لمن المصلحة في تفجير فضيحة تسريب امتحانات البكالوريا؟!
كسائر المواطنين التواقين إلى استتباب الأمن والاستقرار ببلدهم والحريصين على مستقبل أجياله الصاعدة، تلقيت بذهول عميق صدى الفضيحة « الإرهابية »، التي هزت أركان وزارة التربية الوطنية، وأدخلت الرعب على قلوب الأسر المغربية، إثر تسريب موضوع مادة اختبارية قبل حلول موعدها، في الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا دورة: يونيو 2015.
وقد استغربت كثيرا من أن يلتزم الصمت والحياد أصحاب تلك الأصوات والأقلام، التي انبرت ذات يوم للتنديد بتنظيم مهرجان « موازين »، بدعوى تزامنه مع فترة تحضيرات التلاميذ والطلبة لاجتياز امتحانات آخر السنة الدراسية والجامعية، باعتباره مصدر تشويش وإزعاج، تنعكس آثاره سلبا على درجة التركيز والتحصيل لديهم، دون التفكير في أدنى مساندة رمزية للحشود الغفيرة والغاضبة من الأمهات والآباء والأولياء، التي حجت إلى مراكز الامتحانات للاحتجاج والدفاع عن حقوق أبنائها. فأي تشويش أخطر من تسريب امتحانات مصيرية؟
ولعل من أبرز ما يؤاخذ على حكومة السيد بنكيران، أنها بدل الاهتمام بالبحث عن السبل الكفيلة بتجاوز ما تعاني منه منظومة التربية والتكوين من اختلالات، أبت إلا أن تستهدف المدرس، وتستمر في ملاحقته عبر قرارات ظالمة، مختزلة أزمة المدرسة العمومية وتدني مستوى التلاميذ، في ضعف تكويناته وعدم جديته في القيام بواجباته التعليمية ودوره التربوي. لذلك، لا غرابة في أن تقدم الوزارة الوصية، في إطار حربها الضروس على ظاهرة الغش المستشري في الامتحانات، على مجموعة من التدابير الرامية إلى تعزيز آليات دحر مختلف أساليبه، معتمدة هذه السنة على حملات مدرسية وإعلامية واسعة، ومستجدات هامة، منها أجهزة إلكترونية ذات جودة عالية، للتشويش على الهواتف « النقالة » والكشف عن مواقعها، قصد الحفاظ على مصداقية شهادة البكالوريا الوطنية. وبالنظر إلى ما روجته وسائل الإعلام من أخبار في هذا الصدد، شعر المترشحون المجدون وأسرهم بالارتياح، وغمرهم الأمل والاطمئنان على المستقبل…
وطبيعي جدا، أن تسهر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بدورها، على أن تجرى سائر العمليات في ظروف سليمة، وتحرص على ضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين، من خلال إحاطة الامتحانات بكافة التدابير الاحتياطية الضرورية، معتبرة أن ضبط المترشحين وبحوزتهم هواتف محمولة أو وسائط إلكترونية، داخل أسوار مراكز الامتحانات، حتى وإن كانت غير مشغلة بالقاعات، يعتبر محاولة غش صريحة، يحرم بموجبها أصحابها من مواصلة باقي الاختبارات، ويعرضون على أنظار لجن خاصة لإنزال المستحق من العقوبات التأديبية. وما ينطبق على ذوي الأجهزة التقنية، يسري أيضا على غيرهم من الغاشين بوسائل أخرى: وثائق، قصاصات…
وإذا كانت تسريبات السنوات الماضية، تعتمد على نشر صور لنسخ من مواضيع الامتحانات في مختلف الشعب والمسالك، على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة ب »التسريبات »، بعد مرور وقت وجيز على موعد انطلاق الامتحانات، ويمتد الأمر أحيانا إلى نشر مشاريع إجابات بسرعة فائقة، مما يعني أن هناك « كتائب » مدربة على خوض الحروب الرقمية، فإن تسريبات هذا العام جاءت مخالفة تدق ناقوس الخطر، منبهة إلى ما يتهدد أمن واستقرار المغرب من شرور، حيث تم تسريب مادة الرياضيات في مسالك: علوم الحياة والأرض والعلوم والتكنولوجيات، المبرمجة في اليوم الثاني من انطلاق الدورة، قبل موعد الإجراء بحوالي ست ساعات حسب التصريحات المسجلة، وهي مدة على ما يبدو كانت كافية لتطويق الفضيحة واستدراك الأمر باستبدال الموضوع المسرب، لو أن المسؤولين حرصوا حقا على اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالتدخل السريع والتصدي لمثل هذه « الجرائم » المباغتة.
