إذا قلت لصاحبك أسرع فقد قتلت
رمضان مصباح الإدريسي
السكينة السكينة:
» في حديث جابر في صفة حجته عليه الصلاة والسلام : وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى : أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلا مِنْ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ . رواه مسلم .
قال النووي : » الْحِبَال » هُنَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة الْمَكْسُورَة جَمْع حَبْل ، وَهُوَ التَّلّ اللَّطِيف مِنْ الرَّمْل الضَّخْم . اهـ
***
هذا حاله صلى الله عليه وسلم،وقد دَفَع َمن الجبل صوب المزدلفة؛وما شنقُه لزمام القصواء(ناقته) إلا تفاديا للزحام ،وإفساحا للمجال أمام غيره من الحجيج؛وفيه أيضا حملهم على الاقتداء به حتى تتحول النفرة إلى انسياب سَلِس ،لا يشق حتى على المرضى والضعفاء والمسنين.
لو رغب أن تُخلى له الطريق حتى يعبر- كما حصل أخيرا مع بعض أمراء السعودية- لاستجاب الصحابة فرحين؛غير مقموعين ولا مُعنفين،كحجاجنا؛لكنه صلى الله عليه وسلم ،لم يكن يوثر نفسه بشيء في الحج وغيره.كان يكد ويعرق ،كما يعرق الناس.
أين نحن اليوم من كل هذا؛حتى في مساجدنا حيث تطأ القدمُ الأصابعَ ،حتى تدميها أحيانا ،وحيث يجبرونك على ألا تُخلي للشيطان فجوة بين أناملك؛ حتى وان رأيته تائبا،راغبا ،بدوره ،في الصلاة؛وحيث تتبادل المناكب اختبارات القوة ؛وكأنها مقبلة على انتزاع مساحات من الجنة،من يد زبانية غلاظ شداد ..
في تراويحنا نختار المساجد الأكثر ازدحاما،وصولا إلى أرصفة الشوارع ؛وكأن قرآنها أصدق وأبلغ ،وكأن بها الملائكة وقوفا مع الناس يصلون.والحال أن كل المساجد لله ،ولا تفاضل بينها إلا معماريا؛ولم يكن مسجد الرسول « ص » يزيد عن طين وسعف نخيل.
وفي كل شوارعنا وإداراتنا ووسائل نقلنا ،يقع الزحام على الزحام.حتى في منازلنا ،ونحن نطعم،تقع أصابعنا على بعضها البعض ،وهي تحيط بقصعة واحدة ،في وجود قصاع في الخزائن ،خاوية الوفاض.
لعلنا نعيش حركيا ،بعضلاتنا،أكثر مما نعيش ساكنين بفكرنا . من هنا تدافعنا حتى صوب الأمية ،وصوب اللاقراءة ؛حتى نزل زمنُها ،عندنا، إلى الدرك الخطير:أربع دقائق في السنة لكل مواطن .
حج الشعراء:
ولما قضينا من منى كل حاجة *** ومَسَّح بالأركان من هو ماسحُ
وشُدت على ظهور المهارى رحالنا *** ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ
أخذنا بأطرافِ الأحاديث بيننا *** وسالت بأعناق المَطي الأباطح
منذ انتهى إلى سمعي خبر المأساة التي نَفَرتْ بدورها،هذا العام، مع الحجيج ؛ بعد أن تمثلت لبعضهم – منذ أيام – رافعة عملاقة تهوي من السماء لتدك عظام ومهج العشرات من ضيوف الرحمن في البلد الآمن؛ من وقتها وأنا لا أطرد من ذهني هذه الأبيات( وهي للشاعر كُثير عزة) إلا لأستعيدها من جديد؛ ومعها عذوبة لفظ،وبلاغة معنى، وسكينة روح ؛ في مكان لا يُتصور فيه غير الضوضاء،تصهال خيل،خلال ذاك رغاء؛على حد عبارة الشاعر الجاهلي المرتجل ،الحارث بن حلزة..
هناك ،في المشاعر،تُقضى الحوائجُ ،المُعلَنة والمختلجة ،والمناجية سرا.أليس المقام مقام مناجاة وأسرار روحانية؟ ويحضر أيضا المادي المعماري ،بكل هيبته وقدسيته ،ليطوف به الحاج ماسحا ،مخففا للوطء ؛غير مرح ولا مناكب.غير قاتل ولا مقتول.
وتنتظم العودة السعيدة، بعد طول اغتراب؛ عبر رحال تُشد وحجيج موزَّعين بين الغدو والرواح؛ثم تحضر بلاغة الكلمة الشعرية ،حينما تُعَبر عن الانشغال الكبيربحديث الروح ،وبزبدة الحج وزاده ؛لما ينتظر الحاج في رحلة العودة إلى المضارب ،ورحلة العمر كله.
