Home»Islam»التعرف على الله من خلال صفاته

التعرف على الله من خلال صفاته

0
Shares
PinterestGoogle+

     لقد شغلت مشكلة وحدة الذات والصفات باعتبارها مكونا أساسيا لمنطق الاعتقاد معظم المدارس الكلامية على اختلاف توجهاتها.

     وفي هذا الصدد يقرر الإمام الشوكاني وهو يقدم لهذه المشكلة:  » أن الكلام في الآيات والأحاديث الواردة في الصفات قد طالت ذيوله، وتشعبت أطرافه وتناسبت فيه المذاهب، وتفاوتت فيه الطرائق، وتخالفت فيه النحل ».

     وسبب هذا: عدم وقوف المنتسبين إلى العلم حيث أوقفهم الله، ودخولهم في أبواب لم يأذن الله لهم بدخولها، ومحاولتهم علم شيء استأثر الله بعلمه، حتى تفرقوا فرقا، وتشعبوا شعبا، وصاروا أحزابا، وكانوا في البداية ومحاولة الوصول إلى ما يتصورونه من العامة مختلفي المقاصد متبايني المطالب…  » (1)

     ومازالت هذه المشكلة تستأثر باهتمام الباحثين المعاصرين وعلى أساسها تصنف الفرق الإسلامية ومدى اقترابها من منهج السلف الصالح في معالجة جزئياتها.

     وقد ارتبطت مشكلة وحدة الذات والصفات تاريخيا بشبهات التشبيه والتجسيم التي أثارها بعض غلاة التشيع، وكرد فعل على هذا الإجراء بالغ بعض المعتزلة في نفي الصفات حتى انتهى بهم الأمر إلى التعطيل. في حين وقف أهل السنة والجماعة ومنهم الأشاعرة والماتريدية موقف المثبت للصفات واجتهدا في وضع هذه المشكلة في صورة شرعية تجعل التنزيه هدفا رئيسيا لها.

     وقد حاول الخطاب الأشعري في هذا الموضع الشائك صياغة مشكلة الذات والصفات في نسق عقدي متكامل يجعل التنزيه هدفا أساسيا له.

     من المسلم به في مجال الاشتغال العقدي كذلك أن معرفة الخالق عز وجل تعتبر ضرورة شرعية لقوله سبحانه :  » فاعلم أنه لا إله إلا الله  » سورة محمد الآيـة 19.

     فهذا الخطاب وإن كان موجها للنبي صلى الله عليه وسلم فإن كل واحد من أفراد الأمة داخل معه فيه.(2)

      وقد دلت السنة على مثل ما دل عليه الكتاب العزيز، فقد ورد في الحديث الصحيح : » أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل  » (3).

      وقد أرسل الله جميع الرسل ونزل جميع الكتب بالتوحيد الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى : » وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون  » سورة الأنبياء الآية 25 وقال تعالى:  » واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمـن آلهة يعبدون  » سورة الزخرف الآية 44. وقال أيضا »: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة « سورة النحل الآية 36 ، وقال تعالى : » يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا أني بما تعملون عليم وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون  » سورة المؤمنون الآية 53 .

      وقد جاء الإسلام يقرر أن الدين الحق واحد، هو وحي الله إلى جميع، أنبيائه وهو عبارة عن الأصول التي لا تتبدل بالنسخ ولا يختلف فيها الرسل وهي هدى أبدا (4) .
وقدارتقى الإسلام بعقيدةالتوحيدإلى مستوى الكمال المطلق،بحيث لا يسمح    

في التصور الإسلامي بعارض من عوارض الشرك أو المشابهة، ولا يجعل لله مثيلا في الحس ولا في الضمير بل له  » المثل الأعلى » سورة الروم الآية 27  » وليس كمثله شيء » سورة الشورى الآية 11.

      فالله وحده  » لا شريك له  » سورة الأنعام الآية 163.  » ولم يكن له شريك في الملك » سورة  الفرقان الآية1.  » فتعالى الله عما يشركون  » سورة الأعراف الآية 190.  » وسبحانه عما يشركون » النحل الآية 1.

      والمسلمون هم الذين يقولون : » ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ». سورة يوسف الآية 38  » ولن نشرك بربنا أحدا « سورة الجن الآية 2.  (5)

      إن التوحيد بالصورة التي يقررها الإسلام عظيم الفائدة للجنس البشري، لأنه يجمع البشر حول إله واحد، وفي ذلك توحيد اتجاههم وعرس نظام الأخوة بينهم. وأما تفرق الآلهة فمعناه تفرق البشر، وذهاب كل فريق إلى التعصب لما وجه إليه قلبه، وفي ذلك خسارة للبشرية وفساد للنظام.(6)

      وهذا المعنى هو الذي تشير إليه الآية الكريمة على لسان يوسف عليه السلام » آرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار » سورة يوسف الآية 39.

      ومن فوائد التوحيد بهذا المعنى تحقيق العبادة لله وحده مباشرة دون وساطة، وفي ذلك تحرير للفكر البشري من الخضوع لغير الله من إنسان أو حيوان أو جماد أو قوى طبيعية … وفي تخليص الإنسان من هذه العبادة وضع له في مكانه الطبيعي سيدا لما سخر له لا عبدا أمام حيوان أو نبات ينقص في تكوينه عن مستوى الإنسان  » (7)

          التعرف على الله تعالى من خلال صفاته:

      من الحقائق المسلم بها في مجال العقيدة أن الله تعالى متصف بكل صفات الكمال، ومنزه عن جميع صفات النقص، ومن مقتضيات الإيمان بالله تعالى على هذا النحو هو: » أن نعلم أنه موجود لا يشبه الكائنات، أزلي أبدي حي عالم مريد قادر متفرد في وجوب وجوده، وفي كمال صفاته، وفي صنع خلقه، وأنه متكلم سميع بصير وما يتبع ذلك من الصفات التي جاء الشرع بإطلاق أسمائها عليه… (8)

      والذي ينبغي للمسلم، اعتقاده في هذا الباب أيضا :  » أن ذات الله تعالى توصف ولا تدرك، فالله سبحانه وتعالى خالق الكون، وطبيعة الخالق مخالفة لطبيعة المخلوق، كما يختلف النجار عن الباب الذي يصنعه، وعلى هذا يرشدنا القرآن إلى معرفة الله بآثاره الدالة على صفاته وكمال جلاله وجمالة، وتنزهه عن المماثلة لخلقه، أو الاتحاد أو الحلول في شيء مما خلق، وأوصد أمام الإنسان باب التطلع إلى معرفة حقيقته وذاته، وصرفه عن محاولة التفكير في هذا الباب … والعجز عن إدراك حقيقة الذات الأقدس عقيدة من عقائد الإيمان بالله، وهو نفسه برهان على سمو الألوهية الحقة عن الدخول في دائرة التفكير العقلي المحدود بطبيعته، والذي لا يجد مجالا لتخطي ما وراء الكون.(9)

      وقد جاء القرآن الكريم مقررا هذا المعنى ، قال تعالى : » ليس كمثله شيء وهو السميع البصير » سورة الشورى الآية 11.

      وقال جل شأنه : » لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » سورة الأنعام الآية 102. وقال أيضا : » ولا يحيطون به علما « . سورة طه الآية 110.

      صفات الخالق سبحانه كمال أعلى:

      في دراستنا لقضايا العقيدة وبالضبط مبحث الصفات فإننا لا نطمح إلى معرفة حقيقة ذاته سبحانه وكنهها على نحو ما هي عليه، ذلك أن طبيعة إدراكاتنا وقصور عقولنا لا تسمح لنا بولوج عوالم الغيب والإحاطة بها، بل كل ما في الأمر أننا نتعرف على الذات العلية للخالق عز وجل من خلال صفاته وإبداعه وخلقه. إن العقل – كما يقول ابن خلدون-   » ميزان صحيح، فأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمح أن تزن به أمور التوحيد والآخرة  وحقيقة النبوة وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال، ومثال ذلك مثل رجل رأى الميزان الذي يوزن له الذهب فطمع أن يزن به الجبال، وهذا لا يُدرك على أن الميزان في أحكامه غير صادق، لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله وبصفاته فإنه ذرة من ذرات الوجود الحاصل منه.  » (10)

المراجع:

1 التحف في مذاهب السلف، للشوكاني، ص: 39.

2  المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ابن عطية 5/116.

3 الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي ص 28.

4 تمهيد  تدرج الفلسفة الإسلامية مصطفى عبد الرزاق ص 269.

5 الله جل جلاله عباس محمود العقاد ص 258.

6 رسالة التوحيد محمد عبده ص 138.

7 مقارنة الأديان « الإسلام » أحمد سلي ج3 ص 103.

8  رسالة التوحيد محمد عبده ص : 111.

9 مقارنة الأديان الإسلام أحمد شلبي ص 105.

10   – مقدمة ابن خلدون ، ص 460.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. ACTEUR ASSOCIATIF
    21/06/2010 at 01:01

    C’est tres important d’oborder ce genre de sujet par des specialistes en matiere religieuse scintifique et qui demande plus de reflexion, du savoir et de maturité

  2. عكاشة ابو حفصة
    21/06/2010 at 01:01

    بسم الله و الحمد لله.في البداية اشكركم على هدا الموضوع القيم, وما احوج الموقع لمثل هاته المواضيع الرزينة القادمة و المسطرةمن دوي الاختصاص, فلا تبخل علينايا دكتور بمثل هده المواضيع ونحن في شهر الله, ننتظر الطلعة الرمضانيةو نسال الله ان يبلغنا رمضان اعواما عديدة. فادا كان الاستاد الدكتور يقبل بالنقد السلبي والايجابي في نفس الان فاني انصح بعدم الدخول مباشرة في الموضوع كما فعل اليوم بل كان عليه ان يضع مقدمة ولو موجزة لمقاله هدا بدكر الله والثناء عليه وعلى صفاته ما دام الموضوع مرتبط بالتعرف على الله من خلال صفاته جل وعلا.هدا وقد علمني استادي بان العجز عن الادراك ادراك والبحث في دات الله اشراك وهي جملة قالها لنا الاستاد في القسم واصبحت راسخة في دهني مند ما يزيد على ثلاثين سنة.كما قال احد العارفين بالله(عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي)كما ان الدين الحنيف يحثنا على ان لا نتعمق في بعض الاشياء الخاصة بالدات الالهيةو صفاتها المقدسة. كأن لا نسال عن اشياء ان تبدى لنا تسأنا.هدا ومن مخلوقات الله ما لا يدركها العقل بالاحرى الصفات التي استاثرها الخالق في علم الغيب عنده ومن مثلها الجنة التي فيها ما لا عين رات ولا ادن سمعت ولا خطر على قلبي بشر. وهي مخلوق كما نعلم واختم بقوله تعالى(ليس كمثله شئ وهو السميع العليم) والسلام عليكم

  3. عبد القادر بطار
    23/06/2010 at 00:32

    شكرا جزيلا للإخوة الفضلاء رواد موقع وجدة سيتي على اهتمامهم واقتراحاتهم القيمة. سوف نتحفهم بين الحين والآخر بمقالات علمية في مجال الاشتغال العقدي الإسلامي
    والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
    عبد القادر بطار

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *