مقاربات التوجيه التربوي بين الأسس النظرية و آليات التطبيق
مقاربات التوجيه التربوي بين الأسس النظرية و آليات التطبيق
بقلم: نهاري امبارك(*)
تقديم:
لقد تناولت، ومنذ زمان، كتابات نظرية هائلة مقاربات التوجيه من مختلف زواياها وجوانبها النظرية، من مفاهيم ومبادئ وأسس وتصورات وطرائق التطبيق وآليات الإنجاز. كما أسهبت في تعداد الأطراف والمتدخلين مهاما وأدوارا ووظائف. وتوالت كتابات نظرية، لم تتوان في سرد خصائص مختلف المقاربات وأصولها وسماتها ومواصفاتها، وغاياتها وأهدافها المؤدية بالتوجيه التربوي ومنظومة التربية والتكوين إلى شاطئ التطوير والسير بالتلميذ نحو التحرر من الإملاءات، وقيامه باختيارات واعية، ووضعه في صلب العملية والتربوية، محاطا بتدخلات ومساهمات مختلف الفرقاء التربويين متشاركين ومتضافري الجهود ومتكاملين، وتمكينه، بتوظيف قدراته الذاتية، من الاكتساب المعرفي والمهاراتي والتكويني والتوجيه الحر والاندماج المهني والاجتماعي.
كتابات نظرية ألبست مختلف المقاربات، في مجال التوجيه التربوي، لبوس المنقذ للمدرسة ومنظومة التربية والتكوين من أزماتها، والمنتشل للمجتمع من وطأة البطالة والتخلف إلى عالم النمو والازدهار.
كثر الحديث وتشعب حول هذه المقاربات، فاستأثرت باهتمام الفاعلين والمهتمين بالمجال التربوي والتكويني، إذ بدت، من شدة الوصف، وكثرة الثناء، والإشادة بسماتها وأهدافها وأبعادها، بدت وكأنها تلك البذرة التي اشتغل حولها الباحثون حتى اهتدوا في نهاية المطاف إليها، صدفة أو علميا، بدت بذرة صالحة وجيدة، معطاءة لمنتوج تتوفر فيه مختلف معايير الجودة، وقابل للنمو والتطور، وتحسين الإنتاج ووفرة المحصول. إلا أنه، والحالة هذه، أن التربية كالفلاحة، فنوعية البذور وجودتها ليست ضامنة لمحصول جيد. إن البذور الجيدة في حاجة لحقل ذي تربة غنية، وزرعها في هذه التربة في حاجة لأسمدة ملائمة وعناية دائمة ووقاية من الأعشاب الضارة والطفيلية وغيرها. فما هي المعيقات الهيكلية والمنهجية والمادية والبشرية التي تقف حاجزا أمام اعتماد أي مقاربة في مجال التوجيه التربوي ببلادنا وتصرفها عن تحقيق الأهداف المنتظرة منها؟
سنحاول، من خلال الفقرات التالية، مناولة، بالدرس والتحليل، قدر الإمكان، مختلف الإشكالات الأفقية والعمودية، هيكليا ومنهجيا، ماديا وبشريا، هذه الإشكالات المتمركزة حول مختلف المعيقات التي تحول دون اعتماد مقاربة بعينها، والتي يجب العمل على تجاوزها أولا، مع إرساء الأسس والقواعد والدعامات الضرورية لبناء منظومة للتربية والتكوين متكاملة، ووضع نظام للتوجيه التربوي منسجم ومتناغم مع أهداف وغايات النظام التربوي والتكويني برمته.
وفي اعتقادنا، وحتى نتجنب إشكالية ما هو الأسبق الدجاجة أم البيضة؛ فإن أي مقاربة في مجال التوجيه التربوي، لن تسهم في وضع أسس سليمة لمنظومة التربية والتكوين ككل، حيث إنها ليست تدابير ولا إجراءات إصلاحية أو تصحيحية أو حلولا، بقدر ما هي منهجية وتطبيقات وتقنيات معينة تندرج ضمن الإستراتيجية والتصورات العامة للمنظومة التربوية والتكوينية بمختلف مكوناتها وأبعادها. وهو ما نروم مناولته في الفقرات التالية.
