Home»Islam»ملامح المشروع التربوي الإسلامي

ملامح المشروع التربوي الإسلامي

0
Shares
PinterestGoogle+

ملامح المشروع التربوي الإسلامي

بقلم: عبدالمجيد بنمسعود

إن أي مشروع تربوي لبناء الإنسان، ينبثق لا محالة من تصور لحقيقة ذلك الإنسان وطبيعته، ومن تصور لحقيقة الكون الذي يكتنفه، والغاية التي وجد لأجلها. بتعبير آخر، إن المشروع التربوي للإنسان لا يمكن إدراكه إلا في سياق فلسفة شاملة تعكس موقفا واضحا محددا من الوجود بكل مكوناته، ومن الوظيفة التي خلق لأدائها والمآل الذي يصير إليه، وهذا بالضبط ما يصطلح عليه بالفلسفة التربوية.

ومن البديهي أنه « بقدر ما تكتمل بنية النظرية التربوية، وبقدر ما تتصف بالشمول والتكامل والاكتمال والوضوح والعمومية والقابلية للتطبيق، وبقدر ما تخلو من الغموض والتناقض والصراع بين أفكارها وقيمها، النظرية التربوية قادرة على تمثل الصفات والخصائص في معالجة القضايا التربوية المختلفة، (محمد السيد سلطان. النظرية التربوية في الإسلام (ص3)- ندوة خبراء التربية الإسلامية- مكة) والمشروع التربوي الإسلامي تتوفر فيه كل السمات المذكورة آنفا من شمول واكتمال وتكامل وعمومية وقابلية للتطبيق، باعتبارها قائمة على مذهبية الإسلام المتميزة بالربانية، أي بكونها صادرة عن الله عز وجل الذي يعلم حقيقة خلقه مصداقا لقوله تعالى: { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [ الملك: 14] إن النظرية التربوية الإسلامية تتجاوز ذلك التخبط الرهيب الذي يظل يلاحق النظريات الغربية ويعصف بجهودها، لأنها (أي النظرية التربوية الإسلامية) تنبثق من العلم الشامل وتتعامل مع الإنسان على بصيرة بمكوناته كلها دون إغفال لإحداها لحساب الأخرى، لأن مطبقيها يعلمون أن ذلك الإغفال هو مدخل الخلل في الكيان البشري وانعدام التوازن فيه، وبالتالي إفلات الزمام تماما من قبضة المربين الذين يتولون أمر تنشئة الأجيال، وتعرض هذه الأخيرة للدمار والانتكاس.
وحتى تتضح لنا ملامح المشروع التربوي الإسلامي، وبتعبير آخر ملامح الشخصية الإنسانية التي يتوخى الإسلام تكوينها وصياغتها وبناء التجربة الإنسانية على أساسها، لابد من إعطاء مفهوم التربية الذي سيستند إليه ذلك المشروع. ي

عرف الدكتور عبد الحميد الهاشمي والدكتور فاروق عبد السلام التربية بأنها  » تنمية الإنسان في أبعاده الستة: الروحي والبيولوجي والعقلي المعرفي والانفعال العاطفي والسلوكي الأخلاقي والاجتماعي، في إطار بعد مركزي هو الإيمان بالله ووحدانيته للوصول بالإنسان نحو الكمال، ضمن مجتمع متضامن قائم على قيم ثابتة » « إن الشخصية التي يتوخى الإسلام بناءها- إذن- هي شخصية تتميز بالتوازن والتكامل، لأن كل مكون من مكوناتها (جسد- عقل – روح) ينال حظه من الإشباع والصقل والتهذيب، مما يؤهله لأداء وظيفته ضمن الكيان الكلي للإنسان، بما يحقق له السعادة في نفسه والسيادة البانية على المحيط الذي يكتنفه على المستوى المحلي والعالمي، ففي ضوء هذا التعريف المشار إليه، يتبين لنا أن الجوانب التي تستهدف التربية الإسلامية تنميتها، تحكمها ضوابط ويحكمها إطار لا تعدوه، فهي تستند إلى بعد مركزي هو الإيمان بالله ووحدانيته، وما يتعلق به من نظام قيمي شامل لجوانب الحياة، وذلك الإطار المرجعي، وتلك الأهداف والقيم من شأنها أن تعصم القائمين على تطبيق المشروع التربوي، وتعصم العملية التربوية من الانزلاق، وتمنحها إمكانية واسعة للمراجعة والنقد والتقويم، ولإصلاح أي خلل يطرأ على الممارسة الميدانية، ويحول بينها وبين الشرود والتيه بعيدا عن النموذج المرسوم والمقاصد المحددة. إن القائمين على المشروع التربوي الإسلامي وهم يعملون على تجسيده في الواقع ينطلقون من تعامل واقعي مع الكائن موضوع التربية، على أساس أنه كائن يتميز بالطواعية التي تجعله بمثابة العجينة القابلة للتشكل في أي شكل كان، بحسب ما يحيط به من ظروف ويكتنفه من شروط اجتماعية وثقافية وتوجهات وأساليب تربوية، وهذه الحقيقة هي التي يتضمنها قول الرسول

: » كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه » (متفق عليه)  » فمبدأ الفطرة يعني أن مصير الولد من حيث عقيدته وأخلاقه كامن فيه وليس في المجتمع الذي يولد فيه، والتركيز على ما أوجد في خلق الإنسان من قدرات ترشحه لحب الحق وللتوجه نحوه وبه، نقل مهمة التربية نقلا جذريا وغير غاياتها تغييرا أساسيا. فبعد أن كانت مهمتها نقل ما توارثه الآباء والمجتمع، صارت مهمتها توفير ما يلائم فطرة الإنسان من نمو عقلي وخلقي ووجداني، وصارت غايتها كمال هذه الفطرة. وبهذا الانتقال ارتقت التربية من ضيق وتعدد نسبية المجتمعات المختلفة إلى تربية عالمية ترتبط بحقيقة الإنسان نفسه أينما كان وفي أي عصر كان » (عيسى عثمان- الإسلام اكتشف الإنسان، مع العلوم الاجتماعية صيف 1981 ص 39). « من هنا فكل جيل مطالب بمراجعة ما يتوارثه من منظور مطابقته أو عدم مطابقته مع الحقيقة والحق، بالاحتكام إلى الدين والعقل والعلم، لأن هذا التطابق هو ما يلائم الفطرة » (عيسى عثمان).
نستنتج مما سبق أن العملية التربوية الصادرة من المنظور الإسلامي تهدف إلى تزكية الفطرة التي ولد عليها المولود وتوفير المناخ الصالح الكفيل بحياتها من كل ما يعطلها أو يعرقل تفتحها أو يطمس صفاءها. وإذا ما تم ذلك، كان خليقا أن يؤدي إلى تفتق طاقات الإنسان ونمو قدراته في الاتجاه السليم الذي يزكي الوجود الإنساني ويسمو به، ويحقق سعادته ويرقى بحضارته.
وتأسيسا على هذه الحقائق النابعة من علم يقيني شامل بطبيعة الإنسان وحقيقة كيانه، وضع الإسلام خطة شاملة لتنشئة الإنسان منذ استهلاله بالحياة، بل إنه حرص على تهيئة الأجواء والشروط المناسبة لسلامة تلك التنشئة، حتى والإنسان مكنون في عالم الغيب، وهو أمر يترجم عن دقة التخطيط وكمال الحكمة التي يتميز بها المنهج التربوي الإسلامي. فقد أمر الإسلام بحسن اختيار أم الطفل التي ستكون له منبتا وأول بيئة يتخلق فيها ويقتبس من خصائصها وطباعها. قال رسول الله

« تخيروا لنطفكم » واهتم الإسلام برضاعة الطفل ورعايته وحدد أسلوبا حكيما للتعامل معه يأخذ بعين الاعتبار طبيعة وخصوصية كل مرحلة يمر بها من طفولة مبكرة ومتأخرة ومراهقة وشباب، بحيث تأخذ الأسرة- وباقي المؤسسات- كل منها بنصيبه بيد الطفل شيئا فشيئا، نحو النضج والاكتمال إلى أن يستوي عوده ويصير عضوا منتجا فاعلا في دورة المجتمع الحضارية، مسخرا كل طاقاته وكفاءاته من أجل دعمها وتصحيحها وتزخر السنة النبوية بتوجيهات غالية حول الأسلوب الذي ينبغي أن يسلك والخطوات التي يجدر اتباعها في تنشئة الفتيان والفتيات. إن التطبيق السليم لمقتضيات هذه الخطوات وغيرها، وما يقترن بها من توجيه، في نطاق بيئة إسلامية طاهرة، يفضي لا محالة إلى إعداد شخصية متينة متوازنة قادرة على التكيف الإيجابي البناء مع محيطه الاجتماعي والحضاري. لقد أوجب الإسلام حقوقا ثابتة للطفل وجعلها أمانة على عاتق المجتمع بجميع مؤسساته، لا يمكن أن يكتب لها النجاح إلا عبر شرط أساسي ولازم، هو شرط القدوة الصالحة التي تنير السبيل أمام الناشئة وتعرض أمامها القيم والمبادئ في صورة ملموسة ونماذج مشخصة، يقوم عليها التأسي ويحصل بها الاقتداء.
وهذا هو السر في أن الله تعالى جعل لنا قدوة عليا رسوله الكريم محمدا

، مصداقا لقوله تعالى:{ لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} [الأحزاب:21]. ولابد من الإشارة في هذا المقام إلى أن مفهوم القدرة ذاك، يتسع ليشمل النموذج المجتمعي الذي ينبغي بدوره أن يعكس صورة الإسلام، وقيمه الحضارية الشاملة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *