Home»Correspondants»كفى فسادا ، لم يعد وضع بلادنا يحتمل .

كفى فسادا ، لم يعد وضع بلادنا يحتمل .

1
Shares
PinterestGoogle+

في ظل شرعنة الإفلات من العقاب وتكريسه ، أصبحت الجرائم الاقتصادية في بلادنا هي  الأكثر تأثيرا لا زدياد عدد ضحاياها من الجماهير الشعبية ، وهي بمثابة حرب صامتة وغير معلنة تشمل انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية رقعة جغرافية ممتدة امتداد خريطة الوطن . فالفساد بجميع أنواعه ومظاهره  من اختلاس الأموال العمومية أو تبديرها وتبديدها ، والرشوة ، والتدليس، وتبييض الأموال والاتجار في المخدرات ، وتهريب الثروات خارج البلاد ….. ،وغيرها من أساليب الاغتناء الفاحش على حساب بؤس وفقرالجماهير الشعبية ، هي أسلحتها الهدامة والفتاكة  المستعملة.
ينص ميثاق الأمم المتحدة على أن الفساد  هو أكبر حاجز فردي يواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية (1)، وتعتبر منظمة الشفافية الدولية أن الفساد يوقع ملايين الناس في براثين الفقر (2) ويحرمهم من العيش الكريم ، وهومؤشر على وقوع خلل كبير في إدارة وتسيير  الدولة  ، لأن المؤسسات   التي وجدت خصيصا لتنظيم العلاقة بين المواطن والدولة وتشرف على تدبير  الثروات ، أصبحت  مغشوشة وتستعمل كوسيلة للاغتناء الشخصي وتبادل المنافع بين المفسدين .
والفساد يشوه أيضا تطور المجتمع المدني  ويحرف مساره  ويقوده نحو وجهة خاطئة ، ويزيد من تفاقم الفقر بإهدار الموارد العامة التي من المفروض أن تستخدم لتحقيق طموحات المواطنين ، وتؤمن وصولهم إلى الخدمات  ، من صحة وتعليم ، وتوفير الشغل والسكن اللائق وغيرها من المقومات  التي تضمن كرامة الإنسان ، لا أن تغني  المفسدين .
لا يمكن العثور ببلادناعلى جريدة يومية لا تتطرق للفساد المالي  أو على الأقل لمظهر من مظاهره ، فتقام لجان للتحقيق ويهلل ويطبل لها الإعلام الرسمي عندما ينكشف فساد واسع النطاق  يكاد يأتي على الأخضر واليابس ، ويغضب الجماهير ، وتصل إلى نتائج مديلة بالحجج والبراهين الدامغة ،  ويطوى الملف في النهاية  دون معاقبة المجرمين ودون استعادة المبالغ .
وكأن المخزن يريد للشعب أن يطبع مع الفساد  ويقبل بالأمر الواقع ، ويعتبر الفقر نتيجة طبيعية  لا مفر منه ، وما عفو الحكومة الحالية على المفسدين الذي جاء على لسان  الوزير الأول إلا دليلا على ذلك ، رغم أن هيآت المجتمع المدني ببلادنا وعلى رأسها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي طرحت مند سنة 2001    » عدم الإفلات من العقاب في الجرائم السياسية والاقتصادية شرط للديمقراطية والتنمية  …… » كشعار لمؤتمرها السادس ……تندد به في كل فرصة تتاح لها .
و بحت حناجر شباب  حركت عشرين فبراير ، التي وضعت محاربة الفساد ضمن أولوياتهاونددت به وفضحته.
واقع بلادنا الاجتماعي لم يعد يحتمل الاستمرار في نفس النهج ، بعد تفويت  العديد من الفرص لإصلاح أعطابه ، ووضع قطار التغيير على السكة الصحيحة  ، فالوضع العام المتسم بالفساد وما ينجم عنه من اختلالات ومفارقات   واتساع رقعة الفقر المذقع ، اخترقت انعكاساته  نسيج حياتنا اليومية  ، واقتحمت حميميتها ، وأصبحنا ندفع أكثر من فاتورة يومية بسببه  . لم يعد الإنسان حتى وإن افترضنا  أنه قادرعلى تدبير أموره و تحقيق اكتفائه الذاتي والحد الأدنى من العيش الكريم، يستطيع  العيش دون الإحساس بثقل الفساد وإكراهات الواقع المزري  ، خاصة إذا كان ملتزما ومهتما بمحيطه  وبالأوضاع الاجتماعية في بلاده  .
وأريد أن أستعرض هنا في إطار الوضع العام  ، نموذجا من الهم  اليومي الذي نعيشه فعلا ، ويتطلب أكثر من الوقوف عنده ودراسته ، خاصة وأنه يستفحل ويتفاقم ، في ظل استشراء الفساد وتنصل الدولة من مهامها ، واتساع الفوارق الطبقية :  ظاهرت التسول  مثلا       (ونحن في بعض الأحيان يكون الصبر هو الفرق بيننا وبين المتسول ) تطورت و لم يعد المتسول ذاك الإنسان الذي يجلس في مكان معين  من السوق ، أو يطوف مادا يده ، وعندما نمر بقربه نعطيه ما تسمح به إمكانياتنا  ، بل أصبح يعتبرشريكا لنا ونحس  بالواجب تجاهه بحكم الواقع وضغط الحاجة ومتطلبات الحياة  ، وقد يعرف عنك الكثير:  عملك وأجرتك …. ، وتجذه في كل مكان حتى في منزلك أوبالقرب منه  .
وأنت تسير في الحي الذي تقطنه ، قد تلتقي بشخص يعرفك ولو  معرفة عابرة ، ويبادرك  قائلا ، « …….فلان ، تقاضيت راتبك من يومين فقط ، أنا في حاجة ماسة لبعض الدريهمات  » ، ويفاجؤك هذا التقديم الطريف ، وتناوله مبتغاه وتتابع طريقك .
وأنت تقف أمام بائع الخبز ، تهمس امرأة في أذنك ، أريد  خبزة من فضلك ، فتدفع ثمن الخبزة  مبتسما ، فطلاقة الوجه  ، وإبداء الرضى والتفهم مطلوبة  ، في مثل هذه المواقف .
تتكرر مثل هذه المشاهد  المحرجة  وأنت تشتري بضائع أخرى .
­­وفي وقت معين  ، تذهب كعادتك   إلى المقهى لتستريح قليلا من عناء يوم مشحون  ، وتقرأ جريدة يومية  ، عادة تطيب لنا قراءة مواضيع الجرائد  في المقهى أكثر من المنزل ،وما تكادت تستلقي على الكرسي ،  حتى يقف أحد  أمامك ويهمس في أذنك ، هل بإمكانك أن تعطيني ثمن قهوة ؟  .
تكاد هذه المشاهد  المستفزة  تتكرر كل يوم ، وبشتى الأشكال .
حتى   وإن كنت من النوع الذي لا ينظف حذاءه خارج البيت احتراما لماسحي الأحذية ، وحذاؤك نظيف   ، تجد  من يجر قدمك دون استئذان أحيانا ، ليلمعه ، فتفهم أن ماسح الأحذية يريد المساعدة  فقط .
أما مبلغ التزود من الأسواق الأسبوعية  بالخضر والفواكه وسائر المواد الغذائية  ، فله قصص وحكايات طريفة ، وحزينة أحيانا ، بين البسطاء من الجيران والجارات : جهود مضنية تبدل لتوفيره.
وفي مدننا تكثر بعض الظواهر :  تجد على سبيل المثال ،   شابة في مقتبل العمر بلباس محترم  وبجانبها دبلومها العالي ، تبيع المناديل الورقية ( كلينكس ) وهي جالسة لساعات طوال على كرسي بسيط . دون عناء تدرك أن بيع هذه المناديل لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يبني أسس عائلة ، بل لا يكفي لسد رمق طفل صغير في ظل تعدد  متطلبات الحياة الحالية ، وتفهم أن هذا النشاط  هو طلب مساعدة بقناع شبه تجاري  ، فتدفع الثمن دون أخذ السلعة   .
نلاحظ أيضا  مند التسعينات من القرن الماضي ،   ظهور بطالة مقنعة ، أي عدد من أنواع العمل الجديدة  والتي لا تكفي أجور أصحابها لضمان العيش الكريم لهم  ولأسرهم ، وتحسبهم الحكومة ضمن من يتوفرون على العمل في تحديدها لنسبة البطالة  ، وتكثر نزاعات الشغل بالنسبة لهذه الأصناف من العمل ، وتنتشر الخلافات الاجتماعية بين أصحابها وسائر الفرقاء مما يفاقم أزمات المجتمع .
ويتجلى الفساد المالي أيضا في  تشويه  المجتمع المدني وتحريفه عن دوره الطبيعي في خلق نوع من التوازن ، والدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للجماهير،  باستمالة واختراق واستقطاب فئات كبيرة  في بلدنا من  المتعلمين أصحاب  الشهادات ،أو مستويات لا بأس بها من التعليم ،  إما بمشاريع بسيطة لا تكفي لسد حاجياتهم ، أو بمجموعة من الوعود في إطار الجمعيات ، التي أصبحت المنح التي ترصدها لها الجماعات الترابية ،  تثير العديد من الشكوك  حيث تصرف بسخاء  لجمعيات مقابل خدمات تسديها ، كاستغلال منخرطيها على سبيل المثال لا الحصر في الانتخابات  لصالح هذا الحزب أو ذاك (3)
وتعطى بعض الامتيازات لجمعيات تنموية وغيرها  وهي   شبه رشاوى مقنعة  . تكون في  غالبيتها مشروطة بتكميم أفواه المستفيدين منها وتحييدهم عن النضال اليومي .
مما جعل فئات عريضة تشكل الأغلبية داخل  المجتمع وهي الفئات التي لم تتعلم أو لها مستوى تعليمي بسيط جدا، وتلك التي لا تملك إلا قوتها العضلية كرأسمال ، عارية الظهرفقدت سندها النضالي الذي كانت توفره لها هذه الفئات المتعلمة ،  أي أنها أصبحت  غير مؤطرة ، ولا تملك من يدافع عن مصالحها  ، وهي كقنبلة موقوتة  لا يعرف أحد وجهتها .
هذا نزر يسير من انعكاسات الجرائم الاقتصادية والفساد  ، ومن هنا تبرز ضرورة سن قوانين صارمة ضد المفسدين ، وعلى رأسها عدم الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية والسياسية .
بونيف محمد
الهوامش :
1 ـ مجلة مسالك العدد7  ـ 2007  تحت عنوان : الإجرام الاقتصادي بالمغرب الصفحة 24
2 ـ نفس المرجع ونفس الصفحة
3 ـ جريدة المساء العدد 2718 الصفحة رقم 5 مقال بعنوان برلمانيون يحذرون من الاستغلال السياسي لجمعيات المجتمع المدني

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

5 Comments

  1. جرادي
    03/07/2015 at 13:51

    قام المجتمع المدني بجرادة بعمل جبار لمحاربة الفساد ، حيث تشكلت جمعيات لهذا الهدف  » جمعية الدفاع عن مدينة جرادة  »  » جمعبة الدفاع عن ذاكرة جرادة  »  » جمعية الدفاع عن المال العام  » وعديد من الجمعيات في هذا الإطار إلى جانب بعض الجمعيات الحقوقية الجادة… والوقفات الاحتجاجية المنددة بأوضاع الفساد والإعلام المحلي الذي لم يتوان بالجهر بمظاهر الفساد ، وكل هذا جاء ضد النهب التي تعرضت له شركة مفاحم المغرب إلى جاني العديد من مظاهر الفساد التي تمس المال العام . كما قام المجتمع المدني بتقديم شكايات إلى محكمة جرائم المال العام بفاس وكل ذلك بالوثائق والحجة … لا يسمح المجال باستعراض جميع ما قام به المجتمع المدني . وكان ينتظر من الذولة المغربية ان تتجاوب مع هذا الراي العام الا انها لم تحسن قراءة رأي عام محلي رافض للفساد ورافض لنهب المدينة وتكريس واقع الفقر والتهميش ، الأخطر ان ما تم الوصول إليه هوانه لا توجد إرادة حقيقية لدى المسؤولين على مستويات عدة لمحاربة الفساد ، بل الأخطر أن هذا الفساد تعمق والمفسدون ازدادوا جبروتا بعد شعورهم بأنهم خارج أي متابعة وذلك عند ما أصبح الفساد يحتمي بالفساد .
    واقع مدينة جرادة اليوم لا يتحدث ولا يستنشق إلا الفساد … لكن المجتمع الجرادي لا يزال يقاوم … ثقافة تريد التطبيع والتعايش مع الفساد …

  2. محمد العجاني
    06/07/2015 at 12:58

    لفد اصبح الفساد مركب يكاد يستحيل نزعه في وقت وجيز.قاافساد المالي مثلا اصبح نسقا يضم منضومة من الاليات ومن الوساءل الممعقدة و التي تم تركيبها على مدى سنوات حتى تضمن انسجامها مع المؤسسات القاءمة وحتى يكون وجودها مغلغل في الدولة و اجهزتها بشكل يمنع اجتثاتها
    اقتلاعها بسهولة
    بحيت انتشرت ثفاقة الهمزة وافتناص القرص لاجل الربح السريع دون وجه حف -الاتجار بالانتخابات لاجل التموفعات ماله تداعيات سلبية و ضارة سواء على المستوى السياسي او الاجتماعي
    او الافتصادي بحيث يخلف القساد ويلوث الحياة العامة

  3. MOHAMED EL AJJANI
    06/07/2015 at 13:56

    Quand on est au dessus des lois,on peut tout se permettre.

  4. مجدوب
    07/07/2015 at 13:48

    الفساد كابوس يقض مضجع الفرد، ومرض ينخر جسم المجتمع، فماذا تنتظر من بيئة يحبط فيها التلميذ (رجل الغد) الذي يجد نفسه مضطرا للجوء إلى الغش لأجل الحصول على معدل متميز يمكنه من الولوج إلى المعاهد والمدارس العليا ،أو دفع قسط من المال لأجل الظفر بوظيفة من الوظائف،وماذا تنتظر من موظف تتم ترقيته بالولاءات ودفع الايتاوت لسؤوليه دون مراعاة لكفاءاته وقدراته الشخصية ،وماذا تنتظر من…..، ، ألا ينعكس ذلك سلبا على مصلحة الوطن ؟ألا يكون ذلك سببا في تهديد الاستقرار الاجتماعي الذي يعتبر الرافعة الأساسية لتنمية الأمم والتي هي مطمح كل الشعوب .

  5. Ben tayeb HB
    09/07/2015 at 11:47

    La corruption est un frein au développement économique et devient à la fois une cause et une conséquence de la pauvreté dans les pays moins développés.Il faut donc déployer des efforts importants pour améliorer le dispositif préventif et répressif en matière de lutte contre la corruption sur toutes ses formes que ce soit « la grande corruption » liée au blanchiment de l’argent etc……ou « la petite corruption » qui se réfère à la corruption bureautique présente dans l’administration publique.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *