Home»Islam»الرحمة خلقا للرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام

الرحمة خلقا للرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام

0
Shares
PinterestGoogle+

الرحمة خلقا للرسول العظيم عليه الصلاة والسلام

د. عبد المجيد بنمسعود

لا زالت نفحات ذكرى مولد النور، خير الأنام وسيد الأنبياء والمرسلين، تسري في يسر ونعومة عبر أرجاء هذا الكون، فتهتز لها كل ذرة من ذراته، وتسعد به وتبتهج لها كل نفس خالطتها بشاشة الإيمان، واحتضنت مشاعر راقية رفيعة تنبئ بحب سيد ولد عدنان، وتعلن الولاء الصادق واليقين الجازم بمنهج الخلاص والفوز والفلاح الذي بعث به وبلغه ذلك النبي الكريم والرسول العظيم عليه الصلاة والسلام.. فلقي ربه، وقد أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، كما جاء ذلك في أحد أحاديثه عليه الصلاة والسلام.

إن موقع الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فينا، هو موقع القدوة الرفيعة والأسوة العالية، مصداقا لقول ربنا جل وعلا: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا