تحية إجلال وإكبار للمرأة المغربية في كل دار..
في الثامن مارس من كل عام، يتعبأ المغاربة إلى جانب أحرار العالم ومختلف وسائل الإعلام، للاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، تقديرا لشجاعتها في مكافحة القهر والاستعباد، وعرفانا بما قدمته من دروس وعبر، وتضحيات جسام في سبيل النهوض بأوضاعها والانتصار لقضاياها العادلة. فضلا عما تقوم به من أدوار طلائعية في مناحي الحياة العامة، رغبة منها في أن تتبوأ المكانة اللائقة بها داخل المجتمع. فهي ذلك الكائن البشري القادر على الجمع بين مسؤولياتها في البيت وخارجه باقتدار.
وبهذه المناسبة الخالدة، نستحضر بفخر أهم إنجازاتها التشريعية، وما أحرزته من مراتب متقدمة في مجالات شتى، بفضل كفاحها المستميت ونكران الذات على مدى سنوات. فقد ناضلت بقوة لانتزاع حقوقها وضمان كرامتها، وفرضت نفسها بين الكبار إلى أن سطع نجمها في سماء التميز والشهرة، وأبانت على مقدرتها في منافسة شقيقها الرجل، تارة تقف إلى جانبه وأخرى تتجاوزه. فالمناسبة محطة أساسية لالتقاط النساء أنفاسهن وتجديد طاقاتهن الفكرية، وتعميق النقاش نحو توحيد الجهود ومواصلة السير بثبات مهما كان الطريق محفوفا بالمخاطر، قصد استكمال بناء مغرب الديمقراطية والحداثة.
وحين تطالب المرأة بتحقيق المساواة والمناصفة، فليس ذلك ترفا فكريا، وإنما تعمل على تصحيح الاختلالات وتغيير الواقع بما يتوافق مع روح العصر. فضلا عن وقوفها بمعية شرفاء الوطن ضد انتهاك حقوق الإنسان، للنهوض بأوضاع المجتمع المزرية وتحرير الإنسان من قيود التخلف والفقر والأمية. ولولا صمودها وإصرارها على رفع التحديات، ما كانت لتتمكن من جعل العاشر أكتوبر من كل سنة يوما وطنيا للتذكير بدورها وحقوقها، وأن تحقق على مدى أزيد من ربع قرن مجموعة من المكتسبات، تمثلت في مراجعة قوانين عدة منها قانونا الشغل والجنسية وبعض مواد القانون الجنائي ومدونة الأسرة، واعتماد اللائحة الوطنية في الانتخابات التشريعية لشهر نونبر 2002، ثم الدوائر الإضافية في الانتخابات الجماعية 2009، وتوسيع قاعدة لائحة النساء من 30 إلى 60 مقعدا، في الاستحقاقات الانتخابية السابقة لأوانها في نونبر 2011…
فالمغرب عكس دول الجوار وغيرها، عرف إصلاحات قانونية هامة لتعزيز دور المرأة في الحياة الأسرية والعامة، وهو أول بلد عربي سمح للأم المتزوجة من أجنبي بإعطاء جنسيتها لأبنائها، ومنع تزويج المغتصبة من مغتصبها. وتعد مقتضيات دستور2011 الذي ساهمت المرأة في مراجعته ضمن لجنته الاستشارية، من أهم المكتسبات في ترسيخ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، الهادفة إلى تكريس المساواة والمناصفة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين الجنسين، وإنصاف الفئات المهمشة من أطفال وذوي الاحتياجات الخاصة ونساء. وقد جاء الفصل التاسع عشر، استجابة لمطالب المرأة في تحقيق مبدأ المساواة وإحداث هيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، ما يؤكدا على أنها أصبحت تتمتع بعدة حقوق سياسية على الورق، دون الاستفادة منها.
فما معنى استثناء وزير العدل والحريات السيد: مصطفى الرميد، من مخططه التشريعي، قانون مناهضة العنف ضد النساء، المعد سلفا منذ الحكومة السابقة، واعتبار السيد: عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، المرأة مجرد « ثرية » يلزمها المكوث في البيت لخدمة الزوج ورعاية الأطفال، ومباركته تزويج القاصرات دون سن 18 سنة، بدل ابتكار آليات حمائية عبر تشريع موائم لعمق الدستور، وألا تجشم وزيرة التضامن والأسرة والمرأة والتنمية الاجتماعية السيدة: بسيمة الحقاوي، نفسها عناء التجاوب مع المطالبين بإلغاء المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة التي تسمح بتزويج القاصرات، دون بلوغهن سن الزواج القانوني انسجاما مع المواثيق الدولية؟. فلا غرابة من تصدي الحزب الحاكم لمساعي تقدم المرأة، وقد كان من أشد المناوئين لمدونة الأسرة إبان ظهورها.
