العسكرية المغربية،هبة الصحراء
رمضان مصباح الإدريسي
تقديم:
في دردشاتي الضاحكة،لكن التكوينية،مع صغيري ياسين ابن الاثنى عشر ربيعا ؛لايقبل مني شيئا واحدا:أن أنهي المقارنة بين القوات العسكرية للدول ؛ولو العظمى،لغير صالح المغرب. وحينما أمازحه فأقول مثلا:إن قواتنا الجوية هي الأشرس في العالم؛تحمر وجنتاه ،وتنتفخ أوداجه حماسا ويرد: « آيْوا هَاكَّا نَبْغِيك »..
الحكاية كلها ترتد إلى كونه طيارا افتراضيا في لعبه المفضلة؛وهي قتالية جوية ،غالبا.لولا مأساة الطيار الأردني معاذ الكساسبة ،لظلت الغارات الجوية ،في اعتقاده،مجرد نزهات رائعة في سماء مفتوحة؛كتلك التي يمارسها في لوحته ،وهو يدمر أهدافا أرضية ،تمرس بمراوغتها . رغم تأثره بنهاية هذا الطيار، لم يعدل أي فقرة في حلمه الكبير:أن يقود طائرة حربية حقيقية. ورغم تعقيباتي لايرى أن المعدل الدراسي المطلوب في البكالوريا هو الذي سيعجزه.
أتساءل خارج السياق: متى يصل نظامنا التربوي الى الاشتغال وفق أولية المشاتل والفسائل ، قبل الأشجار .كم من مواهب اغتالتها برامج تعليمية خارج متطلبات التنمية والحداثة؟
أتصور أن النقاش بيني وبين الطيار الصغير ،حول الأف16 المغربية التي أسقطتها دفاعات الحوثي في صعدة،سيتواصل ،إلى أن يتضح مصير الطيار البطل الذي هوى كأي نسر ؛لكن بعد تنكيل ببغاث الطير.
يخطئ كثيرا من يراها،مِنا، حربا لا تعنينا ؛تماما كما تفرجت أوروبا على بدايات نازية هتلر ،وهي تقضم حواشيها ،إلى أن طالت أنيابها الأقتاب والقلب.
من أين هذا الحديث العائلي الطفولي عن بعض أمور الجيش الملكي المغربي؟
من مؤسسة الجيش إياها،إذ بلغت مرحلة مهمة من الرسوخ ؛جعلتها تنفتح على المجتمع المغربي ،بعد أن ظلت لعشرات السنين شأنا خاصا مغلقا يهم قيادتها العليا فقط. لا يعود الفضل فقط للثورة الرقمية ،وبصفة خاصة إمكانيات النشر التي يتيحها « اليوتوب »؛بل الى قرار عسكري سياسي اقتضته طفرة النمو والتمأسس ،وصولا إلى بروز ملا مح عقيدة عسكرية مغربية تطاول أعرق العقائد العسكرية في العالم. لا أقول هذا لأرضي،فقط، أطفال المغرب ؛كما أفعل مع ياسين؛بل هي الحقيقة المؤسسة، التي يجب أن يعيها كل مواطن ،وأن يفخر بها. فعلا ينقصنا توطين عقيدتنا العسكرية في النفوس ؛لأن مثقفينا،ولأسباب ذاتية وموضوعية، لا يزالون يتحاشون هذا الموضوع ؛وفي أحسن الأحوال يعتبرونه شأنا يهم ذوي الاختصاص فقط؛وهم في المغرب قلة.
لعل الوقت لم يحن بعد ليستفيد المواطنون مباشرة ،من برامج إعلامية إخبارية وتكوينية،يؤطرها ضباط متخصصون .
لا يتعلق الأمر بعسكرة المجتمع ،بل بالترقية المتعددة الأبعاد للمواطنة؛بما فيها حتى البعد العسكري ؛ما دام الحاضر مفتوحا على كل الاحتمالات. تكاد جميع القنوات العربية اليوم لا تشتغل إلا ضمن هذا البعد؛ويجد أغلب المواطنين صعوبة في فهم
القاموس العسكري ؛خصوصا الذي يتحدث به خبراء ومستشارون عسكريون مشارقة.
لعل العقيدة العسكرية المغربية ؛إذْ استوت بخبرة ستين عاما من التاريخ الحديث ؛وبعمق زمني قديم يتجاوز العشرة قرون؛نازلت فيها – منتصرة غالبا -عددا من جيوش الدول العظمى وقتها؛بحاجة اليوم إلى مواصلة التغلغل في وجدان المواطنين ؛فمنه تستمد القوة الحقيقية، وليس فقط من عتاد القتال. إن المتتبع لتعليقات المشاهدين على الأشرطة التي تبثها القوات المسلحة الملكية ؛وبصفة خاصة ما يوثق منها حروب الصحراء،يدرك أن الانغلاق السابق فوت الكثير على ورش الوطن والمواطنة الحق.
لقد سبق أن فسرت تساؤل، بل افتقاد المواطنين ،أثناء فيضانات الجنوب،لتدخل الجيش ،بالروح القتالية المغربية التي رسختها في النفوس الجغرافية،كما التاريخ.
أكاديمية الصحراء:
لعل المرحوم الحسن الثاني ،وهو يدبر أمور المسيرة الخضراء،لم يكن يفكر إلا في مواطنين مغاربة صحراويين، آن أوان تحررهم من الاستعمار ؛وخير من يحررهم مواطنون مدنيون مثلهم .حتى المستعمر الاسباني لم يكن له إلا أن يرحب بدبلوماسية المواطنين العزل هذه ؛تحصينا لعقيدته وشرفه العسكري،الذي لا يقبل – وفق الشائع عالميا- أن يتقهقر أمام قوة عسكرية أخرى.
لولا الغدر والخيانة والكيد ،وقد جعل منها القذافي وهواري بومدين صفات لجيوشهما ؛ما دامت بدون قضية ؛لما دخلت الصحراء مع الداخلين غير شرطة المرور.
شاءت الأقدار – رب ضارة نافعة – أن تلد المسيرة السلمية الخضراء، مسيرة أخرى أبطالها القبعات الخضر والأحذية الثقيلة. لقد وجد الجيش المغربي نفسه أمام مسؤولية الدفاع عن صحراء شاسعة وقاسية ،بها من الضباع والثعالب والذئاب أكثر مما بها من الغزلان والجِمال . وعليه فلم يجد الحسن الثاني بدا من عجم عيدانه ،واختيار الأصلب والأقسى لهذه الصحراء التي قررت الجزائر،وهي غير وارثة، أن ترثها بالتعصيب.
حينما نبحث اليوم عن أسس العقيدة العسكرية المغربية ،كما تخرجت من الصحراء،فعلينا أن نستحضر هذا المعطى الذي لا يتم الانتباه إليه :أكاديمية حرضتنا الجزائر على تأسيسها ،ليس في بنايات مكيفة الهواء،ومكاتب ثرية كمكاتب جنرالاتها ،بل في الصحراء الخلاء ،المفتوحة على الرمضاء،حيث يضحك السراب من عطش العطشى. أكاديمية تتوالى فيها بطولات خيرة الضباط الأساتذة ؛ولا أفضل من دروس تستخلص من البطولات الحقيقة.
بطولات تمتح من قضية صادقة كفلق الصبح،وهي في حد ذاتها درس منقوش على حجر،وفي نياشين المتخرجين ،الشهداء والأحياء: مت من أجل وطنك ،تعش خالدا فيه.
وشاءت الأقدار- ضمن ملف الصحراء المغربية دائما- أن تبني الجزائر المستقلة عقيدتها العسكرية على كره الجار المغربي والكيد له.عقيدة ،كهذه، غير مؤسسة على قضية وطنية عادلة ،لا يمكن أن تُخرج إلا ما رأيناه ونراه :
جيش لم يجد أدنى حرج في مقاتلة مواطنيه على مدى عشر سنوات . جيش لو لم يجد غير البراميل المتفجرة لألقاها حتى على سكان العاصمة . هذه العقيدة الإجرامية هدية من الصحراء للجزائر الرسمية ،التي تلتزم عالميا بألا تقاتل إلا داخل الجزائر أو في حدودها.
فعلا ضحى المغاربة بالكثير من أجل الصحراء؛ولو أعاد التاريخ سيرته ،لما كانت لنا صحراء خارج الخريطة؛هي اليوم ضمن ولايات الجزائر ،إداريا وليس روحيا. في المقابل نجد أنفسنا اليوم بجيش قوي؛وان كان قليل العدد مقارنة بالجزائر.
وهذا من صميم العسكرية المغربية،كما يحللها الخبراء.عسكرية تقوم على تحقيق نتائج قتالية عالية، بقوة تدميرية هائلة ،وبخسائر بشرية قليلة. هذا القناعة العسكرية هي التي تتحكم في نوع الأسلحة التي يقتنيها المغرب لقواته.
لقد سبق أن تحدثت عن الجزائر المغربية،القائمة حاليا، منذ الانقلاب التاريخي على القادة الكبار لجبهة التحرير؛متسائلا عن الجزائر الجزائرية،الديمقراطية وليس العسكرية؛متى يشرع الجزائريون في بنائها؟
اليوم أجدني مضطرا لأقول لمغتالي الجوار ،الذين يصلون بالفاتحة الإفريقية: »الحدود الموروثة عن الاستعمار »؛شكرا لكم لقد أسسنا بدورنا عقيدة عسكرية جزائرية؛في منتهى القوة.لم نختر أن نفتح أكاديمية الصحراء ،ولم يكن واردا أن تفكر عقيدتنا العسكرية في خريطة الجزائر،ومواقع البترول والغاز التي تغذي شعب الجزائر ،في ما تغذيه.
لارابح في الحرب إلا أماني؛لكنها حينما تُفرض ،يكون لزاما على العسكرية أن تحقق اكبر قدر من الأذى للمعتدين المهاجمين.
الانتشار شرقا:
معارك الشرق اليوم،هي معاركنا غدا إن لم نلتحق بحلفائنا.هذه حقيقة لا ينكرها إلا من يبيع الوهم للمواطنين ،ويتاجر بالجنة والنار. لاتُرد صدور الخيل غدا بالعنعنات ،بل بالقاذفات الراجمات. إن تحصين الصحراء لا يتم في الصحراء فقط ،بل مع الحلفاء ،وضمن أسرابهم،ولو في صنعاء.
تحية لطيارنا المغربي البطل في اليمن ،حيا أو شهيدا؛خريج عقيدة عسكرية أنضجتها الصحراء .
ووفقك الله ياسين لتكون طيارا في المستقبل؛أنت الذي أُغرمت بالنسور ..
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire