التلميذ ومحمد صلى الله عليه وسلم أية علاقة ؟ دراسة موجزة من خلال حدث الهجرة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
فمما لاشك فيه أن سنة الله اقتضت ببعث محمد إلى البشرية جمعاء ، لا يفرق في دعوته بين عربي أو عجمي أو بين صغير وكبير ، فغايته البشر كلهم بدون استثناء ولا يفرق في دعوته بين صاحب مال أو جاه أو نفوذ ، وإنما الناس عنده سواسية في الدعوة والتبشير والإنذار .
وقد شاءت حكمة الله سبحانه أن يبدأ محمد دعوته من العرب بحكم المنشأ والمعرفة بالقوم ، وإلا فدعوة محمد قد وصلت إلى أقاصي المعمورة داعية الناس إلى ترك الأوثان وعبادة الله رب الأرباب .
وإذا كان الأمر كذلك فإن الله جعل من سيرة هذا الرسول الكريم وحياته مجمعا لكل الأقوال وملاذا لكل الأفكار وسنة لكل من أراد الاقتداء به في الأعمال والأفعال ، فسيرته وسنته مراد بها كل الناس ، لا تقتصر على غني دون فقير أو على رجل دون امرأة أو على كبير دون صغير أو على متعلم دون جاهل أو على أستاذ دون تلميذ ، الكل مطالب بمعرفة سيرته وتوطيد العلاقة معه .
وبلا شك فالتلميذ جزء من هذا النسق العريض والعالم الكبير وله موقعه فيه ، بل من أجله تدار الأعمال وتنفق في المشاريع الأموال ، فهو الجيل الصاعد والمستقبل القريب ، به تحفظ الدولة كيانها والأمة وجودها ، فهو كما يقال محور الرحى والركن القويم والحجر الأساس وبغيابه تكون الدولة بلا كيان والأمة بلا وجود ، لذلك كان التركيز على الشباب من أولى الأولويات في الإسلام ، لا من ناحية التربية والتكوين ولا من ناحية التوجيه والإرشاد ، فالشباب مستهدف من كل الميادين والمجالات ، فالتعليم للشباب قبل الشيوخ ، والرياضة والسياسة والطب والعمل والزواج لهم قبل غيرهم ، من أجل تكوين الذات وإبراز المواهب ونصرة الدولة وقيام الإسلام ، لذلك كان جمهور العلماء يحرصون على أن تكون أحلام الشباب وأهدافهم في نسق تطلع الدولة ، يقول الشاعر :
أحلامُ الشبابِ لهـا تَطُـولُ كَتِلْكَ في البلادِ لها قَبُولُ
فبالشبابِ تكونُ وَتَحْى البلادُ وبـدونه تَـدلَى فتزولُ
فإذا كان مدار الحياة كلها على الشباب ، ومستقبل الدولة معتمد عليهم وحماية الدين مناط بهم ، فإنه من المهم أن نعرف قيمة ذلك عندهم .
والتلميذ شاب من الشباب خالط الدراسة وجال وسط الكتب والمقررات وتنفس نسيم الأشعار والمؤلفات وصال وجال بين الفيزياء والرياضيات ، فما علاقة التلميذ بالدين بشكل عام ؟ وما علاقته بمحمد بشكل خاص ؟
إن منظور الدين عند التلميذ أمر يحتاج إلى مزيد دراسة وكثير إيضاح خصوصا أننا نتكلم عن ملة ، نتكلم عن قيم ، عن مبادئ ، عن رسالة يجب أن يوصلها التلميذ إلى غيره ، نتكلم عن دور التلميذ في الدعوة ، إن كل من له علاقة بالإسلام فهو داع له شاء أم كره ، فإما يدعو إلى الإسلام بحسن تصرفه أو يدعو إليه بسوء تصرفه .
إن هذا كله يجعلنا نطرح سؤالا ذا أهمية كبيرة ، وهو :
ما قيمة الدين عند التلميذ ؟
وللإجابة على هذا السؤال يستدعي بنا الحال التطرق إلى أمرين أساسين فيه وهما : التلميذ والدين .
فالتلميذ : تربويا : هو ذاك الطفل والشاب المتمدرس من الأولى ابتدائي إلى الثانية ثانوي .
ولغويا : هو من يدرس أو يتعلم ، ويستعمل عادة للدلالة على من يتبع معلما ، والتلاميذ هم الذين لهم معلم يتعلمون منه .
ودلاليا : مصطلح « التلاميذ » مشتق من اللغة اليونانية في العهد الجديد من الكتاب المقدس ، وتستعمل كتعريف للأشخاص الذين يطلبون التعلم من المسيحية أو هم طلاب المسيح .
فالتلميذ من الناحية الدلالية مصطلح ملغوم يحمل دلالات دينية مشبوهة ، وقد نص ابن فارس في مقاييس اللغة وأبو منصور الجواليقي في المعرب على أن كلمة « تلميذ » ليست عربية لذلك أهملتها كثير من المعجمات .
وعلى كل فغايتنا من هذه التعاريف كلها هو التعريف التربوي أي ، التلميذ : هو ذاك الطفل والشاب المتمدرس من الأولى ابتدائي إلى الثانية ثانوي وتستوي فيه البنت بالولد بزيادة التاء المربوطة لها طبعا .