I. البرامج والمقررات الدراسية:
تفيد مختلف المراجع أن وضع المقررات الدراسية يعتبر بمثابة استفتاء عام يعود إلى استشارة كل القواعد والفاعلين التربويين، عن طريق التمثيلية النسبية من حيث السن والجنس ، تأخذ بعين الاعتبار مختلف مشاربهم الطبقية والاجتماعية وانتماءاتهم السياسية، من أجل حصول توافق حول مختلف المكونات والمحتويات، وذلك من حيث الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والفنية وكل ما يتعلق بالمجتمع. كما تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات ومقومات الوسط القريب من التلميذ بالتركيز على الثقافة المحلية والجهوية اعتمادا لمنهجية الاندماج التدريجي للتلميذ في الحياة الاجتماعية والمهنية تسهيلا للتأقلم والتكيف، وتجاوزا لمختلف المعيقات الثقافية والنفسية الناجمة عن تغيير الوسط الأسري والاجتماعي. كما أن وضع المقررات الدراسية يأخذ بعين الاعتبار التوازن بين مضامين المواد المقررة ومد جسور في ما بينها، مع دمج المهن والحرف والوظائف ذات الصلة، موازاة مع سيرورة الإنجاز والتقدم التدريجي في المستويات الدراسية المتوالية. كما تأخذ محتويات المادة الدراسية بعين الاعتبار النمو الشخصي والنفسي للتلميذ حفاظا على توازن صحته جسميا ونفسيا وعقليا، وتجنبا لكل ما يثقل كاهله من أعباء إضافية، إذ أن مشكل كثافة وطول المقررات يظل قائما رغم توالي الإصلاحات. وبالرغم من عدم وجود دراسات ميدانية حول التأثير السلبي لكثافة المقررات على التلاميذ، فإن تصريحاتهم وتصريحات المدرسين تظل شاهدة على أن كثافة الدروس وكثرتها، في غياب أو قلة الأشغال التطبيقية والعمل الميداني، تؤثر سلبا على الاكتساب المعرفي والمهاراتي والمردودية المدرسية الداخلية والخارجية. إن طبيعة المقررات وجودتها تعتبر الحافز الأساسي للتلميذ للانخراط في العملية التربوية والاكتساب والإنتاج الذاتي. كما توفر ظروفا جيدة وحيزا أوسع لاعتماد أي مقاربة تربوية يجزم القائمون على منظومة التوجيه التربوي بنجاعتها وأهميتها.
II. المناهج والطرائق البيداغوجية:
تتمثل الطريقة البيداغوجية في مجموعة تعليمات وقواعد وتقنيات تعتبر أكثر ملاءمة ونجاعة لتدريس محتويات البرامج الدراسية نظريا وتطبيقيا. وقد تعددت الطرائق واختلفت، وانتقلت من التقليدي منها إلى الحديث، وتنوعت ليعتمد منها، حسب السيرورة التاريخية للأنظمة التعليمية، الأنجع والأنسب وفق الغايات والأهداف المقصودة. إلا أن التطبيق الميداني للطريقة البيداغوجية المعتمدة، يصطدم واقعيا بمجموعة من العراقيل والمعيقات التنظيمية والتربوية والإدارية الناجمة عن الارتفاع السريع والمهول لأعداد التلاميذ أمام أعداد المؤسسات التعليمية والموارد البشرية والمادية الضرورية. فأي طريقة بيداغوجية يتم اعتمادها لتدبير الاكتظاظ، حيث أصبحت بعض الحجرات في بعض المؤسسات التعليمية تعجز عن استيعاب جميع تلاميذ القسم، ما يجعل الفعل التربوي يواجه بالشغب والضجيج المتواصلين خلال الحصة الدراسية؟ أمام هذا الوضع، أضحى الأستاذ يعتمد أسلوب الإلقاء لتبليغ مضامين الدروس إلى التلاميذ. كما أصبحت عملية التقييم التربوي تركز على الاستظهار والاسترداد بنسب مرتفعة، حيث لا تشمل بالشكل المطلوب مراقي التفكير المجرد والإبداع والتحليل وإصدار الأحكام، الشيء الذي يؤثر سلبيا على التكوين الشخصي للتلميذ وانخراطه في بناء مشروع شخصي مدرسي ومهني وفق ما تتغياه المقاربات المعتمدة. يمكن أن نسلم بهذا الوضع بخصوص تدريس المواد الأدبية، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بتدريس المواد العلمية والتقنية، فالاكتساب المعرفي يصبح أكثر انخفاضا وهزالة، جراء قلة حصص الأشغال التطبيقية أو انعدامها، لانعدام المخابر والمحارف والوسائل الديداكتيكية والعدد التجريبية. فكيف يمكن ترسيخ المعارف الأدبية والعلمية والتقنية، على حد سواء، دون تمارين موجهة وأشغال تطبيقية؟ وأي أسلوب تربوي يتم انتهاجه لتدبير العنف واليأس والإحباط، هذه الظواهر، المتولدة عن انسداد آفاق الدراسة وبطالة حاملي الشواهد والاندماج في الحياة العملية، والتي أضحت تنتشر على نطاق واسع لتكتسح المؤسسات التعليمية الحضرية منها والقروية، بدرجات متفاوتة حسب الأوساط والمناطق؟ وكيف يمكن التصدي لظاهرة الهدر المدرسي الناجمة عن الفشل الدراسي والفصل والانقطاع عن الدراسة وضعف الاحتفاظ بالتلاميذ ومغادرة الأسلاك الدراسية لأسباب متباينة، منها المدرسية والاجتماعية والقدرات الشخصية للتلاميذ غير القادرين على الاندماج لغياب طرائق بيداغوجية خاصة بأوضاعهم الخاصة؟.
III. منظومة التوجيه التربوي:
حيث يجمع المتتبعون والمهتمون بمنظومة التربية والتكوين على أن التوجيه التربوي يعد قاطرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فإن الاهتمام بهذا المجال أضحى أمرا محتوما، وذلك بتوفير شروط الارتقاء بهذا المجال وإرساء جميع آليات التدبير الناجعة. وذلك من حيث مهام التوجيه المدرسي والمهني والجامعي، ونظام التقييم التربوي، وأدوات البحث والقياس والتقييم وغير ذلك، نعرض إليه في ما يلي، مرفوقا ببعض الملاحظات والتساؤلات:
فبخصوص التوجيه المدرسي، عندما تعرض على التلميذ، وفي أغلب الأحوال شعبتان يختار من بينهما، يجد نفسه مقيدا لا حرا، مكرها لمتابعة نوع من الدراسة غير راض عليها، رافضا لها أصلا. فأين هي حرية الاختيار، والتوجيه الحر، والملاءمة، والإدماج، والمشروع الشخصي؟
إن تعدد التخصصات بكل سلك أو مستوى دراسي، يمنح التلميذ مجالا أوسع للاختيار، وحظوظا أوفر لمتابعته الدراسة الأكثر ملاءمة لقدراته الفكرية والجسمية وميولاته وتوجهاته الشخصية. كما تعطي معنى ملموسا لتدخلات المستشار في التوجيه التربوي من خلال مختلف المقاربات والتقنيات والتطبيقات التي يراها أكثر أهمية ونجاعة.
