دخول مدرسي بطعم المرارة
دخول مدرسي بطعم المرارة
كفايات الوهم ومهارات السراب وقيم الوحل
محمد مامو
اليوسفية /19/09/2015
حل الدخول المدرسي فطفق الناس إلى المكتبات، يبتاعون الاوراق والاقلام والقرطاس من كل الألوان والملل والنحل، التي كادت تكون بعدد المؤسسات خاصها وعامها؛ بالبادية يجلب البدو معهم هذا النوع من البضاعة الدورية من الأسفار، من أسواقهم على ظهور بهائمهم وحميرهم مكدسة إلى جانب البضائع الأخرى من طين وقدور وخضروات وأضاحي وأقمشة بالية ومعلبات ورقائق الهاتف، كل ذلك جنبا إلى جنب، بالمدينة ترى الناس يدفعون مقابل القرطاس والقلم بمرارة، ولا ترتبط مرارتهم هذه جبرا وضرورة بصاروخية الأثمنة بقدر ما تحيلك هذه الحسرة على شجون وجروح وأنات واهات عميقة تتيه في دروب ومسارب وأعطال وأعطاب الرجل المريض المثخن جراحا واختلالات، -المنظومة العتيدة- سواء المتعمد منها أو القدري، إنها المأساة المتكررة كصخرة سيزيف وعقبته، ان هؤلاء الناس يرون رأي العين ان النحس لا يقتصر على ضياع أموال بل يعدوه إلى المآل والعاقبة، انه يطال البيدر وحصاده والنتيجة: جانبية ومحتويات، يمرغ المرامي والمخرجات من « مقذوفات » كل سلك سواء أكان ابتدائيا، إعداديا أو تأهيليا، ودونك العالي؛ مخرجات بجانبيات حبلى بكفايات الوهم، ومهارات السراب، وقيم الوحل، فمخرجات الابتدائي في جلها لا تكتب، ولا تقرأ ولا تحسب، ولا تتواصل، (%8 فقط من تلاميذ الابتدائي حسب احد الدراسات العلمية2011؛ يتحكمون في المهارات الأساسية ونقول الأساسية فقط،)، أما محصول وحصيلة الطور الإعدادي، فلا كسب يُستوفى في مهارات وكفايات الفهم والحفظ والتطبيق والاستنتاج، ناهيك عن مستهلات التحليل والتركيب والتقييم، نفس الحصاد نجنيه آخر سلك التأهيل، حيث لا تواصل ولا قيم في الغالب الأعم، هذه الأخيرة أي القيم، خرمها وتلاشيها بالمنظومة العتيدة يمثل منبع مرارة كالعلقم، يتجرعها أولياء الأمور الحاملين هما، وغير الحاملين.
1. مهارات السراب
تدرج منهاج منظومتنا العتيدة سلم عدة مقاربات بيداغوجية، من تدريس بالأهداف، الى مقاربة المهارات الى مقاربة الكفايات الى واقعة الادماج، ولم يثبت على حال، والآن يعيش فراغا بيداغوجيا قاتلا، في ظل تكوين مستمر وذاتي للمورد البشري يراوح بين الهشاشة والعدم، ويشمل هذا الأمر الخاص والعام من المنظومة، نعم قد يكون سن وفرض مقاربة بعينها تكبيلا للفعل والممارسة الصفية، لكن هل يمتلك المدرسون قاعدة صلبة تضمن الأهلية، وهل تضطلع مراكز التكوين بهذه المهمة؟، الناس والآباء يلمسون ببساطتهم أن أبناءهم في سيرورتهم التعليمية لمن احتفظت بهم المنظومة، فضلا عن الذين تسربوا وهم كثر، يلمسون أن هؤلاء الابناء يعودون دوما بخفاف حنين وخاويي الوفاض، وكثيرا ما ينتكس المهدورون إلى الأمية بسرعة البرق، الأمر الذي يبرهن على أن المنظومة العتيدة تفشل في تثبيت حتى الحد الأدنى من المهارات الأساسية، فما بالك بالأهداف والكفايات التربوية الارقى، من تركيب وتحليل وتقييم (صنافات بلوم)، إن المرء يتساءل بحق عن القيمة المضافة للمدرسة المغربية في الآونة الأخيرة، بمعنى آخر، تلك الحصيلة والاثر السلوكي الناتج عن الجهد والفعل والتعلم الذي ترسمه سياسة تعليمية واضحة المعالم، وموارد مؤهلة وملتزمة، وتلقين لا يُهرب خارج أسوار المؤسسة، ومناهج متجددة، وتقييم وافتحاص يحيلان على اتخذ قرارات، لا مجرد جعجعة بدون طحين، تفرضها ظروف بيروقراطية وسياسية متقلبة ومزاجية غير منتظمة (دولانتشير).
2. التدابير ذات الاولوية
جاءت التدابير ذات الاولوية كإعلان حسن نوايا ممتد في الزمان وتعوزها آليات التنفيذ وخطة العمل(مشروع التدابير يتوسل نفس اليات الاجرأة التي توسلها البرنامج الاستعجالي المأسوف له؛ وأبانت عن فشل شارك الجميع في تأثيثه بقصد أو بغير قصد، فكيف لسياسة تدبيرية تبث فشلها أن تعيد الكرة مرة أخرى)، وللتوضيح اكثر كيف يمكن تحقيق وبلوغ التعلمات الأساسية بمرحلة الابتدائي ببنية تحتية مهترئة وموارد بشرية متعبة أو غير منخرطة، وتأطير ومراقبة معطلين، هذا دون الحديث عن برامج ومناهج أضحت متقادمة ومتجاوزة، كان الله في عون الاباء الذين يحطبون اوراق وقراطيس لن تفيد في شيء سوى انها لامعة وبراقة.
3. قيم الوحل
من اهداف التعلم غرس قيم سامقة في الناشئة من تسامح وتعاون وتهذيب ولطافة، وتواصل إيجابي وتمسك بالهوية الوطنية الحقة المتجاوزة للأفراد والرموز، وترسيخ الإحساس الجماعي بالانتماء في نفوس أفراد الأمة، وتحديث نافع للمجتمع، مع توطيد بنيات للاحترام القائم على الإنصاف والعدالة الاجتماعية والكفاءة، وإعداد النشء ليكتشف قيمته وكرامته ويقدر كرامة الآخرين، مدنيين ودولة، إعداد الأفراد والجماعات ليخلعوا الأنانية المقيتة والعصبية المنتصرة للعرق أو القبيلة أو الطائفة، إعداد الإنسان ليقبل بحق الآخر في الاختلاف الإيجابي والبناء، ونفض السلبية والعدمية والجشع والمادية والفردانية النافية للحق العام والجماعي، إعداد الانسان ليقاوم الاخلاد الى الوحل والانانية المتوحشة، ويمقت الفساد والاستبداد، والتنافس في قبائح السلوكيات، كما تهدف التربية والتعليم الناجعين الى إعداد الفرد المنتج المبتكر والمبدع المنتصر للعقل والمنطق الإنساني، تكوين الافراد المتشبعين بالوعي والقادرين على تنوير المجتمع واحترام كرامة البشر؛ وغير ذلك من قيم سامقة لا تستطيع انساق تعليمية حديثة لوحدها حصرها واحترامها، (صنافة كراووتوول)، ان اهم انتظارات الاباء والامهات من المدرسة المغربية ومن منظومتنا العتيدة حتى وإن لم تفلح كما هو الحال أو يكاد، في غرس القيم اعلاه وغيرها، فهي على الاقل مدعوة أن لا تفسد عليهم ابناءهم وبناتهم، فان لم تستطيع الاقلاع والترقي فعلى الاقل تقاوم التردي والانتكاس، بمعنى ان لا يخرج الابناء من بيوتهم ومن لدن أسرهم اسوياء تم تصيغهم المؤسسة نهاية المطاف كسالى عاجزين بدون مهارات ولا اخلاق ولا قيم؛ يروحون وقد تمكنت من كثير منهم كل انواع الادمان المقيت والسلوك السلبي الفاشل والعدمي؛ (لادين لا دنيا)، ان القيم السامقة الانسانية والوطنية هي التي تبني الاوطان وتخلق التنمية، ولا توجد أمة نهضت بدون قيم، اما الالقاب والشهادات ان وجدت، فلن تسطيع ان تحرث ارضا او تزرع زرعا أو تملأ ضرعا أو تقيم نسلا اذا كانت مجردة من القيم، فلا الطبيب الجشع قادر على ان يزرع الامل في النفوس، ولا المحامي المخادع سيكون رسول رحمة بل غراب شؤم، ولا المهندس الفاسد بإمكانه ان يشيد قناطر وبنية تحتية غير مغشوشة وفاسدة، ولا الحارس أو المسئول القائم على امن الاعراض والاموال والعقارات قادر على مقاومة اغراء الرشاوى ان كان مساره التربوي خِلواً من قيم الامانة والترفع، ولا القاضي الذي شيد ضميره المهني، مسار تربوي سيء السمعة، أهل ليؤتمن على اقضية الناس ومظاليمهم، لقد ادرك عموم الناس بحدسهم ان الجلبة التي يحدثها بداية العام الدراسي هي بدون معنى، لان التعليم بدون تربية لا قيمة له، لهذا اصبحوا يبحثون عن انساق اخرى فازدهرت من جديد الكتاتيب القرآنية، وكثير من الملاحظين يعزون جزء من بواعث ذلك الى القحط القيمي والمهاري والكفاياتي، الذي اضحت تنطوي عليه مدرسة رديئة في كل شيء، حيث ادركوا بحدسهم البسيط ان فقدان مال اللوازم المدرسية والولد معا اثقل وانكى.
ان الجلبة التي يحدثها التعليم الخاص في الدخول المدرسي بجانب تعليم عام يلفظ انفاسه الاخيرة، منفر وباعث على السأم والاحباط واليأس، هذه الجلبة تحيلنا على سلعنة المعرفة، في ضل مقاربات يطبعها الحشو وتغيب عنها المنهجية؛ بله مناهج تتميز بالتكديس، والشحن يغلب عليها الحفظ والاسترجاع ساقطة حتى النخاع في الكم على حساب الكيف، تلقن التلميذ وضعيات وحالات بعينها لا استراتجيات تعلمية عابرة للوضعيات ومستقلة عنها تجعله قادرا على تجاوز التحديات التعليمية والتربوية والحياتية ولو اختلفت هذه الوضعيات عن الوضعية النموذج، بمعنى آخر ان تعليمنا بشقيه الخاص والعام، قلما استهدف المهارات والمراقي الاعلى من تحليل وتركيب وتقييم، وقلما جعل نصب عينية ان اعداد التلميذ والفرد لما هو ابعد من الامتحانات والمباريات، هو افضل وانفع على المدى البعيد للفرد والمجتمع، ولهذا السبب لاحظنا ازدهار ظواهر غريبة وعجيبة تتمثل في فنون الاستعداد للامتحانات والمباريات فقط، فازدهر تبعا لذلك سوق سوداء مسرحها يوجد خارج الاقسام والفصول تبتز الناس، وتتفنن في التأهيل والاعداد السطحي للتلاميذ تهتم بمعارفهم لا قيمهم، فتؤهلهم لاجتياز الامتحانات لا غير، حيث بعد ذلك مباشرة يتبخر ويتلاشى التأهيل، واصبح لهذا الفن رواده؛ لهذا الداعي صنف احد التقارير الدولية (PNUD) الاخيرة معظم منظومات التعليم العربية على انها منظومات امتحانات ليس الا، لا هم لها سوى التحكم في الصبيب ونسب النجاح، على حساب التكوين والتربية والتعليم، واسوء انواع التحكم هو التحكم غير المباشر والذي يتمثل في اضعاف البنية التحتية والموارد البشرية وتعطيل التقييم والتتبع وإفقار البرامج والمناهج وذلك قصد توطين سياسة الامر الواقع.
Aucun commentaire