والدين : بتعريفه الشائع والذائع بين العلماء هو الإسلام بصفة عامة أو هو الطريقة التي يدين بها العبد لربه عز وجل .
وإذا كان هذا التعريف يتناول صفة العبد فهو تعريف عام يشمل الرجل والمرأة ، الطفل والشاب ، الصغير والكبير ، وتجاوزا وبصفة استثنائية خاصة : الدين هو الطريقة التي يدين بها التلميذ لربه عز وجل ، مما يدفعنا إلى أن نسأل سؤالا مهما :
هل فعلا التلميذ يعبد ربه ؟
إذا كان التلميذ في عصرنا الحاضر لا يعرف من الصلاة إلا اسمها ولا يعرف من الوضوء إلا الماء ولا يعرف من المساجد إلا أمكانها ولا يعرف من بر الوالدين إلا اسمهما ، فأين هو الدين عند التلميذ ؟
إذا كان التلميذ في وقتنا الحاضر غائب عن المساجد ، وحاضر في المقاهي ، غائب عن الدروس وحاضر مع المخدرات ، فأين هو الدين عند التلميذ ؟
إذا كان غالبية التلاميذ لا يصلون ، وجلهم على غير وضوء ، ولا يعرفون صبحا ولا ظهر ولا عصرا ولا مغربا ولا عشاءا ، فأين هو الدين عند التلميذ ؟
إذا كان التلميذ في حاضرنا اليوم يقلل أدبه مع والديه وربما يعتدي عليهما ، ولا يحترم أساتذته ومدرسيه ، فأين هو الدين من التلميذ ؟
إذا كان التلميذ يعرف لاعب الكرة مثلا « رولاندو » أكثر مما يعرف محمدا فأين هو الدين عند التلميذ ؟
إذا كان التلميذ يعرف الأمور التفصيلية للاعبي الكرة ، والتلميذة تعرف يوميات المغنيات والممثلات ولا تكاد تعرف عن محمد إلا اسمه ، تجهل أسماء أولاده ونسائه وغزواته وأصحابه وتعرف أسماء الممثلاث والمغنيات وأفلامهم وكليباتهم ، فأين هو الدين عند التلميذة ؟
إذا كان التلاميذ لا يعرفون عن رسولهم أدنى شيء فما تتوقع من التلاميذ أن يفعلوه لدينهم ونصرة نبيهم ؟
غير أن هذا لا يمنعنا أن نقول : أن هناك ثلة من التلاميذ من خالفت هذا الوضع وانقلبت عليه فتجد بعضا من التلاميذ لهم دراية برسولهم ويحبونه ويحترمونه ويوقرونه ويؤدون صلاتهم ويعمرون المساجد ويبرون بآبائهم ويحافظون على دروسهم ويحترمون مدرسيهم وأساتذتهم ، لكن للأسف هذه الفئة قليلة ونادرة الوجود في المدارس والثانويات .
لذلك نجد حدث الهجرة النبوية حدثا مهما من خلاله نعرّف التلاميذ برسولهم وبسيرته ، فمن خلال الهجرة يعرف التلاميذ أن رسولهم محمد قد تحمل الصعاب والشدائد من أجل أن يوصل لهم هذا الدين ، إذا كان محمد قد تحمل في سبيل إيصال هذا الدين إلينا الصعاب وقاسى من أجلها المحن فهو قد ضُرب وشج وجهه وجرحت ساقه حتى لم يتوقف الدم وكسرت أسنانه وكُبَّتْ على رأسه القذارة وطرد وهمش وعودي واتُّهِمَ ، إذا تحمل كل هذا من أجل أن يوصل إليك أنت أيها التلميذ هذا الدين وفي الأخير تقابله أنت بعدم معرفته ، لا تعطيه ولو دقيقة واحدة لتقرأ عنه ، أليس هذا سوء أدب معه .
إذا كان التلاميذ في دولة إسرائيل لهم مادة يدرسونها صباحا كل يوم اسمها « التوراة :دستورنا » فأين نحن من القرآن الكريم ؟
إذا كان التلاميذ في دولة إسبانيا لهم مادة يدرسونها اسمها « الخلاص » يدرسون فيها حياة عيسى عليه السلام ، فأين نحن من حياة رسولنا ؟ لماذا يجهل التلاميذ تاريخ رسولهم وسيرته ؟ سؤال يؤرق العلماء .
لذلك ونحن نخلد ذكرى حدث الهجرة النبوية فإننا ننبه التلاميذ إلى ضرورة توطيد علاقتهم برسولهم
وتشبتهم بدينهم ، فالهجرة النبوية رسالة محمد
إلينا وجميل صَنَعَهُ لنا ولابد لنا من رد هذا الجميل ، لذلك لن يمر علينا هذا الأسبوع إلا ونكون قد درسنا فيه حدث الهجرة النبوية وعرفنا الغاية منها .
هذا وخير ما نختم به الكلام أفضل الصلاة وأزكى السلام على ملاذ الورى وشفيع الأنام سيدنا محمد
.
ونشكر ثانوية السلام إدارةً وأساتذةً وتلاميذا على توفيرهم لنا هذه الفرصة ولهم جزيل الثواب عليه .
والشكر موصول للحضور الكريم الذي لب الدعوة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
Aucun commentaire