بالإضافة إلى ما تقدم، وبالنظر إلى مختلف المهام الموكولة إلى المستشار في التوجيه التربوي، يتبين أنها تتصدرها مهمة أساسية ومحورية، وهي: ” معرفة التلميذ ومساعدته على معرفة نفسه”. فما هي أدوات القياس والتقييم المعرفي والنفسي المعدة لهذا الغرض؟ وما هي درجة مصداقية النتائج المدرسية الناتجة عن مكونات عملية التقييم التربوي من مراقبة مستمرة وامتحانات موحدة؟ وما هي درجة موثوقية المعلومات التي يصرح بها التلميذ من خلال استمارات شخصية ومقابلات فردية؟ إن توفير، من ناحية، أدوات البحث والتقصي التربوية والثقافية والنفسية، تمنح المستشار في التوجيه التربوي مكانة خاصة ضمن مجال تخصصه، وحرية أوسع لمناولة أي إشكالية أو معالجة أي وضعية أو حالة تعرض عليه، للتعرف عليها والبحث عن أنجع السبل لتجاوزها، وذلك باعتماده الطريقة الهادفة والأنسب. ومن ناحية أخرى، إن ترسيخ ثقافة الصدق، ضمن منظومة القيم، من خلال الممارسات التربوية مدرسيا وأسريا ومجتمعيا، ومن خلال مضامين المقررات الدراسية، تؤدي إلى حصول المستشار في التوجيه التربوي على معلومات صادقة، موثوق بها، تمكنه من معرفة التلاميذ ومساعدتهم على معرفة ذواتهم باعتماد الطرائق والتقنيات التربوية الملائمة. أما مهمة الإعلام المدرسي والمهني والجامعي، فتتسم بالظرفية والموسمية كرها، تماشيا مع مختلف الأنشطة التربوية والقرارات الإدارية التي تحكم تدخلات المستشار في التوجيه التربوي، من قبيل تنظيم الاختبارات والامتحانات الموحدة، وترقب التغييرات الطارئة والمذكرات المنظمة لمختلف العمليات. إن أغلب المذكرات المنظمة، ترد على المؤسسات التعليمية ابتداء من أواخر شهر مارس، وغالبا ما تحمل بعض التغييرات، التي تطال التخصصات المدرسية والمهنية والجامعية، كما تطال شروط الترشيح ومسطرة الامتحانات والقبول والمنح وغيرها.
وبخصوص الإعلام الجامعي، فإن أنشطة المستشار في التوجيه التربوي لا تزال تتسم بالموسمية، وتخضع لانتظار المذكرات المنظمة، الشيء الذي يقصي العمل وفق منهجية تتسم بالاستمرارية. إن اعتماد أي مقاربة رهين باستقرار الوضعية التربوية وسلاسة العمليات الإدارية وموثوقية المعلومات والتأكد من مصادرها وملامسة مقاصدها وأهدافها. حيث إن مختلف الأنشطة في هذا المجال تصطدم بشح الدعائم الإعلامية وعدم توفر مصادر إعلامية رسمية مواكبة على شبكة الأنترنيت. أما تعريف التلميذ بمحيطه الاقتصادي والمهني، فتعترضه جملة من المشاكل والصعوبات، من قبيل تنظيم الزيارات الميدانية. حيث يتردد السؤال، لفائدة من من التلاميذ؟ والحالة هذه أن أعداد التلاميذ غالبا ما تكون مرتفعة، وأن مسئولية المرافقة تطرح بحدة، كما أن وسائل النقل ومصاريفه تعد إحدى العقبات. يضاف إلى ذلك مدى قبول المؤسسات المراد زيارتها، ومضامين بنود الشراكة المبرمة مع المؤسسات التعليمية، ومحدودية تنظيم التظاهرات الإعلامية والأبواب المفتوحة.
IV. الأطراف المتدخلة والمهام المنوطة بها:
تحدد النصوص المنظمة الفاعلين والمتدخلين في مجال التوجيه التربوي. وفي ما يلي سنقوم بجرد لهذه الأطراف، والمهام والعمليات الموكولة إليها، مع تقديم بعض الملاحظات والتساؤلات قصد إبراز مختلف الوضعيات ذات الصلة بالتلميذ داخل المؤسسة التعليمية وخارجها.
1. المستشار في التوجيه التربوي:
بتنسيق، إلى حد ما، مع المتدخلين في مجال التوجيه التربوي: الأطر التربوية والإدارية، كل حسب المهام المنوطة به، وآباء وأولياء التلاميذ، يشرف المستشار في التوجيه التربوي على عمليات تأطير التلاميذ وإعدادهم، في حدود المتاح، من أجل قيامهم باختيار نوع الدراسة أو التكوين المناسب لقدراتهم الفكرية والجسمية وميولاتهم الشخصية. في خضم كثرة المهام وتعدد المتدخلين وارتفاع عدد التلاميذ بقطاعات الاستشارة والتوجيه، وقلة التجهيزات وعدم توفر وسائل البحث والتقصي، أي التقنيات والطرائق الأنجع يمكن انتهاجها حتى يستجيب المستشار في التوجيه لانتظارات جميع الفرقاء والأطراف؟
2. أطر التوجيه التربوي بمراكز الإعلام والمساعدة على التوجيه الجهوية والإقليمية:
لمزيد من المعلومات وتوسيع قاعدة التشاور يمكن للتلاميذ وأولياء أمورهم زيارة المراكز الجهوية/الإقلمية للإعلام والمساعدة على التوجيه، وطرح إشكالاتهم لتلقي أجوبة حول تساؤلاتهم لضمان استقرارهم النفسي وتجاوز حالات التردد والحيرة التي يمكن أن تستحوذ عليهم خلال مسار الاختيارات والحسم. لكن هل المراكز الجهوية/الإقليمية توجد في متناول جميع التلاميذ؟ ألا يمكن تقريب هذه الخدمات وتعميمها بجميع المؤسسات التعليمية مع توفير التجهيزات والموارد البشرية الضرورية؟
3. أساتذة المواد الدراسية:
يعتبر المدرس الفاعل التربوي الأقرب من التلميذ، حيث يعتبر أباه الروحي. كما يفترض فيه أن يكون الأكثر معرفة بقضايا التلاميذ ورغباتهم وتوجهاتهم ومميزاتهم الشخصية والنفسية، ومدى تمكنهم من مختلف الكفايات المعرفية والمهاراتية، وقدرتهم على الاستيعاب والتحليل والاستمرارية ومواصلة العمل. من هذه المنطلقات، يمكن أن يلعب المدرسون أدوارا حاسمة في مساعدة التلاميذ على التعبير عن رغباتهم واختياراتهم وبلورة مشاريعهم الشخصية. إنما الواقع غير هذا. فكل أستاذ مرتبط بطبيعة مادة تخصصه: يلقي الدرس، ويقيم أعمال التلاميذ، ويرجع النقط إلى إدارة المؤسسة، ويحضر الاجتماعات لنقل القرارات. فالمدرس، تحت ظل عدة ضغوطات: اكتظاظ القسم، كثرة الدروس وكثافة المقرر وغياب الوسائل الديداكتيكية، لا يستطيع معرفة التلاميد وبالتالي يصعب عليه الانخراط في مساعدة التلاميذ على بلورة مشاريعهم الشخصية والقيام باختيارات دراسية ومهنية ملائمة.
3. الأطر الإدارية:
من المعلوم أن الأطر الإدارية، الحراس العامين على الخصوص، يتوفرون على الملفات الكاملة للتلاميذ، يعملون بها ويشتغلون عليها يوميا: تتبع الغياب، السلوك، المردودية المدرسية ومدى التمكن من مختلف الكفايات. لكن الحارس العام الذي يشتغل على عدة ملفات، وعدة واجهات، في علاقة بعدد لا يستهان به من التلاميذ، دون معيد أو مساعد، يصعب عليه الإلمام بجميع العناصر التي تسم التلميذ وتعرف بشخصه، وعليه فمساهمته تبقى محدودة في مجال مساعدة التلميذ على التوجيه واختيار نوع الدراسة أو التكوين المناسب.
4. أمهات وآباء وأولياء التلاميذ:
يفترض في أمهات وآباء وأولياء التلاميذ تعلقهم بمصير أبنائهم وحياتهم الدراسية الراهنة والمستقبلية. من هذه المسلمة، يجب أن يولوا اهتماما بالغا لتتبع أبنائهم دراسة وسلوكا وتوجيها. لكن أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، ومن كثرة انشغالاتهم بأعباء الحياة، أو بعدهم عن المدرسة، أو لعدم وعيهم لا يقومون بزيارات للمؤسسة التعليمية، ولا يتصلون بالمدرسين والأطر الإدارية للاستفسار حول الوضعية التربوية والمدرسية لأبنائهم إلا نادرا. كما لا يزورون المستشار في التوجيه التربوي للتشاور حول مدى توجهات أبنائهم وميولاتهم وقدراتهم من أجل مساعدتهم على اختيار المسلك الدراسي الأكثر ملاءمة لمميزاتهم وخصائصهم الشخصية.
5. الأساتذة الجامعيون:
وبخصوص تدبير ملف التوجيه الجامعي، من المفروض أن يساهم الأساتذة الجامعيون في توجيه الطلبة لولوج مسالك دراسية جامعية ملائمة عن طريق مقابلات فردية من أجل ملامسة مدى ملاءمة ميولات الطلبة للمسالك الجامعية، ومدى قدرتهم على مسايرة دراستهم الجامعية بنجاح إلى غاية حصولهم على شواهد جامعية تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية. لكن، بالنظر إلى حجم عدد التلاميذ الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية، ومحدودية مجال الاختيار، فإن مجهودات الأساتذة تبدو ليست ذات جدوى من شدة وطأة الإحباط واليأس المستشري في صفوف الطلبة.
6. المستشار في التوجيه الجامعي:
يمكن للتلاميذ المقبلين على الدراسة الجامعية زيارة المستشار في التوجيه الجامعي وطلب مقابلة فردية معه لتدقيق معرفتهم بالمسالك الجامعية والآفاق المستقبلية، ومعرفة المناخ العام بالمؤسسة الجامعية، ومتطلبات الدراسة والحياة الطلابية، من دروس وتمارين وتطبيقات وأشغال مخبرية، وكذا المنح والمأوى والمأكل والتنقل ومختلف القضايا الطلابية، حتى تتشكل لدى الطلبة نظرة عميقة وشاملة حول المؤسسة الجامعية، دراسة وحياة ومستقبلا. إلا أن هذه الخدمات التربوية تصطدم بجملة من المشاكل والمعيقات، من قبيل محدودية التخصصات الجامعية، وانسداد الآفاق الدراسية والمهنية، وشعور الطلبة باليأس والإحباط، والصعوبات التي تواجه الحياة الطلابية….فمتى ترفع هذه الحواجر لتصبح تدخلات المستشار في التوجيه التربوي بالمؤسسات الجامعية هادفة إزاء والطلبة وأولياء أمورهم؟
7. أطراف أخرى قد تتدخل:
في حال ملاحظة معاناة صحية أو نفسية أو اجتماعية منفردة أو مجتمعة لدى بعض التلاميذ، يمكن إحالتهم على طبيب الصحة المدرسية أو ممرض المؤسسة التعليمية، أو على أخصائي نفسي، أو على متخصص اجتماعي، لفحص ودراسة حالاتهم النفسية والاجتماعية، ومعرفة الصعوبات التي يمر بها هؤلاء التلاميذ ومحاولة معالجة وضعيتهم بتنسيق مع أولياء أمورهم. إلا أن هذه الأطراف لا تزال تدخلاتها محتشمة إن لم نقل منعدمة. فمتى ستلعب فعلا الأدوار المسندة إليها ضمن الفاعلين التربويين؟
V. مقاربات التوجيه التربوي وموقع المستشار في التوجيه التربوي ضمن منظومة التربية والتكوين:
يتبين من خلال ما تقدم، أن المستشار في التوجيه التربوي تربطه علاقات عمل مع عدة أطراف ومتدخلين ومشاركين في مختلف العمليات التربوية والإدارية. لكن، تظل عدة أسئلة قائمة، ومنذ ما لا يقل عن ثمانية وعشرين سنة، كيف تنسج هذه العلاقات؟ وعلى حساب من؟ وما موقع المستشار في التوجيه التربوي ضمن منظومة التربية والتكوين؟ وأي قانون يضبط تعامله مع كل من مدير المؤسسة، والناظر، والحارس العام، والأستاذ، والتلميذ وولي أمره، وغيرهم؟
وأي قانون يضبط تحركات المستشار في التوجيه وتنقلاته خلال فترات العمل بين مجموعة من المؤسسات: أكاديمية التربية والتكوين، نيابة الوزارة، مؤسسات التكوين المهني، حضور اجتماعات وأيام دراسية وندوات وغيرها، دون استدعاء ولا تكليف رسمي؟ وأي تشريع يحدد بشكل جلي مساهمات هذه الأطراف ونوع تدخلاتهم وكيفية التنسيق بينهم والمستشار في التوجيه التربوي؟
