الحوثي والإرهاب والصراع الدولي
الحوثي والإرهاب والصراع الدولي
بقلم د. محمد بالدوان
وجدوا منفذا لإدراج حماس ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، ولما كان حزب الله مصدر خطر استصدروا قرارا يضمه إلى قائمة المنظمات الإرهابية، ونجحوا بجر الإخوان المسلمين إلى مربع المنظمات الإرهابية، وصنفوا الدكتور القرضاوي الثمانيني إرهابيا مطلوبا عند الانتربول، بينما لم يمنحوا لنا حتى فرصة التساؤل عن علاقة جماعة الحوثي بالإرهاب !
لماذا لم يصنفوا جماعة الحوثي منظمة إرهابية؟ ! هل كان طبيعيا تحولها في ظرف وجيز من معارضة تحتج في الشارع اليمني إلى سلطة تبسط نفوذها على صنعاء؟ !
أرجو المعذرة إن تَركتْ مقاربتي عندكم انطباعا بأني أتحدث خارج الموضوع، وأستبق ملاحظاتكم لأقول بأن ما أعرضه محاولة للدخول في الموضوع، فهذا الحقل شائك وغامض وملغوم !
أستهل بقرار المحكمة المصرية يوم 28 فبراير 2015 القاضي بوضع حركة المقاومة الفلسطينية « حماس » ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. يصاب المرء بالذهول حين يصغي لهذا الحكم، إذ لا يكاد يميز من يصدر قرارا بهذا الحجم أ قضاء مصري أم قضاء إسرائيلي؟ ! ألهذا الحد صارت المصالح الوطنية المصرية مطابقة لمصالح إسرائيل؟ !
إننا أمام عالم يشهد تغيرات جذرية، وأجد في ما تداولت النخب الإسرائيلية مؤخرا عن التغيير الاستراتيجي للحلفاء، والتفكير الجدي في تحالفات محلية بعيدا عن الولايات المتحدة[1]، تعبيرا عن شروع حثيث في الانجاز.
أعود توا إلى جماعة الحوثي؛ وأزعم بأنها كانت محظوظة بانتمائها منطقيا إلى تحالف يملك مفاتيح إصدار « صكوك الإرهاب » في العالم. بل كانت جد محظوظة حين سُخِّرت لها الإمكانات والتحالفات(التحالف مع فلول النظام السابق) لبسط سيطرتها على العاصمة اليمنية في ظرف قياسي.
من زاوية أخرى، أبانت سرعة احتواء الأزمة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل(أواخر يناير 2015) مدى وئام الطرفين خلال هذه الفترة ضمن تحالف دولي طبيعي جند كل طاقاته تمكينا للاستبداد ولولي الله المعصوم وشعب الله المختار !
إن راعي هذا التحالف أكثر الناس علما بأن جماعة الحوثي ذات المرجعية الشيعية أبعد التنظيمات إيمانا بالديمقراطية، وأقربهم استعدادا لتصفية المخالفين تقربا إلى الله. فلم لا تُدرج ضمن قائمة المنظمات الإرهابية؟ !
أقترح الانطلاق من مسألة السلاح النووي الإيراني لمعالجة إشكالية الصراع على مناطق النفوذ في المنطقة بين الأطراف. فإيران تعلم أن الولايات المتحدة توظف الملف النووي الإيراني للضغط على إسرائيل لذلك ستعمل على استغلال أمريكا إلى أبعد حد، ويبدو أن التصريح الأخير لواشنطن بشأن إخبار إسرائيل بتطورات الملف النووي الإيراني وتسريب إسرائيل لأخبار المباحثات، وغياب » أوباما » و50 نائب ديمقراطي عن خطاب نتانياهو بالكونغرس الأمريكي(03/03/2015)، ووصف أوباما للخطاب بالمسرحية، سيدخل الملف النووي الإيراني تطورات جديدة، قد يحيل الملف إلى تفاوض إيراني – إسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر.
وعلامات هذا التوجه بدأت تتضح بعد استيلاء جماعة الحوثي على صنعاء (دجنبر 2014) وتعنتها في النزول إلى أي توافق إلى اليوم، حتى يتسنى لها مواصلة التمكين لمشروع إيران في بسط النفوذ، وخدمة مصالح إسرائيل بإدامة التوتر في المنطقة. ويبدو أنه في الوقت الذي بدأت توظف فيه الولايات المتحدة جماعة الحوثي للضغط على السعودية بشأن الملف المصري، تدخلت كل القوى المناوئة للإستراتيجية الأمريكية لتمنح الحوثي قوة ضاربة فاجأت الجميع.
قطعت إسرائيل الشك باليقين بشأن مسؤوليتها الجسيمة عن أزمات المنطقة العربية حين أحجمت عن المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش.
لا حل لإسرائيل حفاظا على أمنها الاستراتيجي على المدى البعيد إلا إدامة الصراع والزج بالجميع في أتون حرب لا ينطفئ، وبإمكانها دعم كل من يضمن إطالة أمد الصراع ويقضي على خصومها أو يضعفهم، لذلك استوعبت تركيا غايات تركيز تنظيم الدولة على « كوباني »، فأحجمت عن دخول الحرب ضد داعش حتى لا تغامر بالاستقرار الذي تنعم به، كما استوعبت الولايات المتحدة مآلات الدعوة الإسرائيلية إلى ضرورة خوض حرب برية[2] للقضاء على داعش، فجعلت الحرب البرية خطا أحمرا، والتزمت استراتيجية المواجهة لثلاث سنوات.
كما لا حل عند الحلف العالمي الذي ضاق ذرعا بالغطرسة الإسرائيلية، بخاصة بعد التصالح الخفي بين حزب الله وإسرائيل، إلا دعم انتفاضة جديدة في الضفة، أو التخطيط لحرب استنزاف جديدة طويلة الأمد تتصدرها غزة لاستكمال تحقيق هدف رفع الحصار و إعادة الإعمار، وإقامة الدولة الفلسطينية، ولتسريع إنجاز ما ظلت تخشاه إسرائيل من استقرار المنطقة العربية وسيادة الديمقراطية في كافة أرجائها.
ولا أستبعد أن يكون إصدار قرار محكمة القاهرة بشأن حماس بإيعاز من إسرائيل بعد أن تنبأت الأخيرة بحرب محتملة، كأنها تستبق تبرير جرائمها المعتادة ضد المدنيين بمحاربة الإرهاب، كما يمكن إدراج المناورات العسكرية الأكبر من نوعها التي نفذها الجيش الإسرائيلي اليوم(02 مارس 2015) جنوب الضفة الغربية، وتحضير منظمة التحرير الفلسطينية ملف جرائم حرب غزة لإيداعه لدى محكمة الجنايات الدولية في الأسبوع القادم، ضمن التحضيرات السياسية والعسكرية لانفجار وشيك في الأراضي الفلسطينية.
أؤكد، دون ملل، على مركزية القضية الفلسطينية في حسم الصراع بالمنطقة العربية، لكن لن يهزم الفلسطينيون الصهيونية ويحققوا ما عجزت عنه كل القوى، ويمنحوا السلم للعالم دفعة واحدة، إذ لا مناص من نزول أطراف الصراع داخل الأمة العربية الإسلامية إلى حل سياسي يضمن التوافق والاستقرار لمدة غير قصيرة، وقد يكون في ما احتضنته الرياض أمس واليوم(02 مارس)، من لقاءات متوالية للملك الجديد مع السيسي، ثم مع أردوغان، حل متوافق عليه في المدى القريب.
[1]– تفكر النخب الإسرائيلية اليوم في تحالف بديل للولايات المتحدة، وتتطلع إلى تحالف مع مصر والسعودية والأردن والإمارات والكويت والبحرين، راجع مقالة « إسرائيل لن تنضم إلى حلف أمريكا لمواجهة داعش »،صحيفة إسرائيل اليوم، ترجمتها جريدة المساء ع.2481، بتاريخ 18 شتنبر 2014.
[2] – تحدثت الصحيفة الإسرائيلية اليمينية « يديعوت أحرنوت » عما أسمته نقائص الهجوم الأمريكي على داعش، وتوقعت أن « تنجح داعش بالبقاء في غياب تدخل بري أمريكي ». راجع جريدة المساء، ع.2491، بتاريخ 30-09-2014.
Aucun commentaire