إن الحركة النسائية والحقوقية، التي دافعت بعناد شديد عن حقوق المرأة، مدعوة إلى مواجهة الرجعية، والتصدي لحكومة تتميز بالنكوص وضرب القدرة الشرائية للمواطنين والتضييق على الحريات، ولم تستطع بعد مرور ثلاث سنوات من عمرها، بلورة سياسة عمومية للنهوض بالأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للمرأة. وإلا ما سر تلكؤها عن تفعيل مقتضيات الدستور، وسعيها إلى محاولة إفراغ المكتسبات من عمقها القانوني؟ ثم ما جدوى تشريع يظل حبيس الرفوف، واستمرار وجود عقليات ذكورية متسلطة، حتى في أوساط الطبقة التي تعتبر نفسها متنورة، ولا تبرع عدا في رفع الشعارات البراقة لأغراض انتهازية؟
يبدو أن المعركة مازالت طويلة، لكنها لن تحد من عزائم المخلصات، التواقات إلى الحرية والانعتاق من سلاسل العبودية، في مواصلة كفاحهن. فقد نالت المرأة المغربية إعجاب باقي نساء الدول العربية والغربية، باتخاذها تدابير جريئة في أحلك الظروف، واستطاعت اقتحام وظائف كانت حكرا على الرجال، كشرطية، وطيارة، وسائقة قطار وشاحنات كبرى… وقد برزت وجوه نسائية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين، وفي مختلف المناصب السامية بالعمالات والوزارات… ولاغرو أن نجد أربع نساء مغربيات، ضمن لائحة أقوى 100 امرأة في العالم العربي، وفق ترتيب مجلة: Arabian Business، والتي جاءت فيها حرم وزير الفلاحة سلوى الإدريسي أخنوش، المديرة العامة لمجموعة « أكسال » المتخصصة في الملابس والأزياء العالمية، في الرتبة: 8، بينما احتلت مها لازيري الفاعلة الجمعوية العشرينية، المدافعة عن حقوق الأطفال المهمشين في الولوج للتعليم، المرتبة: 27، والكاتبة والأستاذة في علم الاجتماع والمدافعة على حقوق الإنسان فاطمة المرنيسي في المرتبة: 81، وتلتها اسمهان الوافي المديرة العامة للمركز الدولي للفلاحة في المرتبة: 91. واعتبرت المغربيات أكثر النساء تأثيرا بين نظيراتهن في شمال إفريقيا، حيث ضم التصنيف تونسيتين وجزائرية واحدة هي الكاتبة المرموقة: أحلام مستغانمي.
وعلى الرغم من كل ما تحقق، مازالت المرأة المغربية في الأحياء الهامشية والقرى النائية، تلد في المسالك الوعرة وأمام أبواب المستشفيات، وتعاني من أسوأ ظروف العيش ومظاهر الفقر والهشاشة والأمية والعنف والاغتصاب، ومختلف أشكال التمييز والتهميش الاجتماعي… فالكثير من الأسر تضحي تحت الفاقة بتعليم بناتها، وتدفعهن للزواج أو للتسول وخدمة البيوت في المدن بأضعف أجر ممكن… ناهيك عما يتعرضن له من استغلال بشع في المعامل والضيعات الفلاحية، ولجوء بعض المطلقات والأرامل مكرهات إلى الدعارة لإعالة أطفالهن. ولا أعتقد أن ما جادت به حكومة السيد بنكيران، من إعانة حددت في ما بين 350 و1050 درهما شهريا وبشروط مجحفة، لفائدة الأرامل كافية لمواجهة الغلاء الفاحش. أما كان حريا بها ابتكار حلول أكثر نجاعة، عملا بالمثل الصيني: « لا تعطيني سمكة، بل علمني كيف أصطادها »؟
وإذ أشد بحرارة على أيدي كل المناضلات الفاضلات اللواتي نذرن حياتهن للدفاع عن قضايا المرأة، متمنيا لهن المزيد من الصمود والنجاح، فإني آمل أن نتصالح مع ذواتنا بإحداث ثورة ثقافية حقيقية ضد تقاليدنا البالية، ورفع الحيف والقهر عن المرأة في ربوع الوطن…
اسماعيل الحلوتي
1 Comment
بسم الله الرحمن الرحيم
يتميز الشعب المغربي بحبه للإنفتاح و الحرية و هو من الشعوب العريقة في نضالهمن اجل المسواة و تكريس مبادئ العدل في العالم