Home»Islam»الغرب،…ذلك العاري

الغرب،…ذلك العاري

0
Shares
PinterestGoogle+

الغرب ..ذلك العاري

بقلم: عبد المجيد بنمسعود

لا يزال الغرب برغم طويته الخبيثة ووجهه الذميم، يجد في نفسه الجرأة التي تدفعه- دون إحساس بوخز الضمير لأنه لا يملكه أصلا- إلى فرض أستاذيته علينا نحن المسلمين، فيقدم لنا الدروس في جميع المناسبات، وفي شتى المواضيع. وليست المفارقة العجيبة كامنة في تنصيب ذلك الغرب العديم الحياء الكثير الادعاء، نفسه أستاذا علينا، وإنما في قبولنا- نحن المسلمين- بتلك الأستاذية المزيفة وطأطأة الرؤوس في ذلة وخشوع أمام تماثيله وأصنامه المتعددة الألوان والأشكال، وتقديم القرابين تلو القرابين عند أقدامه، مع اتهام أنفسنا بالتقصير في واجب التسبيح والتقديس والتبجيل، نفعل ذلك وقلوبنا وجلة متحسبة لزمجرة الغرب وغضبته التي نخالها- إذا جد جدها وانطلق في الآفاق نفيرها- تأتى على الأخضر واليابس وتحيل الأرض تحت أقدامنا إلى خراب ويباب. وكلما داخلنا ذلك الإحساس واقتحم علينا أغوار نفوسنا، انتابتنا رعدة حادة من الخوف القاتل المشل. فانطلقنا بكل ما أوتينا من عزم وقوة، نبحث عن مزيد من القرابين حتى نسكت غضبة الغرب، وفي روعنا اعتقاد جازم أنه يملك خزائن الطعام والشراب ومفاتيح الحكم والأمن، وحتى نفوز بنعمة تقديره وأوسمته ورضاه.

ولفرط يقيننا في هذا الغرب « الطيب النفس » « النبيل المقصد »  » الغارق في المدنية حتى الأذقان » لفرط يقيننا في كل ذلك، فإننا نتلذذ بضربات السياط اللاهبة التي تنهال على أجسادنا، فتنزف منها قلوبنا، بل إننا لنطلب المزيد، لاغتنام مزيد من اللذة، وإذا ما همت بعض الحناجر فينا بأن ترفع عقيرتها بالصراخ والاحتجاج سارعنا إلى كتم أنفاسها، وطالبناها بإعلان التوبة والاستغفار، لأن في مجرد الهم بالصراخ اقترافا لمعصية عظيمة وسوء أدب مع أستاذنا « العظيم ».
ومع استمرار عملية الكتم والترويض، أصبحنا نطبق بإخلاص ما لم يحظ بتطبيق حتى النصارى الأصليين أنفسهم: يضربنا الغرب الجبار على خدنا الأيمن فندير له خدنا الأيسر في استكانة وتسليم، وألسنتنا تلهج بالثناء وبالتحميد والتسبيح. إنها العبودية بجميع أبعادها ومظاهرها آثرت قطعان من هذه الأمة أن تدين بها، ليس لرب الأرض والسماء، وإنما للغرب الكافر الذي يزمجر في جبروت وعنجهية مرددا ما قاله فرعون ذات يوم: » ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد »، و » أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ».
ولا غرابة في هذه العبودية المنحطة، مادامت القطعان المروضة قد رعت داخل مراعي خاصة سيجها وسطر حدودها الغرب، وزرع حشائشها المسمومة بيده، ومادام قد حيل بينها وبين العشبة التي تحمل إكسير الكرامة و الحياة الذي يهب الأجسام طاقة عجيبة على العطاء، ويقظة دائمة تحولها من قطعان سائمة إلى أسود عظيمة البطش في الحق، لا تستكين ولا تلين، ولا تعطي الدنية في الدين، ولا تحنى جباهها إلا لرب العالمين مالك يوم الدين. إن هذه الأمة تحتاج إلى أن تحكم قبضتها وتصوب ضربة عنيفة إلى وجه ذلك الغرب القبيح، حتى يستفيق من غيه وغروره، ويدرك أنه لا يستحق حتى لقب تلميذ بليد كسول، فكيف به أن ينصب أستاذا على البشرية، وبالأحرى أن يكون أستاذا وحيدا وممتازا.
إن من حسن طالع البشرية المضطهدة أن هذا « الأستاذ » المزيف الحقير، قد تكررت سقطاته وتراكمت جرائمه، فقد سقط في امتحانات بسيطة وأصابه ارتباك هائل فسقطت من يده القطع الملفقة التي استعملها لتركيب قناع لوجهه البشع ردحا من الزمن، فلم تعد الواحدة من تلك القطع تحتمل التناسق مع الأخرى، ولم يعد قاموس المصطلحات التي ظل يلوكها ويتشدق بها ذلك الأستاذ المزيف، لم يعد يملك ذلك السحر الذي يجعل القطعان تسقط جاثية عند قدميه، بل أصبح باهتا كسيفا غير ذي معنى، فمصطلح  » حقوق الإنسان » و » الشرعية الدولية » و »المجتمع الدولي » والأعراف الدولية إلخ.، كلها فقدت طعمها، وهي تردد على ألسنة الغربيين وألسنة غيرهم، أو تبث من خلال الأجهزة والمنظمات التي يحركها من طرف سافر أو خفي.

ولعل هذه التحولات الحادة والرهيبة التي ارتجت لها شعوب العالم، وهذه المآسي الفظيعة التي تعتصر جموعا هائلة من بني البشر، جلهم من المسلمين، لعل كل ذلك من ورائه حكمة ربانية بالغة تتمثل في إبراز ملامح المسخ والتشوه في وجه الغرب، بعد أن ظلت مستورة وراء قناع زائف كان الكثيرون عاجزين عن اختراقه بسبب افتقادهم للميزان الدقيق الذي يميز الخبيث من الطيب، والمتحضر من الهمجي. وتتمثل مظاهر من تلك الحكمة الربانية في اتضاح الصفوف، بعد اختلاط لبس الحقيقة على الناس طوال عقود مريرة، وفي انكشاف رموز وشعارات، كانت تبدو متصارعة متناحرة، عن حقيقة دامغة، هي التقاء تلك الشعارات والرموز في الجوهر وتوحدها في الهدف. فها قد عرف كثير من المخدوعين والقطعان الضالة، كيف أن المطرقة الشيوعية التي ظلت تدق رؤوس الأحرار من المسلمين وغيرهم، والمنجل الذي استمر يحصد الأبرياء، تحت غطاء التقدمية ومكافحة الرجعية، ها قد عرف هؤلاء كيف تماهى المنجل والمطرقة في إخلاص مع تمثال الحرية الأمريكي، عرف هؤلاء أن الصراع في هذا الكون، إنما هو بين قوى الإيمان وقوى الكفر، وأن كل شعار يترجم غير ذلك ، شعار زائف غارق في الباطل والضلال.
وإذا كان الغرب قد ظل عاريا منذ فجر وجوده وطوال مراحله وعهوده، فإنه لأسباب تاريخية ظل يرتدي أردية سحرية كانت تخلب أبصار الخاضعين لتخييل السحرة. أما اليوم، فقد بطل السحر،وبطل ما كان يصنع سحرة الغرب الماكرون،وأصبح الغرب عاريا تماما، وانكشفت سوأته لكل ذي عينين. أما الذين لا يزالون يرون الغرب كاسيا بعد كل ما جرى،فأولئك هم الخاسرون، الذين هم في ريبهم يترددون، وفي الضلال سادرون.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *