اللغة و الهوية في المغرب بين الإضطهاد الفرنكفوني و « المودرنيتي »
يحيلنا العنوان إلى موضوع جد مهم يستلزم كتابات دقيقة وعميقة في حقه، إلا أنني أقتصر في هذا المقال المتواضع على طرح و جهة نظر و تساؤلات العديد من المغاربة ذوي الهمة بمصاب هذه الأمة فيما يخص واقع اللغة و الهوية.
في ظل التبعية تتضح سبل نجاح المستعمر الفرنسي الراحل بتحيله و خبرته الكبيرة في ترويج لغته وإدماج ثقافته الفرنسية في المغرب قبل و بعد الإستقلال، فهاهو اليوم يجني ثمار سياسة زرعت بذورها الأولى سنة 1912 بإسم عقد الحماية لتوطيد مشروعه الفرنكفوني بالمغرب كتوجه حضاري يضمن له إنعاش إقتصاده و تعزيز حضوره و بقاءه على المنصة الدولية. فتعسف المنظومات الفرنسية في شتى الميادين الحيوية بالمغرب تكاد بل أصبحت طريقة حياة ترسم طريق المواطن المغربي المسلم. من خلال تأملنا في واقع التعليم، الإدارة و الإعلام « المعرنسين » نستشف تطبع فرنكفوني ماسخ لا شك بل اليقين أنه ممنهج يشل الحس بإدراك الذات المغربية الإسلامية و يلعثم الإجابة عن تساؤلات عديدة بخصوص واقع هوية المواطن المغربي المسلم.
ما يثير الإنتباه في المجتمع المغربي اليوم أن هويته تتعرض إلى غزو ثقافي و فكري فرنكفوني شنيع، نلمس هذا الأخير في سلوكات إجتماعية وضواهر دخيلة عن عادات و تقاليد المغاربة، لا تمت بأي صلة أو رابط بالموروث الثقافي المغربي الأصيل. يسير معضم المواطنين المغاربة اليوم درب التقليد الأعمى للمجتمع الفرسي في جل أشكال سلبياته الشاذة سواء كان التقليد لطريقة الكلام، الحركات، تربية الأطفال، المعتقدات و طريقة الأفراح والإحتفالات أو غيرها من السلوكات، سلوك قد يكون بعض الأحيان غريب الأطوار يثير تساؤلين جدليين: هل هو تقليد أعمى مقصود بإسم التقدم و الإنفتاح على فرنسا المتحضرة؟ أم هو سلوك غير إرادي عفوي لقن لجيل بريء نشأ و ربي عليه مند نعومة أضافره ليصبح أسلوب ونمط حياة عادي بالنسبة له؟
للأسف تجد اليوم من المواطنين من يخجل على التعبير بلغته الأم ولغة أجداده إن كانت عربية أو أمازيغية منها، بإعتقاده أن معجمه المفرنس دليل على رقيه وإنفتاحه على الحضارة الغربية و « المودرنيتي » ، كئن اللغة العربية بالنسبة له بصمة عار و رمز التخلف تستعمل فقط في قراءة القرآن و التبرك بالخط العربي الجميل والشعوذة ككتابة الحروز والتمائم و غيرها من السلوكات.
يعتقد الكثير أن اللغة الأمازيغية قد أكل عليها الدهر و شرب، حتى هي لم تسلم من مضايقة اللغة الفرنسية و العامية الدارجة المخلوطة بالفرنسية و من الإختلالات المتعلقة بتدريس اللغة الأمازيغية الذي لم يرقى إلى مستوى التطلعات رغم الوضع القانوني و الدستوري الذي عرفته هذه اللغة في المغرب و غيرها من المشاكل مؤثرة بهذا سلبيا على الثقافة الأمازيغية بالمغرب.
للأسف هناك تقصير من العديد من المواطنين المغاربة الناطقين بالِأمازيغية في التداول بلغتهم و لغة أجدادهم. فهناك منهم من إقتصر في تداوله بالأمازيغية فقط أثناء تواصله مع الجد والجدة لأنهم ربمى لا يتكلمون إلا إياها أو فهم بعض الأهازيج الشعبية من الموروث الثقافي الأمازيغي ..الخ.
تتعدد أمثلة تلاشي لغة المغاربة بشتى ألوانها الذاكنة، فمثال واقع اللغة هذا المرير دليل على الهزيمة النفسية و ضعف الشخصية التي شنجت تفكير بعض المواطنين في إدراك ذاتهم والإحساس بالإنتماء إلى مجتمع ذي ثقافة بألوان طيف عربية أمازيغية وعزة هويته التي تميزه عن باقي المجتمعات الأخرى.
لغة القرآن بسمووها وغناها هي لغة غنية عن التعريف، فهي اللغة الرسمية للمملكة المغربية إلا أنها تعاني من وضعية مأساوية و مزرية تتحسر لها النفوس مما تتعرض له من تهميش بسبب هيمنة اللغة الفرنسية في الميادين الحيوية للبلاد و الشارع المغربي.
عموما ليست اللغة مجرد أداة للتواصل والتفاهم مع الناس فحسب، بل أكثر من هذا هي المرآة التي تعكس الفكر و العمود الوجودي الذي يبنيه، الذي يتم في ضوئه توحد الإنتماء لمجتمع ما و تخزين ثروته الثقافية. رابط اللغة بالهوية رابط حميمي و وطيد فلا هوية بدون لغة ولا لغة بدون هوية هما معا دلالة تحقق ماهية الإنسان. فما من حضارة قامت لها قائمة بدون نهوض لغوي يشهد على تاريخها. حتى لا أطيل و أدخل في تحليلات بين علاقة اللغة بالهوية و تشعبات
فلسفية من المدرسة اليونانية، الألمانية أو الأنجلوسوكسونية متطرقا لها في مقالات قادمة انشاء الله، أكمل الحديث عن حضوراللغة الفرنسية بالمغرب المستقل.
إن مشروعية و إستمرارية لغة الفرنسيين في المغرب التي ترعاها جمهورية فرنسا مكنها من تكوين و إحتضان تلاميذ وعملاء يسرو لها إختراق منضومة التربية والتعليم و باقي الميادين الحيوية في البلاد، هدفها بالدرجة الأولى تكوين أجيال مفرنسة في تفكيرها، منبهرة و مسلوبة بسلبيات الثقافة الفرنسية، فاقدة بهذا لبوصلتها و قيمها، حاملة لمشعل رعاية لغة و ثقافة الفرنسيين بينما أصبح المستعمر الفرنسي « الراحل » يستريح من هذه المهمة و يطمئن على نجاح و إستمرارية مشروعه الفرونكوفوني الداهي تحت رعاية مواطنين مغاربة ذوي هوية « عرنسية » مقيمين بالمغرب المعروفة بإكرامها المتميز للجالية « الفرونكوفونية ». ختما بتساؤلات هي في الأصل محور البحث والتحقيق: إلى أين يقود المشروع الفرنكفوني المجتمع المغربي؟ و ما ذنب لغة القرآن الكريم من هذا التهميش الذي تعانيه غداة طغو اللغة الفرنسية في مسخ الهوية المغربية الاسلامية..؟
عبد الحميد البرزالي
Aucun commentaire