إجهاض أجنة أم إجهاض أمة؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين
خروق في سفينة المجتمع
54 ـ إجهاض أجنة أم إجهاض أمة؟
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
حينما انقدحت شرارة النقاش في المدة الأخيرة داخل الأوساط الثقافية والفكرية، على اختلاف توجهاتها ومشاربها، حول موضوع الإجهاض، لم يكن ذلك إلا تعبيرا عن منعطف خطير، تمثل في نتائج كارثية لما اصطلح عليه في تلك الأوساط بالإجهاض السري. وأما النتائج الكارثية فتكمن فيما يترتب حتما عن عمليات الإجهاض السري من أضرار تطول النساء المجهضات، قد تصل في أشد تداعياتها إلى الوفاة التي تقارب نسبة 14 في المائة، بحسب الإحصاء المنجز في هذا الباب، وذلك ضمن العدد المهول للنساء اللائي يخضعن لعملية الإجهاض في السراديب المظلمة، والذي قدرت الإحصائيات تراوحه بين الثمانمائة والألف حالة، ضدا على القانون.
والحق أن إثارة النقاش حول هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة، بما صاحبه من توتر واحتدام، بل واصطدام في أحيان كثيرة، قد اكتسى وجها إيجابيا من حيث كونه قد كشف النقاب عن قنبلة بل قنابل موقوتة كان لا بد أن تنفجر في أي وقت وحين، بعد أن تتوفر لها قوة للدمار أعظم وأعتى مما هي عليه الآن، وإن كانت هذه ليست بالهينة على كل حال، فعسى أن يساهم هذا الكشف في إسراع القيمين على المجتمع بشتى فئاتهم وقطاعاتهم لإيجاد حلول جذرية توقف النزيف، وتعيد سفينة المجتمع المغربي إلى الوضع الصحيح في هذا الباب المتعلق بالتعامل مع الأجنة في بطون أمهاتهم، وذلك بالشكل الذي يرتضيه الشرع والعقل، والذي يجعل هؤلاء الأجنة مشاريع أجيال سليمة قوية، ترعى السفينة وتمدها بالطاقة الخلاقة التي تحفظ لها سلامتها واستقامة جريانها، وتضمن لها استمرار الإبحار إلى بر الأمان.
غير أن النقاش، للأسف الشديد، لم يجر في مساحة كبيرة منه بالشكل العلمي الموضوعي السليم، لأن كثيرا ممن اقتحموا حماه لم يكونوا مؤهلين للخوض فيه، لا بمقياس الأمانة ولا بمقياس الاختصاص، بل كان زادهم، وهم يخبطون فيه خبط عشواء، السفسطة والجدل العقيم، المقرونان بزعم العقلانية والحكمة، وما هم منهما في شيء. بل إن بعض من دخلوا حلبة النقاش، لم يتورعوا عن فعل ذلك بمظهر مزيف وبأسلحة لا يحسنون حملها، كأن يتذرعوا في نقاشهم بحشد من أقوال الفقهاء وأصحاب المذاهب، وهم، أي المناقشون المزيفون، على طرفي نقيض مع هؤلاء الفقهاء، على مستوى الرؤية الفلسفية والمنطلقات الفكرية، ولكنها المكيافلية في أحط صورها عند قوم لا يستحون، ولا يملكون غيرها دينا وديدنا.
وأورد هنا مثالا لنقاش يعبر عن تخبط هؤلاء المتنطعين وبعدهم المطلق عن الحق والصواب: يقول أحدهم: « أما على مستوى الواقع ، فإن الأرقام المهولة لعمليات الإجهاض التي تتم يوميا تسائل المناهضين عما أعدوه لهذه الأجنة إن لم يتم إجهاضها ، من رعاية وتربية وقوانين تساوي بينهم وبين الأبناء الطبيعيين وتضمن لهم حقوقهم كمواطنين » إن هذه المرافعة البائسة تكشف، كما هو واضح للعقلاء، عن منطق فئة مهزومة، بل مقرة بالواقع المتردي بسبب بعده عن اعتماد الإسلام تربية ومنهج حياة، ومنهج ضبط وتقويم وحراسة للقيم والحرمات، في ضوء ما يقتضيه الدين من رعاية للمقاصد بجميع أنواعها. فلو كان للشرع صوت مسموع في سفينة المجتمع بجميع قطاعاتها ومناحيها، لكنا أمام حال أخرى، هي من الاستقامة و الطهر والنقاء بحيث تحول دون تكون الأجنة من حرام، فمع فتح أبواب الحلال وحمايتها من المفسدين و اللصوص والمشاغبين، تنغلق أبواب الخنا والحرام، وينمو المجتمع في الاتجاه الصحيح.
إن الذي يستعرض ما كتب حول موضوع الإجهاض ولا يزال يكتب حتى الآن، يسجل انحرافا صارخا في طرح السؤال، ومن ثمة عن تحرير محل النزاع أو الخلاف، ذلك أن طرح السؤال لا ينبغي أن يكون من فراغ وفي فراغ، وإنما انطلاقا من فلسفة الأمة ومذهبيتها التي ارتضتها لتوجيه حياتها وضبط مسيرها، ولاستلهامها في حل مشكلاتها وإحكام دواليبها، حتى لا يتسلل إليها من العوامل ما يوهن عزمها وينخر كيانها. وإن وجود مثل تلك الأفكار اللامسؤولة على ظهر سفينة المجتمع، والتمكين لأصحابها، لهو مما يمثل خرقا خطيرا في كيانها بسبب ما ينجم عنه من بلبلة واضطراب في أوساط من ليسوا ممنعين من ركابها وروادها.
إن السؤال ينبغي أن يطرح هكذا: من هو الجنين الذي نريد أن نتساءل عن مشروعية إجهاضه؟ أهو جنين نتج عن علاقة شرعية، أم عن علاقة غير شرعية، أي محرمة؟ وتحت أي ملابسات يكون ذلك؟
والذي ينتصب للجواب على هذا السؤال أو الأسئلة ليس كل من هب ودب، وإنما هم أهل الشأن من العلماء والخبراء الذين يمثلون ضمير الأمة، وهم ربابنتها على مستوى التوجيه الفكري والقيمي، وتقتضي مصلحة الأمة عدم إفساح المجال لشرذمة الإيديولوجيين الأغراب عن واقع الأمة وحقيقتها، ليدلوا بدلائهم، فليس في دلائهم إلا السم الزعاف، أو في أقل تقدير، يجب إهمال أقوالهم والضرب بها عرض الحائط، لأنه لا تورث إلا الضلال والخبال.
إن الرشد يقتضي من الأمة أن تعرض مشاكلها على شرع الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما إذا استمرت في الاحتكام إلى منطق وداوني بالتي كانت هي الداء، فإن أمرها لن يؤول فقط إلى وضع تحتاج فيه إلى إجهاض الأجنة، بل إنها تكون أمام ما هو أدهى وأمر: إنه خطر إجهاض أمة، ولتنتظر إذ ذاك المحق والزوال، ولتحذر من وعيد الاستبدال، المتمثل في قول العزيز المتعال:( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) محمد: 38 صدق الله العظيم.
Aucun commentaire