إن نسج العلاقات أمر محمود وضروري، لكن تسطيرها قانونيا وتشريعيا يعتبر أكثر ضرورة، من أجل تحديد حقوق كل طرف وواجباته بشكل جلي. من المعلوم أن جميع الوثائق الإدارية والتربوية والتقنية بالمؤسسة التعليمية تقع تحت تصرف المسئول عليها، فكيف يتمكن المستشار في التوجيه التربوي من الاطلاع على هذه الوثائق الورقية والإلكترونية واستعمالها واستثمار المعلومات المتضمنة بها؟ وذلك من قبيل، على سبيل المثال لا الحصر، محتويات برنام مسار، لوائح التلاميذ، الملف المدرسي ودفتر التتبع الفردي للتلميذ، وأوراق التنقيط، والتقارير حول سير العمليات الإدارية والتربوية وغير ذلك. يضاف إلى ذلك، طرق وأساليب إنجاز عدة عمليات التي تصطدم بعراقيل ومعيقات تقف حجر عثرة أمام تحقيق الأهداف المنتظرة منها، من قبيل: ارتفاع عدد التلاميذ بالقطاعات المدرسية للتوجيه، عدد تحقيق هدف تعيين مستشار واحد في التوجيه التربوي بكل مؤسسة ثانوية ، عدم إحداث الوكالة الوطنية للتقييم والتوجيه، عدم إحداث البوابة الوطنية للأعلام والتوجيه، انخفاض المستوى الدراسي للتلاميذ والتركيز على الكم وإهمال الكيف، التغييرات المفاجئة والمتواترة في هيكلة منظومة التربية والتكوين، عدم توفير التجهيزات اللازمة من وسائل إعلاميائية وأوراق وطبع واستنساخ، وضعف التعاون من أجل إخبار التلاميذ، وتعبئة الوثائق المستعملة والتنسيق وتوفير القاعة الشاغرة، وغير ذلك كثير.
وعليه في ظل وضعية المستشار في التوجيه المتعددة الأبعاد، وفي ظل الإصلاحات التعليمية المتواترة، وفي ظل عدم إرساء منظومة للتوجيه التربوي متكاملة فلسفة وتطبيقا، يبقى التساؤل التالي أمرا مشروعا: أي مقاربة في مجال التوجيه التربوي يمكن اعتمادها؟، حيث القيام بأي نشاط، يصطدم بمجموعة من العراقيل القانونية والمادية والبشرية، ويتطلب استقلالية المستشار في التوجيه التربوي من حيث الجوانب الإدارية والتقنية والوسائل والأدوات والتجهيزات اللازمة.
خاتمة:
من المعلوم أن مجال التوجيه التربوي يزخر بمقاربات متنوعة، إلا أنها، وخصوصا، في البلدان النامية، وارتباطا بأنظمتها التربوية التكوينية التي تشهد أزمات وإصلاحات متواترة ومتوالية، في حاجة ماسة لإرادة قوية من طرف جميع الفاعلين التربويين والاجتماعيين والاقتصاديين، وانخراط شامل لجميع فئات المجتمع حتى تصبح منظومة التوجيه التربوي فعلا قاطرة التنمية والتقدم والازدهار.
المراجع:
1) الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، الرباط، المغرب؛
2) عالم التربية، العدد 12، 2002، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛
3) مذكرات تنظيمية لمجال التوجيه التربوي، فبراير 2010، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، الرباط، المغرب؛
4) دليل الحياة المدرسية، دجنبر 2008، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، الرباط، المغرب؛
5) ذ. مصطفى محسن، مدرسة المستقبل، رهان الإصلاح التربوي في عالم متغير، منشورات الزمن، 2009، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب؛
6) د. العربي وافي،أي تعليم لمغرب الغد؟ الطبعة الأولى، 2005، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
7) د. رشيدة برادة، المدرسة المغربية كما يراها المراهقون والشباب،الطبعة الأولى 2009، منشورات مجلة علوم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
8) د. أحمد أوزي، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الطبعة الأولى، 2006، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
(*)مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.
Aucun commentaire