لماذا صلاة التراويح
لماذا صلاة التراويح ؟
ما يشك أحد في أن الله سبحانه وتعالى إذا ما قضى بأمر أو شرع حكما ، وكذلك رسوله مبلغا عنه إنما يكون لحكمة سواء علمنا نحن تلك الحكمة أم لم نعلمها ، فدين الله سبحانه قائم على أسس موزونة لا تميل إلى ذات الشمال ولا إلى ذات الجنوب ، ولا يراد فيها عبث ولا يقصد منها اعتباط ، بل هي شريعة تابعة للخلق يسوسها وتسوسه ، والإنسان ما خلق عبثا ولا هملا ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) وكذلك الشريعة . فالإنسان خلق ليعمل بالشريعة ولتعمل فيه الشريعة ، وان اختل ركن من هذه القاعدة لم يكتمل العمل بها ، من ذلك فصلاة التراويح أمر ثابت في الشريعة ووجودها فرعا لن يكون مخالفا لأصله ، فالأصل كما سبق وجد لحكمة فكذلك الفرع تبع لأصله في حكمة خلقه وإيجاده وتشريعه ، حتى أنه قيل ما من حكم أو تشريع في الإسلام إلا ويجوز فيه قولك ( كيف ، لماذا ) كلمتان توصلان لحسن العمل وإدراك المقصود والحكمة ، فالوضوء مثلا : كيف أتوضأ ؟ فجوابها يوصلني إلى حسن الوضوء ولماذا أتوضأ جوابها يوصلني لإدراك مقصود الوضوء . والإجابة عن تلك الأسئلة تختلف باختلاف عقليات الناس وتعدد مشاربهم ، فمثلا إن سأل العامي : لماذا تتوضأ ؟ فاحتمال كبير أن يبقى ساكتا ، وإن سأل الطبيب : لماذا تتوضأ ؟ فاحتمال كبير أن يجيب : لأن الوضوء طهارة ونظافة وجميع الأعضاء المقصودة في الوضوء هي أعضاء مكشوفة وتلتقط المكروبات ولذلك فعند الوضوء نزيل الميكروبات، وإن سألت الفقيه أو العالم : لماذا تتوضأ ؟ فاحتمال كبير أن تكون إجابته :
أولا : لأن الله أمرني بالوضوء
وثانيا : لأن الوضوء طهارة ونظافة
وثالثا : لأن الماء أحسن مزيل للميكروب . وهذه أحسن وأسلم إجابة يمكن أن يجيبها المسلم على كل سؤال يخص الشرع تستخدم فيه كلمة لماذا . وقد سألت أستاذة أمريكية تلميذا عربيا في صفها: لماذا أنتم المسلمون لا تأكلون لحم الخنزير ؟ فأجاب الطالب : لأن الخنزير يأكل النجاسات والوسخ ، فردت عليه الأستاذة بقولها : لكن الخنزير اليوم لا يأكل إلا التفاح بل ويغسل في بعض الأماكن حتى إنه مرات يأكل طعاما صحيا أحسن من الإنسان ،فسكت الطالب لأنه أجاب جواب سبب مقرون بعلة فعلة تحريم الخنزير أنه يأكل الوسخ ، ولو ربط سبب التحريم بعلة الإيمان لكان اسلم له إذ كان عليه القول نحن لا نأكل الخنزير لأن الله حرم علينا الخنزير ثم يردف قائلا وقد وجد فيه مرض كذا وفيروس كذا من باب التوسيع لا من باب التدليل فقول الله لا يحتاج على دليل . فربط تحريم الخنزير بالوسخ علة فانية بفناء الوسخ ، أضف إلى ذلك أننا لا نعلم من حكمة التحريم إلا الشيء القليل علميا فما يضمن لي إذا أكل الخنزير أكلا صحيا أن لا يكون فيه مرض أو فيروس لا يرتبط بالوسخ والنجاسة ، وعلي أن أنتظر أعواما كي يتطور العلم فيكشف لي عن الفيروس ثم آنذاك أومن بالله وأنتهي عن أكل الخنزير ؟ لذلك فنحن المسلمون نؤمن بالله ابتداءا لا انتهاءا وغيرنا من الذين اسلموا عن طريق العلم والإعجاز والفضاء وغيرها آمنوا به انتهاءا لا ابتداءا .
غير أن ربط علة السبب بالإيمان لا ينفي السؤال عن الحكمة المرجوة إذ بها يزيد إيمان المرء وتعلقه بالله وتزوده من تقواه ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني يا أولى الألباب ) فقرن التقوى بالعقل والعقل وسيلة العلم فإيماني بالله أصلا وزيادتي فيه بالعلم أمر مطلوب شرعا . لذلك إن سئلت : لماذا صلاة التراويح ؟ فجوابي : لأن الله أمرني بصلاة الليل وفضلني بها عن غيري الذي لا يقوم بها وما دام الله قد أمرني بها ففيها مصلحتي ومنفعتي دنيا وآخرة جسدا وروحا، ثم لإقامة رسولي لها وصحابته وتابعيهم وتابعيهم حتى أنها كانت لهم كالروح للجسد وكالماء للضمئان يعتمدون على العصي ولا يجلسون فيها ، ففي عهد عمر كانوا يطيلون القراءة في صلاة التراويح فيقرؤون فيها نحو الثلاثمائة آية حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام وما كانوا ينصرفون من الصلاة إلا مع الفجر.
ولصلاة التراويح حكمة لا تعلم إلا في آخر يوم من رمضان عشاءا وفجرا حينما يصليها الناس بأفواج كثيرة في المساجد ثم في اليوم الموالي له فجرا وعشاءا تجد المساجد فارغة خاوية على عروشها ، هنالك يطرح المسلم سؤالا على نفسه لماذا كانت التراويح أصلا بعد صلاة العشاء والفجر ؟ لماذا لم تكن بعد الظهر والعصر ؟ هل لصلاة العشاء والفجر مزية على غيرهما ؟ نعم نعم فالمتخلف عن صلاة العشاء والفجر منافق أو كما قال رسول الله صلة الله عليه وسلم « أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر » وكأن الله يقول لنا من خلال صلاة التراويح : حافظوا على صلاة العشاء والفجر ، لا تتخلوا عنهما ، ولذلك جاءت صلاة التراويح بعد العشاء والفجر بالخصوص جاءت مؤكدة لهما وحاضة عليهما فالمحافظ على التراويح محافظ على العشاء والفجر والمحافظ على النافلة محافظ على الفريضة أو كما يقال الذي يحب ابن أخيه يحب ابنه بالتأكيد ، والمضيع للنافلة مضيع للفرض والمضيع للتراويح مضيع للعشاء والفجر ، فصلاة التراويح جاءت حارسا وحصنا حصينا للعشاء والفجر ، فحافظوا على العشاء والفجر بعد رمضان فذلك هو المقصود من صلاة التراويح
Aucun commentaire