Home»Islam»إذا كان التطرف مستقبحا فلا يمكن أن يكون كذلك في عقيدة دون أخرى

إذا كان التطرف مستقبحا فلا يمكن أن يكون كذلك في عقيدة دون أخرى

0
Shares
PinterestGoogle+

لفظة تطرف من الألفاظ المستقبحة التي ينأى الناس بأنفسهم عنها إذ يعتبرونها سبة وشتيمة . والتطرف مشتق من الطرف بتحريك الراء وهو منتهى كل شيء. ومن الغريب أن لفظة طرف قد تدل على المستملح إذ يسمى الرجل الكريم طرفا وتسمى العين طرفا بتسكين الراء وهي أعز ما يملك الإنسان حتى أنه يسمى ما عز عليه عينا أو طرفا . والسر في انتقال اللفظة من المستملح إلى المستقبح هو أن الطرف بتحريك الراء في الأمور يكون أحيانا بعيدا عن الاعتدال فيها لهذا ينفر الناس منه رغبة في الاعتدال . ومن معاني التطرف الإغارة إذ تقول العرب تطرف عليهم إذا أغار. وفي الذكر الحكيم وردت هذه المادة اللغوية للدلالة على المستملح والمستقبح . ومما جاء في سياق المستملح قوله تعالى : (( وعندهم قاصرات الطرف أتراب )) فقصور الطرف في الحور العين من مقاييس الجمال والبهاء ، وتحاول بنات حواء في الحياة الدنيا الفانية طلب هذا المقياس العزيز من أجل جمال زائل تذبله السنون ، ومن بنات حواء من يقصر طرفها طبيعة وجبلة ، ومنهن من تصطنع قصور الطرف بكل أنواع الزينة وما هن بقاصرات الطرف وإنما هن متكلفات القصور، و ليس التطبع كالطبع ولله في خلقه شؤون ، وما عرف سبحانه لخلقه قصور طرف الحور إلا لعلمهم به في بعض حسناوات بنات حواء . وأما ما جاء في سياق المستقبح فقوله تعالى في وصف الكافرين يوم الدين : (( ينظرون من طرف خفي )) وهي نظرة المستحيي أو الخائف الذي يغض معظم عينه ، وينظر بباقيها .

ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (( ليقطع طرفا من الذين كفروا )) والمراد بالطرف ههنا الطائفة ، وهي الطائفة الكافرة غير المعتدلة في عقيدتها.
والغريب في لفظة تطرف أنها تحتكر من طرف البعض لتستعمل سبة وشتيمة ضد من يخالفهم الاعتقاد . والمستعمل للفظة تطرف ضد غيره ممن يخالفه الرأي أو الاعتقاد يحاول الاستئثار بالاعتدال ، وفي ذلك تزكية للنفس على حساب الغير. فالقائل لغيره أنت متطرف يعني قوله أنه هو المقياس الذي يجب أن يقاس عليه إذ يكون غيره في الطرف ، ويكون هو في الموقع اللائق أي في الوسط والاعتدال . وهذه لعمري مغالطة كبيرة ذلك أن التطرف صفة نصف بها عقيدة غيرنا ممن يخالفنا الاعتقاد . وهكذا يحاول البعض إلصاق نعت التطرف بصنف المتدينين من الناس بحيث يعتبر البعض أن التدين كالسياسة فيه وسط وطرف ، ولهذا يسمى ملتزم الطرف في الدين متطرفا ، ونقيضه المعتدل أو المتزن .

ولا يعبأ كثير من الناس بصفة التطرف في غير التدين ، فالعلمانية أيضا لا تخلو من تطرف إذ من العلمانيين من يميل إلى طرف العلمانية فيكون متطرفا فيها. ومن الناس من يغوص من أخمص قدمه إلى قنة رأسه في الرذائل بمقياس مجتمعه وثقافته ولا يعتبر ذلك تطرفا في السلوك بل التطرف عنده هو ما يلاحظه عند المتدين من سلوك يستسمج انغماسه في الرذائل . فالغارق في أوحال الرذائل في بلد عقيدته الإسلام معطل للتدين أصلا لا يقوم بشعيرة دينية فلا يصلي ولا يصوم ولا يخرج زكاة ، ولا يحج ، وقد لا ينطق بالشهادتين ، ويأتي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا يرى في ذلك حرجا ولا يسميه تطرفا في حين يعتبر التدين مبالغة في الدين ،ويرى في نوافل المتدين تجاوزا لحدود التدين المقبول في نظره مع أنه ليس متدينا بل هو مجرد إباحي مستهتر بالقيم والأخلاق ، ويستسمج إرسال المتدين لحيته ، وإسبال المتدينة لباسها ، وينكر عليهم غض الطرف ، وحفظ الفرج مقابل إطلاق العنان لطرفه ، وابتذال فرجه . فالحديث عن التطرف في مثل هذه الحال حديث عابث لا يستقيم .

فإذا جاز للمتدينين أن يحكموا على بعضهم البعض بالتطرف باعتبار حد معلوم من التدين بينهم ، فلا يجوز لغير المتدين ذلك لأنه خارج اللعبة أو التغطية من أمر التدين بحيث أنه عندما يصف من يخالفه استهتاره بالقيم متطرفا فهو يقصد أن استهتاره هو الأصل الذي يقاس عليه. وحتى المتدين لا يمكن أن يصف المستهتر بالقيم متطرفا بل لابد أن يسميه التسمية الصحيحة والمناسبة وهي المستهتر أو الفاجر تماما كما سمى الله تعالى الكفار كفارا و المشركين مشركين والمنافقين منافقين . والتطرف إنما يكون داخل الانتماء الواحد ولا يجوز أن يكون بين الانتماءات المختلفة لأن ذلك ينفي الاختلاف ، ونفي الاختلاف مغامرة غير محمودة العواقب إذ على من يجيز منع الاختلاف ويدعو إلى استئصال من يخالفونه أن يعول على استئصال غيره له . إن الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ومعه إسرائيل ينعتون خصومهم بالمتطرفين ، ولكنهم لا يقبلون هذا النعت لأنهم يعتبرون أنفسهم المقياس الذي يجب أن يقاس عليه غيرهم ليكون الوضع العالمي سويا وسليما ومعتدلا في نظرهم ، ولا يخطر ببالهم أن ما يسمونه تطرفا هو عبارة عن ردود أفعال على أفعالهم. فإذا كانت ردود الأفعال عبارة عن تطرف في نظرهم فالأفعال التي أثارت هذه الردود المتطرفة لن تكون إلا متطرفة وإلا لم يعد للمنطق وللعقل وجود .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *