من اجل تلاؤم بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي
نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين من خلال دعامته الثالثة الى السعي الى تلاؤم اكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي.
فهل تحقق هذا التلاؤم خلال كل هذه المدة الخاصة بعشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟ و ماهي القيمية المضافة التي اتى بها البرنامج الاستعجالي لتحقيق ذلك؟ وهل النظام التربوي يساير تغيرات المحيط الاقتصادي؟ و هل من مشاكل في الوصول الى هذا التلاؤم ؟وما الجديد الذي اتت به التدابير ذات الاولوية لخلق التلاؤم المنشود؟
ان كل التحولات التي يشهدها العالم اليوم، تحتم على كل الدول مراجعتها باستمرار لأليات اشتغال نظامها التربوي بمقارنة نتائج مخرجات المؤسسات التربوية والتكوينية مع متطلبات سوق الشغل الذي يتحول باستمرار نتيجة التغيرات التي تطرا على نظام حياة المجتمعات عالميا ونظرا للتطور التكنولوجي الذي اصبح الكل يطوق اليه .
فإشكالية التلاؤم لا تقتصر على بلد دون اخر ، لان تأثير العولمة ، اضحت تجلياته تظهر على كل العلاقات التي تربط بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي وكل الميكانزيمات المعتمدة في تحقيقه .
فانفتاح سوق الشغل على كل الكفاءات المؤهلة جعل المحيط الاقتصادي لا يقتصر فقط على الكفاءات المحلية ولكن تعداها الى البحث عنها اينما وجدت نظرا لوسائل الاتصال والتواصل والتكنولوجيات التي تتطور يوما عن يوم في توصيل اخبار اسواق الشغل العالمية .وما الاهتمام بتطوير فعالية الموارد البشرية في كل مجالات التكوين – مع تكوين مستمر ملازم لها – الا دليلا قاطعا على ذلك.
من هذا المنطلق ، فحينما تكون المدرسة عليها ان تعي انها ستكون انسانا قادرا على الاندماج في كل الوضعيات الجديدة التي يمكن ان يتواجد بها وتنمي فيه روح الانفتاح والتفتح على كل الثقافات التي يمكن ان يتعايش معها وفيها اينما حل وارتحل وهذا ما يستلزم تجديد برامجها ومناهجها في كل المستويات الدراسية.
فالاهتمام باللغات يعتبر الجواز الامثل للانخراط في متطلبات العولمة من حيث الاتصال والتواصل والتكوين وذلك لما لها من دور في البحث العلمي ومسايرة المستجدات الثقافية والعلمية اينما وجد الانسان.
كما ان الاهتمام بالتكوين المهني – خصوصا التكوين في المهن الجديدة – يجعل الراغبين فيه اكثر تشويقا للتكوين بمختلف المسالك التي يتيحها وذلك نظرا لمخرجاته التي يوفرها من يد عاملة مؤهلة وطلبه المتزايد في سوق الشغل.
ان معيقات التلاؤم بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي فهي موجودة ومتشابهة، تقريبا ، بين جميع الدول ( ولا تقتصر على بلد دون اخر ) وذلك نظرا لارتباطها بالمحيط الاقتصادي العالمي الذي يؤثر عليه بنسب متفاوتة بين الدول، وما البحث عن اسواق شغل في كل الارجاء ومن قبل كل الجنسيات الا دليلا على ذلك.
فظهور مهن جديدة وانقراض اخرى يحتم على الجميع اعادة النظر وباستمرار في البرامج والمناهج الدراسية الملقنة ومختلف شعب ومسالك التوجيه المدرسي والجامعي والمهني، وكذا التكوينات في كل المستويات حتى تساير هذا التطور السريع الذي يشهده المحيط الاقتصادي العالمي والذي جعل التحصيل الاكاديمي وحده غير قادر على هذه المسايرة نظرا لدخول مختلف انواع التكنولوجيات اليه.
وما جات به التدابير ذات الاولوية من » التمكن من اللغات الاجنبية وتثمين التكوين المهني ودمجه مع التعليم العام وتثمين الرأسمال البشري وتنافسية المقاولة « زيادة على « التعلمات الاساسية والكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي وتحسين العرض المدرسي والتأطير التربوي والحكامة والنزاهة والقيم بالمدرسة « الا قيمة مضافة لمشاريع هذه المنظومة لمواجهة كل الاختلالات التي تعرفها والتي سبق التطرق اليها خلال اللقاءات التشاورية الموسعة السابقة وذلك » لصياغة الاستراتيجية الملائمة لمواجهة هذه الاختلالات اخذة بعين الاعتبار التوجهات الاستراتيجية للمجلس الاعلى للتربية والتكوين ».
ان هذه التدابير الاصلاحية تتطلب انخراط كل الفاعلين والمتدخلين في الشأن التربوي وتعبئتهم ، كما تتطلب تفعيل كل الاليات التي سيتم اعتمادها لتحقيق كل الاجراءات العملية لهذه التدابير، لان الشأن التربوي في رمته هو شأن الجميع.
كما راينا سلفا ليس من السهل تلاؤم النظام التربوي والمحيط الاقتصادي نظرا للدينامية والتطور السريع لهذين المجالين خلال هذه العقود الاخيرة . وما مواكبة الاصلاحات لهذا المجال الحيوي الذي هو النظام التربوي الا وعيا بهذه التغيرات التي يشهدها المحيط العالمي والتي تحتم على الجميع الانخراط فيها. وحيث لا يمكن الاقتصار على اصلاح واحد في خضم هذه التحولات السريعة في كل المجالات.
فالانتقال من الميثاق الوطني للتربية والتكوين الى البرنامج الاستعجالي الى التدابير ذات الاولية الا وعيا بالقيام بالإصلاحات اللازمة للاختلالات التي تظهر في المنظومة التربوية حين تطبيق هذه الاصلاحات ومواكبتها.
ان الاقتصار على نظام تربوي غير متجدد وتبنيه مدة طويلة اصبح متجاوزا في خضم ما تعرفه الالفية الثالثة من التحولات الديناميكية لكل مناحي الحياة نظرا للتطور السريع للعقل البشري في كل المجالات ونظرا كذلك للتطور التكنولوجي اللامتناهي.
محمد بكنزيز
اطار في التوجيه التربوي
ابريل 2015
Aucun commentaire