لا وقت للصمت مع الفرحة ،نعم؛لكن لا حديث إلا في حدود الأخذ بالأطراف فقط،دون صخب ولا جدل. ما سكت عنه اللسان يتممه القلب ،وتنظمه الروح.
وتمد النوق أعناقها إذ أرخيت لها الأزمة ،نازلة عبر الأباطح ،منسابة كسيل هادئ ؛لا يُفوت الشاعر لحظة هذه الصورة ،فيخلدها للأجيال ،روعة ما بعدها روعة..
شمال التدافع وجنوب التراحم:
شَمالُ التدافع قمته ،وحَمَّارة احتدامه ،حيث الدرجة الصفر للرحمة ،في مشاعر ما شُرعت إلا لسكينة الأرواح ،ولحج كحج الشعراء ،حينما يُحرِمون للقصيدة ،ويطوفون بكعبتها.
كيف نتحدث في هذا المقام عن الحديد والدم؛بل كيف نتصور أنفسنا، خارج فضاءات السعادة الروحية ،قتلة ومقتولين ؛وناجين بأحمال من الآلام لا تنفذ أبدا؟ ألهذا كَدُّك أيها الحاج ؟ ألهذا جمعت مالَ العمر ،وسعدت بالقرعة إذ اختارتك ضيفا على الرحمان؟ ألهذا ودعت الأهل والأحباب،ونأيت إلى مساحات ربانية لا تنزل الأحزان ساحتها؛ضيفا خفيفا على الرحمان ؛ثقيلا،ربما، على من انْتُدبوا للتسيير والتدبير؟
كيف وقع ما وقع؟ كيف عجزت رافعة عن حمل حديدها؟ كيف اعْتُرِض مسارُ سيل بشري ؛ثم سيول وسيول،نافرة ،لتحدث الفاجعة؟
كيف نُحدث الدم والقتل في الطريق،وقد أمِرنا بإماطة مجرد الأذى عنها؟ كيف يوثر أمير نفسَه ،بطريق يغلقها – مزهوا محميا، في وجه ضيوف الرحمان؛حتى لا يشم عرقهم،ويخالط عامتهم ؟
كيف ينظر بعد هذا إلى وجه المصطفى ،وهو يخالط العابرين ،يقوي من عزمهم ،ويرحم ضعيفهم ،وليس في فمه ،وإشاراته ،غير السكينة،السكينة؟
حتى القصواء كان يشنق زمامها ،حتى لا تُضَيق على أحد . أين موكب الأمير ،وهو بألف عجلة وعجلة،وألف شرطي وشرطي ،من عنق القصواء؟
أما كان لك أيها الأمير الشاب أن تنزل ،وتسير مع من سار من ضيوف الرحمن،وأنت ترى الملك نفسه مجرد خادم للحرمين؟
أما كان لك أن تترجل حتى تراك العامة والخاصة حاجا على قدميه ؛وحينما يقولون من هذا؟ يجيبهم الفرزدق ،مرة أخرى:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته***والبيت يعرفه والحل والحرم
لكن أنى لك أن تكون زين العابدين الآخر،وسط حجيج من كل أصقاع الدنيا؟ ليتك نظرت فقط إلى المحرار لتعرف كم هي درجة الحرارة التي
أوقفت تحتها السابلة ؟لم تصبر على الانتظار رغم أن كل ما حولك مكيف الهواء ؟
لقد هلك من خلفك الناس وأنت لا تشعر أيها الأمير .وسواء هلكوا بسببك ،أو بأسباب أخرى ،فقد تألموا كثيرا ،قبل أن تفيض أرواحهم.ولن أهديك هنا غير نصيبك من هذه الآلام التي تقاسمتها الأمة كملها. على ألا يعود أبدا أمير أو ملك إلى قطع الطريق ،حينما تسيل بأعناق المطي.
فالسكينة السكينة؛قالها صلى الله عليه وسلم ؛وكأنه يقول: إذا قلت لصاحبك أسرع فقد قتلت..
لننقل الكعبة الى القلوب:
ونطوف حول بيوت الفقراء؛خصوصا حينما نكون ممن يعدون حَجَّاتهم بحبات السبحة.
لا يمكن أن تستمر مكة في الارتفاع إلى السماء ،حتى تستوعب الأجيال المقبلة من الحجاج.
مليونان،ثلاثة ،أربعة،خمسة..وماذا عن العشرات.
