Home»Islam»مناظرات في العقيدة

مناظرات في العقيدة

2
Shares
PinterestGoogle+

مناظرات في العقيدة
الدكتور عبد القادر بطار
أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية- وجدة –

يرجع لفظ « المناظرة » إلى فعل « نظر » الذي يفيد في وضعه اللغوي الإبصار والتأمل والتدبر والتفكر، كما يعني المباحثة والمباراة في المحاجة. والمناظر: المجادل والمحاج. أما المناظرة في وضعها الاصطلاحي فترجع إلى « المحاورة في الكلام بين شخصين مختلفين يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله، وإبطال قول الآخر، مع رغبة كل منهما في ظهور الحق.
أما الغرض من المناظرة فهو الوصول إلى الصواب في الموضوع الذي اختلفت أنظار المناقشين له والمتناظرين حوله ».
وقد أصبحت المناظرة فنا قائما بذاته بحثه علماؤنا تحت اسم « أدب البحث والمناظرة » وأفردوا له متونا خاصة، مثل أدب البحث لعضد الدين الإيجي، ومنظومة زين المرصفي في البحث، ومنظومة طاش كبرى زاده في طرق البحث والمناظرة … وقد عمد هؤلاء العلماء إلى توظيف قواعد علم المنطق وأساليب الحجاج القرآني، وكان شعارهم: إن كنت ناقلا فالصحةُ، وإن كنت مدعيا فدليلُ.
وهناك نماذج لمناظرات احتفظ لنا بها التاريخ تظهر بجلاء عبقرية العقل المسلم وقدرته الفائقة على إقناع الخصم بصحة ما يعتقده المسلمون ويؤمنون به.
ومن المؤلفات التي أفرد لهذا لفن المناظرة:

•كتاب: « عيون المناظرات » لأبي علي عمر السكوني (تـ 717 هـ) فقد جمع فيه مؤلفه مائة وستين مناظرة جعلها بمثابة رياضة المتعلمين في علم الوحيد الذي هو أشرف العلوم، وقد عمل على تحقيق هذا الكتاب القيم، سعد غراب، وصدر ضمن منشورات الجامعة التونسية سنة 1976.

•كتاب « الْحَيْدَة » للإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني (تـ 240 هـ) تحقيق د. جميل صليبيا، فهذا العالم ندب نفسه للتصدي لأخطر قضية عقدية عرفها المسلمون وافتتنوا بسببها ألا وهي قضية خلق القرآن أو محنة خلق القرآن التي كان يروج لها المعتزلة، بل ويجتهدون في فرضها على الناس وإرغامهم على القول بها على الرغم من فسداها ومخالفتها لعقيدة أهل السنة والجماعة.

•ومن المناظرات الشهير في التاريخ الإسلامي أيضا مناظرة ابن عباس رضي الله عنه مع الخوارج. وقد كان لهذه المناظرة تأثير واضح في نفوس كثير منهم لقوة الحجة التي كان يستند إليها ابن عباس والقدرة على تأويل النصوص واستحضار الشواهد القرآنية. وكان من بركة هذه المناظرة أن رجع ألفان منهم إلى الصواب.

ونسوق نموذجين لتلك المناظرات التي ظهرت كأداة لتقوية عقيدة أهل السنة والجماعة والحجاج عنها، وإبراز مفاخر أئمة هذه العقيدة، وما يمتازون به من قوة الحجة واستحضار الدليل وسرعة البديهة.
المناظرة الأولى: حول الأسماء الحسنى:
لقد دارت هذه المناظرة بين الإمام المجدد أبي الحسن الأشعري وأبي علي الجبائي أحد أئمة الفكر الاعتزالي، وهي تظهر بجلاء مدى ارتباط المذهب الأشعري بالكتاب والسنة.
قال الشيخ أبو الحسن الأشعري – رضي الله عنه- أتى رجل إلى الجبائي وأنا عنده، فقال له:
لمَ منعتَ أن يتسمى الله الباري تعالى عاقلا؟
فقال الجبائي: لأن العاقل في اللغة مأخوذ من العقال، وهو المانع، فلما استحال المنع على الله تعالى لم نسمه عاقلا.
قال أبو الحسن الأشعري: فقلت له:
إن كانت العلة هذه، فلا يُسمى الباري تعالى حَكَما، لأن الحكمة في أصل اللغة مشتقة من حكمة اللجام، وهي الحديدة التي في فم الدابة، تمنعها من السير، ومنه سُمي الحاكم حاكما لمنعه من الظلم…
فقال الجبائي:
فلم منعتَ أن تسمي الباري تعالى عاقلا ؟
فقلت له الإمام الأشعري:
من أجل أن التوقيف لم يرد به، وإنما أُخذت أسماؤه تعالى توقيفا، فلو ورد لم نمنعه…
وحسب رواية ابن السبكي: قال الإمام الأشعري للجبائي: لأن طريقي في أخذ أسماء الله الإذن الشرعي، دون القياس اللغوي، فأطلقت « حكيما » لأن الشرع أطلقه، ومنعت « عاقلا » لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته.
فسكت الجبائي ولم يرد جوابا.
نستنتج من هذه المناظرة التي أوردها صاحب عيون المناظرات مدى ارتباط المذهب الأشعري بالكتاب والسنة.

وأن أئمة العقيدة الأشعرية إنما يأخذون عقائدهم من الشرع الحكيم، ولا شيء غير الشرع الحكيم. لقد رأينا موقف الإمام أبا الحسن الأشعري رضي الله عنه في رفضه إطلاق اسم « عاقل » على الله تعالى، لأن الشرع الحكيم لم يأذن بإطلاق هذا الاسم على الخالق عز وجل. وفي المقابل يقبل بإطلاق اسم « حكيم » عليه سبحانه وتعالى، لأن الشرع الحكيم أطلق عليه ذلك.
وعلى هذا الأساس يعتقد السادة الأشاعرة أن أسماءه تعالى توقيقية، أي يتوقف جواز إطلاق الأسماء عليه تعالى على ورودها في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة. وإلى هذا يشير صاحب جوهرة التوحيد:
واختير أن اسماه توقيفية ** كذا الصفات فاحفظ السمعية
المناظرة الثانية: حول إمكان رؤية الله تعالى في الآخرة:
جرت هذه المناظرة أيضا بين الإمام الأشعري وأبي علي الجبائي في مسألة الرؤية، أي إمكان رؤية الله تعالى في الآخرة. وقد كانت هذه المناظرة سببا في ظهور الإمام الأشعري وظهور مذهب أهل السنة في زمانه …
ذكر بعض العلماء أن الشيخ أبا الحسن الأشعري ناظر الجبائي في مسألة الرؤية، فقال الإمام الأشعري للجبائي: ما دليلك على امتناع الرؤية؟
فقال الجبائي قوله تعالى: » لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ » [الأنعام : 103].

قال الإمام الأشعري: الاحتمال باطل في هذه الآية من خمسة أوجه، وإذا وقع الاحتمال سقط الاستدلال، فلا دليل لك.
الاحتمال الأول: أن يكون تعالى أراد عدم الإدراك بالمكان والجهة، كما قال أصحاب موسى: » فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء : 61] [الشعراء : 61]، ولذلك قيل: الرب تعالى يعلم ولا يُحاط به، ويُرى ولا يُدرك.
الاحتمال الثاني: أن يكون تعالى أراد أبصار الكافرين.
الاحتمال الثالث: أن يكون تعالى أراد  » لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ » إذ هي صفات، وإنما يُدركه المبصرون بالأبصار.
الاحتمال الرابع: أن يكون تعالى تمدح بالاقتدار على ذلك، فإن عدم الرؤية لا مدح فيه، إذ العدم لا يرى ولا يُستحق بذلك مدحا، فكأنه تعالى يقول: هو القادر على خلق الموانع في الأبصار، والقادر على شيء قادر على ضده، فهو تعالى قادر على خلق رؤية في الأبصار، كما هو خالق الموانع.
الاحتمال الخامس: أن يكون معنى الآية: « لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ » في الدنيا، ولكن في الآخرة لقوله تعالى: » وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22/23].
فسقط استدلال الجبائي من يده، وظهر انقطاعه، واقض الجمع.[1]

نستنبج من هذه المناظرة التي جاءت لتقرر أمرا عقديا مجمعا عليه عند أهل السنة والجماعة قاطبة، ألا وهو إمكان رؤية الله تعالى في الآخرة.
وقد اعتمد الإمام الأشعري على قاعدة أصولية جليلة لإبطال دعوى خصمه، وهي قولهم:  » ما احتمل واحتمل سقط به الاستدلال » فإن الآية التي استند إليه الجبائي لإبطال رؤية الله تعالى ، تحتمل عدة أوجه، وليس وجها واحدا.
وقد كان موضوع الرؤية من الموضوعات الشائكة في زمان الإمام الأشعري لذلك رأيناه يخصص له بابا كاملا من كتابه  » الإبانة عن أصول الديانة » لمناقشة منكري الرؤية بأدلة عقلية ونقلية في غاية الدقة.

ومن خلال هذه لمناقشة العلمية يقرر رضي الله عنه مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب.
كما خصص الباب الرابع من كتابه » اللمع في الرد على الزيغ والبدع » للكلام على الرؤية، ويقول في هذا الباب: فإن قالوا: فما معنى قوله تعالى: » لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ » [الأنعام : 103].
قيل لهم: في الدنيا دون الآخرة، لأن القرآن لا يتناقض، فلما قال: في آية أخرى أنه تنظر إليه الأبصار علمنا أن الوقت الذي قال إنه » لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ » فيه غير الوقت الذي أخبرنا فيه أنها تنظر إليه فيه ».وقد كانت هذه المناظرة سببا في ظهور الإمام الأشعري وظهور مذهب أهل السنة في زمانه، كما أن الجبائي لم يعش إلا أياما يسيرة بعد هذه المناظرة كما يقول الإمام السكوني في نهاية عرضه لهذه المناظرة.
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى  » لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ » [الأنعام : 103]. بين سبحانه أنه منزه عن سمات الحدوث، ومنها الإدراك بمعنى الإحاطة والتحديد،كما تدرك سائر المخلوقات، والرؤية ثابتة. فقال الزجاج: أي لا يبلغ كنه حقيقته، كما تقول: أدركت كذا وكذا، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث في الرؤية يوم القيامة. قال ابن عباس: » لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ » في الدنيا، ويراه المؤمنون في الآخرة، لإخبار الله بها في قوله: » وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22/23]

المراجع:

[1]- عيون المناظرات لأبي علي عمر بن خليل السكوني، الصفحة: 229 تحقيق سعد غراب، منشورات الجامعة التونسية 1976.

[2]- كتاب الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعري، الباب الأول الصفحة: 35 – 62 تحقيق د. فوقية حسين، دار الكتاب العربي القاهرة، الطبعة الثانية 1987.

[3]- كتاب المع في الرد على أهل الزيغ والبدع، لإمام الأشعري، الصفحة: 113 تحقيق، الشيخ عبد العزيز السيروان، طبعة دار لبنان للطباعة والنشر الطبعة الأولى 1987.

[4]- عيون المناظرات للسكوني، الصفحة: 230
[5] الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي، 7/56 راجعه د. محمد ابراهيم الحفناوي دار الحديث القاهرة

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

3 Comments

  1. المغربي
    28/06/2010 at 00:43

    العقيدة الاشعرية عقيدة فاسدة لان اصحابها يستعملون العقل في فهم النصوص وكدلك علم الكلام والتفلسف وقد نهى الائمة الاربعة عن الكلام وزجر اصحابه وتبديعهم وتعزيرهم

  2. المغربي الحر
    13/12/2011 at 22:48

    بسم الله وصلى الله على من لا نبي بعده

    لا ادري لماذا حذف تعليقي رغم اني لم اقم باي شيء الا الدفاع عن عقيدة جماهير علماء وصلحاء امة محمد.فهل ارتكبت خطأ في الدفاع عن معتقد جماهير كبيرة من العلماء: تبن حجر.النووي.عياض.البيهقي.الونشريسي. السبكي. ابن الجوزي. السلطان صلاح الدين الخ
    فلا نرى عالما وهو اشعري او ماتوريدي المعتقد. والمدعو (المغربي) ضلل كل من كان على عقيدة الاشاعرة وهذا تطرف ومغالات من هذا الشخص
    قلت ان الاشاعرة يعملون العقل كشاهد على الشرع وليس كاساس كما عند الفلاسفة. وقلت ان الشرع يدعو لاستعمال العقل فهل الصحابة اتبعوا الرسول المعظم بدون تفكير عقلي

    وقلت ان من السلف من استعمل علم الكلام مع المتدعة. ابو حنيفة ناظر الدهرية واحمد ناظر المعتزله وكذا الشافعي . عمر بن عبد العزيز ناظر الدهريه الخ الخ
    وقلت ان علم الكلام ينقسم الى قسمين. علم الكلام السني وهو محمود وهو الذي ذهب اليه السادة الاشاعرة والماتريدية ردوا به على البدع من معتزلة وروافض وحشوية مجسمة الخ. وهناك كلام اهل الزيغ والبدع كالذي عند المعتزلة والخوارج والرافضة الخ الخ
    باختصار الاشاعرة والماتريدية هم جمهور الامة والرسول قال ان امته لا تجتمع على ضلال. فانظر اين تقف هل انت مع الجمهور ام مع الوهابية اتباع ابن تيمية المجسم
    ففي هذا العصر لا يهاجم الاشاعرة وسطنا الا الوهابية.. وهذا من امارات الساعة ان يتحول الابيض اسود ومن كان قبيحا امس اصبح الان سنيا شؤيف. غريب هذا العالم والله

  3. مغربي حر
    14/12/2011 at 10:58

    تعليق على على كلام المسمي نفسه (المغربي)

    يعني بزعمك ان عقيدة هؤلاء فاسدةك ابن حجر والسبكي والبيهقي والاسماعلي وابن الجوزي وميارة وابن الحاج وعياض والونشريسي وابن عابدين وووووو وملايين علماء اهل السنة وسلاطينها الاشاوس كصلاح الدين ومحمد الفاتح وغيرهم كلهم لديهم عقيدة فاسدة؟؟

    اجيب: عقيدتهم عقيدة الامة باكملها. والامة لا تجتمع على ضلالة كما اخبرنا الرسول الاعظم عليه السلام. ثبتنا الله على عقيدة اهل السنة عقيدة السادة الاشاعرة والماتريدية حتى العرض عليه وحفضنا من عقائد اهل الرفض والخوارج والمشبهة المجسمة الحشوية. آمين

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *