أسماء الله الحسنى ودلالتها
من
الإيمان بالله تعالى أيضا الإيمان بأسمائه
الحسنى التي دل عليها الكتاب العزيز، وأرشدت
إليها السنة النبوية الصحيحة.
فيجب
أن يعلم أن أسماءه تعالى قديمة مثل صفاته،
فالله تعالى : » لم يزل مسمى بأسماء قبل
وجود الخلق، وعند وجود الخلق، وبعد فنائهم. (1)
وقد
وصف الله تعالى أسماءه العظيمة بالحسنى
في أربع آيات من القرآن العظيم:
أولا:
قوله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى
فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ
مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأعراف : 180]
ثانيا:
قوله تعالى: » قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ
ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ
فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الإسراء: 110]
ثالثا:
قوله تعالى : » اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى [طه: 8]
رابعا:
قوله تعالى : » هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ
الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء
الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
[الحشر: 24]
وفي
وصف الأسماء بالحسنى، دليل على أنها تحمل
معاني حسنة، لأن أكمل الصفات وأجلها وأعلاها
على الإطلاق هي صفات الله تعالى. والمراد
بالأسماء هاهنا الأوصاف الحسنة، كالوصف
بالوحدانية والجلال والعزة والإحسان وانتفاء
شبه الخلق.
وفي
الحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله
r قال: » إن لله تسعة وتسعون اسما مائة
إلا واحدا، من أحصاها دخل
الجنة« . (2)
والمراد
بإحصائها: الإحصاء باللسان مقرونا بالإحصاء
بالعقل، فإذا وصف العبد ربه بأنه الملك
استحضر في عقله أقسام ملك الله تعالى مقدما
في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه
عن كل ما لا ينبغي… (3)
وقيل إن المراد بإحصائها: الفهم لها والعلم
بها، وقيل الإيمان بها والتعظيم لها، وقيل
التحلي بها والرعي لها والعمل بها…(4)
وهذه
المعاني كلها حسنة مطلوب الوقوف عندها،
ولا تعارض بينها، فإن من صرف همه لتحصيل
معانيها لا يملك إلا أن يعظمها، على أن
العمل بها والرعي لها وتمثلها هو الغاية
العظمى من إحصائها.
دلالة
الأسماء الحسنى:
إن
الناظر في أسماء الله الحسنى، المتأمل
في معانيها العميقة يجد أنها تحمل في ثناياها
حقائق التوحيد الخالص، ويمكن إرجاع ذلك
إلى المعاني الآتية:
أولا:
التدليل على إثبات وجود الخالق سبحانه
كالأول والآخر » هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ. [الحديد: 3]
ثانيا: التدليل على وحدانية الخالق
سبحانه كالواحد » قُلْ إِنَّمَا أَنَا
مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ
الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [ص: 65]
ثالثا:
التدليل على إبداع واختراع الخالق سبحانه
كاسم الله جل جلاله: » قُلِ اللّهُ خَالِقُ
كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
. [الرعد: 16]
رابعا:
التدليل على نفي التشبيه عن الله تعالى
كاسم الأحد والصمد « قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْوَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً
أَحَدٌ [الإخلاص: 2]
خامسا:
التدليل على إثبات التدبير له سبحانه كاسم
المدبر والقيوم: » يُدَبِّرُ الأَمْرَ
مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ
ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [يونس: 3] » اللّهُ لاَ
إِلَـهَ
إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة
: 255]
» اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ [آل عمران: 2] (5)
ومن
أجل الفوائد التي يحققها الإيمان بالأسماء
الحسنى أنها تجعل المحصل لها، العامل بها
-وهو معنى لفظ إحصائها الوراد في الحديث
الشريف عند بعض العلماء- يتمثل قيما عليا
تجعله في صورة الإنسان المؤمن الموحد ذي
السلوك القويم.
الأسماء
الحسنى ومسألة الأخلاق:
وقد
عد علماؤنا الأسماء الحسنى مرجعا أساسيا
للقيم المثلى، والأخلاق الكريمة، من خلال
تأكيدهم على ضرورة تمثل معاني تلك الأسماء
وتحصيلها وجعلها تؤثر في السلوك بشكل إيجابي.
وهو ما يعبر عنه بقولهم: إن نصيب العبد أو
حظه من هذا الإسم كذا وكذا… والدعوة إلى
التخلق بالمعاني العقدية التي تحملها في
نطاق الشرع وفي نطاق ما يليق بالإنسان بوصفه
كائنا يحاول أن يرتقي إلى درجات علا.
فمثلا
حظ المؤمن من اسم الرحمن أن يكون كثير الرحمة،
وحظه من اسم الغفار أن يستر عيوب غيره بقدر
ما يستره الله تعالى، وحظه من اسم اللطيف
أن يكون رفيقا بالناس، لطيفا بهم في دعوتهم
إلى الله تعالى …(6)
ومن
الفوائد التي ينبغي للمسلم أن يحرص على
تحقيقها في هذا المجال كذلك هو أن يقدم
الأسماء الحسنى أثناء الدعاء مصداقا لقوله
تعالى » وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى
فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ
يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ
مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأعراف : 180]
وقد
توسع بعض العلماء في تعاملهم مع الأسماء
الحسنى من خلال بيان فوائد هذه الأسماء
وخواصها وسبل التقرب بها. كما فعل الإمام
العارف سيدي أحمد زروق المتوفى 899 هـ في
كتابه: شرح الأسماء الحسنى. (7)
المراجع:
(6) العقيدة
الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي ص: 25 .
(2) شرح
جوهرة التوحيد للباجوري ص : 142.
(3) صحيح
البخاري (6410)،(7392 / صحيح مسلم (2677) / الاعتقاد
والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي ص: 44.
(4)
شرح الأسماء الحسنى لفخر الدين الرازي
ص: 25.
(5)
الأسنى في شرح أسماء الله الحسنن، للقرطبي،
ص:3
(6)
أنظر كتاب الأسماء والصفات للبيهقي 1/48
وما بعدها
(7)
انظر على سبيل المثال شرح أسماء الله الحسنى
للإمام الرازي فقد حاول صاحب هذا الكتاب
أن يذكر بإزاء كل اسم النصيب الذي ينبغي
للمسلم تحصيله. وكذلك فعل الإمام الغزالي
في كتابه » المقصد الأسنى في شرح أسماء
الله الحسنى » وغيرهما…
(7) شرح
أسماء الله الحسنى للإمام سيدي أحمد زروق،
تحقيق السيد يوسف أحمد، طبعة دار الكتب
العلمية، بيروت، 2007.
Aucun commentaire