خلفيات جنون كشف العورة
لا يخفى على مثقف أن الفن في حضارة الغرب لا يُجرم العري، بل إن اللوحات العديدة و التماثيل المكشوفة لفنانين كبار نجدها تُزين جذران الكنائس و المتاحف و دور الثقافة و معاهد الفن. حتى أن بعض الأدباء والفنانين والسينمائيين تخصصوا فيما بات يعرف بالفن الإيروتيكي، القائم على إثارة الغريزة الجنسية والتفنن في توظيف قاموس الفحش والجنس وما نسميه نحن بالخلاعة والفجور… كما تطور رقص النساء عندهم في الملاهي الليلية في اتجاه إثارة الشهوة واعتبروا ذلك فنا معاصرا لا دخل للأخلاق فيه.
و في المقابل، كانت الحضارة العربية الإسلامية دائما تمجد الحياء والستر والعفة. و لذلك فُرض ستر العورة في الصلاة وفُرض اللباس الشرعي على المرأة: « وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ». و كل فحش أو عري علني عند المسلمين مذموم و ممقوت، ولا يمكن تصوره ضمن خانة الفن الذي هو بالأساس ترفع عن الإسفاف وارتقاء بالذوق وإحساس بالجمال.
و ما نعتبره نحن تفسخا ووقاحة، يعتبره الغربيون إبداعا وفنا. و كل مجتمع إنساني حر في اختياراته الأدبية أو الجمالية وفي تبني منظومة القيم الأخلاقية التي يرتضيها و يتعارف عليها في دساتيره وقوانينه ويحتكم إليها في تقيم سلوكاته اليومية. وأي تعسف في هذا الموضوع يعتبر اعتداء على حرية الإنسان و مصادرة لذوقه واختياراته كفرد أو كجماعة.
في هذا الإطار يمكن أن نضع النقاش الدائر اليوم بخصوص المشاهد الخليعة من فيلم نبيل عيوش « الزين اللي فيك »، أو الرقصات الفاضحة للمغنية الأمريكية جينيفر لوبيز ورفيقاتها وهن شبه عاريات على منصة موازين بالرباط. لوبيز منسجمة مع ثقافتها الغربية، وهي تعتقد أنها أبدعت وزيادة باستعراض أردافها وكشف سوأتها من خلال رقصاتها اللإيروتيكية، وربما تظن أنها أمتعت جمهورها المغربي الحاضر في المهرجان أو المتتبع لعرضها من خلال القنوات الرسمية العمومية. و لو شرحنا لها الآن أن حركاتها عند عموم المغاربة تحمل معاني الإهانة والاحتقار، لربما سارعت إلى تقديم الاعتذار، كما اعتذر من قبلها فنانون أساؤوا لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علموا أن ذلك مس بمقدسات المسلمين.
إن المشكل المطروح الآن هو التوظيف الممنهج للعري المجنون باستضافة لوبيز وقبلها جيسي جي وقبلها شاكيرا … وفرض ذلك على المُشاهد المغربي. إنه اعتداء على حقوق المواطنين ومحاولة مفضوحة لإحراج الحكومة الحالية وإرباك ما تحقق من استقرار سياسي 2011. وبالتالي، لا يمكن أن نفصل ضجة نبيل عيوش و ضجة موازين عن السياق العام الوطني الذي عرف نقاشا حادا بين الحكومة من جهة وبين من يسعون إلى فرملة الإصلاحات في القضايا الكبرى مثل تهميش اللغة العربية و تقنين الإجهاض و تمرير قرارات فوقية في ملفات شائكة…
جنون كشف العورة يحمل إذن دلالات تختلف باختلاف السياقات، فهو في المجتمع الغربي المادي ثورة على الجمود والتقاليد « البورجوازية » وتحرير للجسد من كل القيود (المسيحية التي منعته حتى من الزواج)، وهو تعبير فني يرمي فعلا إلى إمتاع المتلقى وإسعاده وليس إهانته أو احتقاره. وهم أحرار في جنونهم. لكن من العار ومن المستقبح أن نحاول نحن أن نجن مثل جنونهم ونفرض ذلك على شعبنا الذي تربى على قيم الحشمة والعفة، و نضرب عرض الحائط بدستور المملكة و مرتكزات منظومتنا التربوية التي تقول بالحرف: »النظام التربوي للمملكة المغربية بكيانها العريق القائم على ثوابت ومقدسات يجليها الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية… ».
محمد السباعي
1 Comment
كنت انتظر تحليلا اكثر دقة واقناعا الاخ السباعي