فأين نحن من لجن اليقظة، المفروض أن تكون جاهزة في مثل هذه الاستحقاقات البالغة الحساسية؟ وأين هي خبرة وكفاءة الأجهزة الأمنية والمخابراتية، التي عودتنا على تدخلاتها الاستباقية الناجحة؟ ثم كيف استطاعت الجهات الواقفة خلف هذا العمل الدنيء القيام بهذا الاختراق الأرعن، إذا ما علمنا بالظروف الأمنية المشددة والمحيطة بتسلسل عمليات التحضير المادي للامتحانات، بدءا باعتكاف موظفين في الأكاديميات وعزلهم عن المحيط الخارجي، مرورا بنسخ المواضيع ونقلها بين المصالح المختصة، وإشراف كبار المسؤولين على أمنها وسلامتها؟ وكيف يتم التسريب والمندوبيات الإقليمية تتسلم أظرفة مواضيع الامتحانات، محكمة الإغلاق وبأختام بارزة، ومن ثم تضعها في أيدي رؤساء مراكز الامتحانات؟ أسئلة حارقة، عديدة ومتنوعة، تلك التي ظلت تلاحقنا دون أن نهتدي إلى ردود شافية عنها، في انتظار أن يمتلك أصحاب القرار الجرأة، ويبادرون إلى تنوير الرأي العام بالمعلومات الكافية.
فالفضيحة أظهرت بما لا يدع مجالا للشك، إلى أي حد بلغ التهاون والقصور بالمسؤولين، في التزام الحيطة والحذر من انفجار مثل هذه الفضائح المدوية، التي من شأن نيرانها أن تأتي على الأخضر واليابس، وتعصف بآمال وأحلام آلاف الأبرياء من المترشحين المتمدرسين والأحرار وأسرهم. وبدا واضحا أنهم لم يكونوا فعلا في مستوى تأمين الشروط المادية والتربوية لإنجاح هذه الامتحانات. إذ من غير المقبول، أن تقف الأمور عند حدود تشديد المراقبة على المترشحين دون غيرهم، اعتقادا منهم باستحالة حدوث الشر من جهة أخرى، لولا قصر نظرهم ومحدودية خيالهم …
وذلك ما أدى بالوزارة الوصية إلى الارتباك والضياع بين البلاغات، لتعلن بعد لأي عن قرار إعادة مادة الرياضيات المسربة، في اليوم الموالي لنهاية الامتحانات: الجمعة 12 يونيو 2015. وعلى الرغم مما لقيه من تجاوب واستحسان لدى الغالبية، فإنه لم يكن بالحل الأمثل، مادام لم يتم التعجيل باتخاذه قبل وصول موعد مادة ما بعد الزوال: الفلسفة، لطمأنة المترشحين ورفع التوتر عنهم، والحيلولة دون تخلي بعضهم عن مواصلة الامتحانات، علما أن توافر الإثباتات حول التسريبات لم يتأخر في الوصول إلى المسؤولين. فالقرار لم يكن كافيا، للتخفيف من حجم الضرر النفسي والتربوي والتعليمي، الذي لحق بالمترشحين. ومازال الكثيرون منهم متخوفين من أن تكون هناك تسريبات أخرى، وصلت خفية إلى أيدي بعض المحظوظين من أبناء علية القوم. ويعاني من هذه الشكوك بوجه خاص، أولئك المتمدرسون ممن أفنوا سنوات عمرهم في الجد والاجتهاد، وأنفقت عليهم أسرهم الكثير من المال في الساعات الخصوصية، من أجل الحصول على معدلات مشرفة، تؤهلهم للالتحاق بأحسن المعاهد والكليات. وهذا التخوف الحاصل، يستدعي أن تتم عملية التصحيح في أجواء جادة، وأن تعرض الأجوبة المشبوهة على اللجن المختصة، للتأكد من المستوى الحقيقي لأصحابها بكامل السرية…
وإذ نعبر عن استيائنا مما حصل وندين بشدة كل أشكال الغش كيفما كان مصدرها، فإننا نعلن عن تضامننا مع كل المتضررين، ونطالب بتعميق البحث عن خيوط هذه المؤامرة الخسيسة، المدبرة باحترافية من حيث توقيتها وانتقاء المسالك المتوفرة على أعلى نسبة من المترشحين، والتي يتضح أنها تستهدف زعزعة أمن واستقرار البلاد، كما نطالب بتحديد المسؤوليات وعدم الإفلات من العقاب، بدل الاتجاه نحو تقديم كبش فداء كالعادة وإغلاق الملف…
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire