ناس الغيوان واغنية : السّمطة
« على الفن في مجتمع منهار أن يعكس هذا الانهيار ويُصوّر العالم قابلا للتغييــــر »
———–
مـــا أنـــا وَحـْدانـــي مـــا أنـــا بــَــرّانـــي
أنــــــا مــُـواطـــن والسّـمـْطـة عْـلـِيــــا
والـجَـنـوي مـاضــي يــجـــرح يـــديــــــا
الـعـمـارات عـالـيــة لـكـواخ مـردومـيــــــن
لـمسـابـح دافــقـــة لـفدادن مـحـروقـيـــن
الدنيا غادية يا اهلي ب حال الـمسـكـيـــن
أرضـــي عــاطــيــة كنوزها مـفـتـوحـيــــن
لـوحـوش الضاريـة انيابهـــا مَـمْـدُودِيـــــنْ
شـمـسـي ضـاويـــة لبيــوت مـَغـْموقـيــن
بـحـوري عـامــــرة وحـنـــا جـيـعـانـيــــــــن
الدنيا غادية يا اهلي ب حال الـمسـكـيـــن
وَالسَّجـَـانَــة حَلُّوا يَا وِينْ بِيبَانْ لســـجـــــان
والسجــانــة شعلو قنديل وِيْبَانْ النـُّـــــورَانْ
والسجــانــة يخرج الولد من بين لكفـــــــان
تهبى لجمار وتزول عليه من صعود النيــــران
وَالظَّلْمَانْة يكفى تعذيب ل هاد العــــــالـــــــم
يكفـــى همــاج راه حــنـــا أولاد العـــالــــــم
***************************
شكّلت مجموعة ناس الغيوان منعطفا جديدا وتحولا عميقا في الإبداع الفني و الغنائي المغربي، فأصبحت أغانيهم أكثر التصاقا بهموم الناس و أشد ارتباطا بمآسيهم و آمالهم.مما جعل العديد من الشباب أنذاك، يتماهى مع أغانيهم التي كانت تلهب حماسهم . ومنهم من وصل بهم التماهي حدَّ التبعية والمحاكاة. وآخرون عشقوا أغانيهم حدَّ الهيام.
كانوا في البداية خمسة (لا حاجة لذكر الأسماء فمعظمنا يحفظها عن ظهر قلب –أخص جيل السبعينات والثمانينات–) اختاروا الغناء كوسيلة للتعبير و التمرد والاحتجاج، مستلهمين في ذلك التراث الشعبي.
في هذا السياق يمكن ان تندرج أغنية السمطة –موضوع هذا المقال- كتعبير احتجاجي على وضعية الانسان المقهور الذي يعيش حيفا اجتماعيا وقمعا طبقيا .
وأغنية « السمطة « صنّفها البعض ضمن الأغاني الممنوعة .ورغم اننا لا يمكن أن نجزم بذلك،فهي لم تكن تذاع على أمواج الإذاعة والتلفزة حسب علمنا.
تصور الأغنية التسلط والقمع الذي يتعرض له الإنسان البسيط ومعاناته اليومية مع الفساد والاستبداد والتفاوت الطبقي … كل ذلك في قالب فني جميل يتخلله بوح صادق و آهات نابعة من الأعماق .
ومن خلال العنوان فقط يمكن أن نستنتج مضمون النص الغنائي.فالعنوان يعتبر مدخلا أو « نصا مختزلا في حد ذاته ». فالسّمطة (ندعوها في الجهة الشرقية الحزّامة) لها معاني متعددة واستعمالات شتى تُحيل في مجملها على القمع و التسلط و الجلد والقهر…
عندما كُنّا صغارا كان يكفي ذِكر الحزامة حتى ترتعد فرائسنا (الحزامة واعطيه المسلان..) فهي أداة للتربية أقصد وسيلة ردع كان يُعتمَد عليها من بين وسائل اخرى.(لا أعرف هل ما زالت العائلات تستعملها أم تم ابتكار وسائل أخرى؟)
وبعد أعوام طِوال ، كبرنا وكبر الهَمّ معنا فبدأنا نسمع كلمة السمطة (الحزامة) مقرونة بفعل شدّ: شد الحزام. وهكذا أصبحت الحزامة تختزل القمع في أبعاده الثلاثة3D ! (الاجتماعي والاقتصادي والسياسي).فسياسة شد الحزام أو تزيار السّمطة معروفة عند من كَوى أو من اكْتوى بنارها ،وليس من كوى كمن اكتوى. فشتّان بين الثّرى والثّريا. هدفها التقشف وتضييق الخناق على المواطن وعَصره عَصرا ليتحمّل تبعات أزمة لم يكن مسؤولا عنها من قريب أو من بعيد .ففي مجتمع طبقي ينخره الفساد سلبا ونهبا وتستحوذ أقلية جشعة على خيراته وفي غياب التوزيع العادل للثروات تكتوي الأغلبية بنار الفقر والجوع:
« أرضي عاطية كنوزها مفتوحين
لوحـوش الضارية انيابها مَمْدُودِينْ »
« بحـوري عامرة وحـنا جيعانيـن
الدنيا غادية يا اهلي ب حال المسكـين »
وهذا كنتيجة طبيعية أو حتمية للتفاوت الطبقي الصارخ:
« العـمارات عالـية لـكـواخ مردوميـن
لمسابح دافقة لـفدادن محـروقين »
في الاخير هناك دعوة صريحة ومطالبة بإطلاق سراح المسجونين:
» وَالسَّجانة حَلُّوا يَا وِينْ بِيبَانْ لسجان
والسجانة شعلو قنديل وِيْبَانْ النـُّورَانْ
والسجانة يخرج الولد من بين لكفان »
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الأغنية ونظرا لطابعها الاحتجاجي فقد تم تحويرها (modifiée) في عدة مناسبات احتجاجية لتُناسب المقام .حوّرها المعطلون فأصبحت:ما انا فوضاوي ما انا ارهابي انا معطل والقمع علي.
حوّرها المتضامنون مع الصحافي علي أنوزلا أثناء اعتقاله: ما أنا إرهابي ما أنا فوضاوي أنا صحفي…
وكذلك رددها المناضلون للمطالبة بإطلاق سراح المناضل النقابي والحقوقي الأستاذ » الصدّيق كبوري » و « شنو« : مانا إرهابي مانا فوضاوي أنا مغربي ديما ضحية
كما حورها الأساتذة في احتجاجاتهم : ما أنا ارهابي ما انا فوضاوي أنا أستاد والعمد علي…
حورها ضحايا « النجاة » فهتفوا:
مانا إرهابي مانا فوضاوي أنا معطل والقمع عليا عباس الفاسي تسلط عليا
من كل ماسبق ذكره يبدو أن أغاني ناس الغيوان ومن بينها « السمطة » ما زالت تحتفظ براهنيتها وكأنها كُتبت اليوم .فالوضع لم يتغير كثيرا.وهذا ما يلخصه الشعار الذي كثيرا ما رفعه المواطنون احتجاجا:
الحكومات مْشات و جات والحالة هي هي *** عيّيتونا بالشعارات و حْنا هُما الضحية.
فمتى ستتغير الحالة.هناك بصيص من الأمل نتمنى أن يكبر.
في 18أكتوبر 2015
*****
* مقولة وجدتها في دفاتري القديمة لم اعد أذكر صاحبها
1 Comment
لا يسعني الا ان اشكرك على هذه الالتفاتة الى زمن نتمنى ان لا يعيده الله علينا بعد الان.زمن عرف القمع بابهى صوره و الملاحقات بسبب و بدون سبب .نقول الان رحم الله من مات من فرقة ناس الغيوان الذين حملوا مشعل الاغنية الملتزمة التي ارتبطت بهموم الشعب و الامه .و انظر الى الاغاني الاباحية لهذا الوقت لا تصلح حتى لمزبلة محترمة.و مع ذلك يطبل و يزمر لهذا النوع من الفن السفيه.
نشكرك ان ذكرتنا بزمن جميل ،و كان الله في عون مواطنينا المقهورين بالسمطة