العشاء الأخير و الوداع الأخير
العشاء الأخير في أعراف المسيحية هو آخر عشاء تناوله السيد المسيح مع حوارييه 12 ،بينهم(يهوذا الاسخريوطي) الذي سلم المسيح الى الرومان مقابل 30 قطعة فضية .و ليثبت بمسامير على صليب من الخشب الى أن فارق الحياة…هو العشاء الأخير قبل موته و كان ذلك يوم الخميس .السيد المسيح صلب و مات يوم الجمعة( طبعا طبقا للكتب الدينية المسيحية،أما نحن المسلمون فالقرآن بين لنا الحادثة- و ذلك حسب بعض المفسرين من المسلمين و المسيحيين على السواء الذين يشيرون أن العشاء الأخير ورد في سورة المائدة فقد ورد في القرآن الكريم:
‘’اذ قال الحواريون ياعيسىى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله ان كنتم مومنين(112)قالوا نريد أن نأكل منها و تطمئن قلوبنا و نعلم ان قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين(113)قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا و ءاخرنا و آية منك و ارزقنا و أنت خير الرازقين(114) » من سورة المائدة.
و قد رسم الفنان الايطالي (ليوناردو دافنشي) لوحة تؤرخ لهذا العشاء الاخير الذي جمع السيد المسيح مع تلامذته (الحواريين)و عددهم 12.أعدم السيد المسيح من طرف الرومان لان العقيدة التي نادى بها كانت تقوض دعائم الامبراطورية الرومانية و تقوض الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به اليهود…
لكن الموضوع الذي يعرض الآن، لن يتعلق بأمور مسيحية ،بل اخترنا من الموضوع عنوانه وهو يرتبط بالحكومات المغربية المحترمة ما سبق منها، و ما هو الآن، و ما هو آت من الحكومات.
الحكومة الحالية عقدت الاجتماع الأخير كان ذلك في يوم الاربعاء 14اكتوبر2015 للمصادقة على آخر قانون للمالية تقدمه لمجلس النواب للمصادقة عليه كذلك. ستستوفي الحكومة 5 سنوات كاملة من العمل الحكومي في شهر شتنبر المقبل و بذلك تكمل العدة. لينتخب الشعب برلمانييه و منه تتكون حكومة أخرى، بوجوه جديدة أوببعض الوجوه القديمة…
القانون المالي الجديد لم يأت بجديد سوى دعوة الناس الى شد الحزام على البطون لأنها سنوات عجاف ستمر على المغاربة كما مرت السنوات العجاف السابقة(مع العلم أنها بدأت منذ 1984 و لا زالت مستمرة الى عامنا هذا 2015 أي 31 سنة من شد الحزام حتى يظهر الجلد على العضام).
أصبح التقشف من الضرورات التي تبيح المحظورات( رفع اليد نهائيا عن صندوق الدعم الاجتماعي،و الزيادة في سنوات العمل الى حدود 65 سنة(5 سنوات مجانا لموظفي الدولة و القطاع العام)و الاقتطاع من الأجور و من منح المتقاعدين و تحرير أثمان المحروقات،و التقليص من مناصب الشغل الى الحد الأدنى…
ستغادر الحكومة الموقرة بوزرائها و كتابها في نهاية السنة(شتنبر 2016)مراكز القرار.و قد ألفنا نحن رجال و نساء التعليم أن مدراء التعليم الاعدادي و الثانوي في النظام القديم كانوا يقومون بتصفية الحساب المالي و قتل آخر سنتيم بحوزتهم حتى يستقبلوا ميزانية العام الجديد ببراءة ذمة الصندوق.هكذا دأبوا على فعل هذا الأمر بحجة أنهم ان لم يفعلوا ذلك، و ردوا الأموال من حيث أتت،فان الوزارة لن تبعث لهم بالميزانية الجديدة نظرا لعدم حاجتهم الى السيولة المالية. و كل المدراء يبرئون ذمتهم من أكل أموال الدولة عن طريق صرف آخر سنتيم في شراء المواد و الوسائل التعليمية.
الوزراء بدورهم عليهم صرف آخر سنتيم يدخل الى صناديق وزارتهم ،و يغادرون ببراءة الذمة و حمرة الوجه و براءته ،كبراءة سيدنا يوسف من تهم السيدة زليخة أمام زوجها (بوديفار) بمحاولة اغتصابها (باللغة القانونية الحديثة).
كل الوزراء و كتابهم نظروا الى السنوات تمر بسرعة البرق ذلك أن أيام العز و النعيم تمر بسرعة الضوء.وهذه هي السنة الأخيرة التي يبدأ فيها البكاء ثم النحيب ثم العويل على الأيام الخوالي من العز و (النغنغة) و الحصانة و الأبهة و السفريات و الجاه و التعويضات الكريمة و الأسفار المجانية الى بقاع العالم، والسكن مجحانا في المنزل التابع للدولة، و الاحترام و ركوع الخدم لحضرتهم ،و كل الأشياء التي لها علاقة بالفخامة و الزعامة و السيادة و الاحترام قولا و فعلا ، من الحراس الخاصين مفتولي العضلات الذين يمسحون بالتراب أي مقترب من سيادتهم و لو بالتحية. وسيحرمون من الاستدعاءات على موائد جلالة الملك الفخمة ،أثناء حضور ضيوف مهمين لجلالته .وسيحرمون من أنواع الحلويات التي لم يشاهدوا مثلها و لو في الأحلام، ومن الدخول الى قصوره و الجلوس معه…كل هذا طار يا حمام…
انها لحظات مؤثرة تستدعي شراء علب من المناديل التي قد لا تكفي لمسح دموع الفراق و الهجر:فراق المنصب و المكاسب و الجلوس مع الرؤساء و في المحافل الدولية الخ…كل هذا يصبح من الذكريات و الحكايات التي سيحكيها الوزراء و النواب الذين لن يعودوا الى مقاعدهم سالمين غانمين بعد هذا العام،الى أحفادهم و أولادهم و جيرانهم أنهم كانوا في يوم من الأيام وزراء أو نوابا الأمة.
قد تكون حكايات الف ليلة و ليلة وزارية و نيابية…
قيل ان التماسيح وهي من الزواحف القوية تذرف الدموع عندما تتناول فرائسها و تبلعها بلعا. لكننا نستغرب و نسأل اهل العلم و الذكر:هل بكاء التماسيح على الافتراس أم على الفرائس؟؟
و الحق يقال أنها تبكي بكاء حارا على فراق عزيز دخل معدتها و لن يخرج الى الوجود حيا.؟
كل شيء سيطير طيران الصقور في السماء العالية، كما لو أن شيئا لم يكن،الكرسي و المنصب و السيارة و سائقها و المنزل بخدمه وحشمه و طباخيه و حراسه ،كل مظاهر النغنغة ستحلق بعيدا عن سيادته و سيدونها في ذكرياته.ما أصعب لحظة الفراق؟ انها الماساة ؟ستثار العيون لتسيل دموع الفراق أنهارا و بحارا.
و لكن… سيبقى التعويض عن الضرر (صحيح أن مفارقة الكرسي العزيز الذي يترك في القلب حزنا عميقا لا يشبهه فراق عزيز) و لكن عندما يكون التعويض بالملايين من الدراهم فان كل الحزن سينمحي في رمشة عين،يضاف له تقاعد مريح 9000درهم عن كل سنة عمل و أشياء أخرى من الأشياء النفيسة، أهل الدار أعلم بها منا .و لهذا من واجب الشعب أن يبعث ببرقية عزاء و مواساة الى سيادتهم في هذا المصاب الجلل و الخطب الأليم.
و نقول لهم تعازينا الحارة في وفاة المنصب و الكرسي و الهيلمان و الصولجان و البهرجان،انكم لمكلومون على مصابكم الجلل و مأساتكم العظمى…فكان الله في عونكم .وانا لله و انا اليه راجعون…كل من عليها فان()
الكراسي و المناصب و المال و الأبهة و العظمة… كلها الى زوال….( و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الاكرام)…الرحمن الآية 27…
انجاز :صايم نورالدين
1 Comment
ومنهم من سيخرج من الباب ليدخل من النافذة ومنهم من ينتظر لحظة المغادرة هذه بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر كي يتفرغ أكثر ﻷدارة مشاريعه و اعماله التي انجزها لصالحه من أموال الشعب خلال فترةحكمه ومنهم من سيرمي الطلاق بالثلاث على هذه البلاد وأهلها كي يهاجر مع عائلته الى الضفة اﻷخرى ليتمتع بالنعيم الذي تنعم به الدول اﻷوروبية.