جمع عام لانتخاب رئيس جديد يكون في مستوى تحمل المسؤولية، بعد أن يتم الإدلاء بكشف الحساب عن كل كبيرة وصغيرة، بدل الاستمرار في سياسة الهروب إلى الأمام، عن طريق الخدع والمسكنات التي انكشفت حقيقتها…
إن مشكل الرجاء، لا يختلف كثيرا عن مشاكل بعض فرقنا الوطنية في مختلف البطولات الرياضية، احترافية وغيرها، وهو أنها تدار بغير قليل من الحزم والمسؤولية والشفافية، حيث يسود المكاتب المسيرة نوع من الضبابية والارتجال والتسلط، في غياب مشاريع عمل حقيقية مدروسة بدقة وعناية، يتم التوافق حولها مع الإدارة التقنية، واعتماد اختيارات عشوائية ووفق مزاجية المسؤولين، وبعد الإخفاق يتم اللجوء إلى اختيار كبش فداء للفت الانتباه عن المشاكل الحقيقية. فالرجاء فقد بريقه بانعدام الاستقرار، الناجم عن كثرة التعاقدات مع المدربين والتفريط في أبرز أعمدته المتميزة ونجومه، ويأتي في مقدمتهم الثلاثي الرائع: محسن متولي، محسن ياجور وعصام الراقي، فضلا عن تسريح آخرين بشكل يبعث على الريبة ك: سعيد فتاح، مروان زمامة وإسماعيل بلمعلم… وانتداب لاعبين آخرين لم يستطيعوا إعادة التماسك المفقود… وباتت كل مكونات الفريق تعيش تحت الضغط.
فكرة القدم أصبحت علما حديثا، يخضع إلى الدراسة والتحليل ووضع مشاريع واقعية والتخطيط المثمر والحكامة الجيدة، على أن تتوفر الإمكانات المادية والبشرية اللازمة، التي من شأنها دعم المدرب وتيسير مأموريته، وخلق مناخ مناسب للاعبين في الرفع من أدائهم، عبر تطوير مهاراتهم وتفجير طاقاتهم. والأهم من ذلك كله، هو تهييء ظروف الاستقرار، بما يضمن الاستمرارية والحفاظ على الانسجام بين عناصر الفريق من جهة، وبينها والمدرب والمكتب المسير من جهة أخرى، وهو ما تفتقده اليوم القلعة الخضراء.
Aucun commentaire