إلى جانب الاجتهاد في فقه المعمار ،لابد من الاجتهاد في فقه الحج .إن الأمة في ضيق شديد اليوم ؛فكيف بها غدا ؟
ورحم الله الشهداء..
http://sidizekri.blogvie.com/
3 Comments
استاذ مصباح السلام عليكم ورحمة الله .مؤمن بقضاء الله وقدره اقول ان الرافعة سقطت بفعل العوامل الجوية من رياح وامطار وقد شاهدنا جميعا النقل المباشر لتقبل الجو على ارض مكة المباركة لهذا كان سيدي صل الله عليه وسلم عندما تهب الرياح كان يقول اللهم اني اسالك خيرها وخير ما هبت به واعوذ بك من شرها وضر ما هبت به . فللرياح دور في الحياة لا ننكره فهبوبها باذن الرحمان فالرافعة العملاقة التي ةضعت ما بين الصفا والمروة والاقامة الملكية حيث نوجد الماءات من الحنفيات المخخصة لتعبئة كالونات ماء زمز باعبار المنطقة ثريب من الطريق الكبير المؤدي الى الحرم عبر الانفاق وانا اضيف عاملا اخر يغفل عنه الناس الا وهو نسف الجبال المحيطة بمكة عبر الديناميت لتوسعة المكان واضافة فنادق اخرى قادرة على استعاب اكبر عدد ممكن من حجاج بيت الله الحرام انا اقول ان الجبال المحيطة بمكة مثل الاوتاد لا يجب نسفها للتوسعة يكفي ان الحجاج لم بعودو يحجون الصانية الا بعد مرور عشر سنوات عكس القرن الماضي …اما فيما يخصالازدام في الطريق المؤدي الى رمي الجمرات بمنى فاقول قدر الله وما شاء فعل انا اسال عن موقع الاية الكريمة في هذا المكان الطاهر بالذات *** .
فعل انا اسال عن موقع الاية الكريمة في هذا المكان الطاهر بالذات *** المتعلقة باستفاء الاجال قال الله تعالى-*- اذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون -*- صدث الله العظيم .هل لو لم يكن هناك تدافع الا يلقى الله هؤلاء الحجاج ؟ لا ان الله كتب في علم الغيب عنده ان هؤلاء سيتعدون ليخرجوا مهاجرين في سبيل الله لاداء مناسك الحج تم يموتون على هذه الارض الطاهرة ملبين ومكبرين وحاملين الحمرات لاتمام الحج بعد الوقوف بعرفة والحج كما نعلم عرفة – فقد خرجوا مهاجرين الى الله بالنفس والمال فماتوا فقد وقع اجرهم على الله كما تشير الاية الكريمة الى ذلك في المصحف الشريف . اذن كان اجلهم هناك تتعدد الاسباب والموت واحدى فسيبقثهم الله بلباسهم الابيض ملبين ومرددين نساء ورجال شيوخ واطغال ** لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ** ما اعظمه من توحيد لله عز وجل بعد ما نزل الى السماء الدنيا هزولا يليق بجبلبع وعظمته يباهي بهم الملائكة في الدنيا ويشهدهم انه قد غفر لهم يا له من مشهد في الدنيا يتكرر في الاخر عندما ينفخ في الصور ويجمعنا الله جمعا …اسال الله ان يجعلنا معهم في الجنة .اما عن قضية التصدق يا استاذ
اما عن قضية التصدق يا استاذ ونقل الكعبة الى القلوب فكثيرا ما اسمع في المكان الذي انا فيه من أرض الله الواسعة أنه- ليبغا ايحج ايحج اهنا بمعتى أنه يشتري الاضاحي للفقراء المحرومين من عباد الله .وهناك من الناس تقبل الله منهم صالح الاعمال يتصدقون بالاضاحي على الفقراء بل من الفقراء من تجتمع عنده أكثر من أضحية ليلة العيد. أسأل الله القبول*
فالسكينة السكينة؛قالها صلى الله عليه وسلم ؛وكأنه يقول: إذا قلت لصاحبك أسرع فقد قتلت..* نعم السكينة والوقار والاحترام لعباد الله القادمين من كل مكان وربما من خارج الاكوان فقد قال تعالى في هذا الركن الطيب من أركان الاسلام * … لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج * صدق الله العظيم وهذه الاية يجهلها العديد من الحجاج منهم من يدفع ويشتهم ويخاصم ويجادل.. ولم يسأل نفسه عن الحج المبرور الذي يرجعه الى الديار بذنب مغفور كانه ولد من جديد .اما عن قولكم كانه يقول …. فالرسول الكريم قال افعل ولا حرج عندما سأله الصحابة الكرام الذين حجوا معه عن التعجيل والتاخير ..وأختم بقوله تعالى*… ومن تأخر فلا اثم عليه*صدق الله العظيم والسلام عليكم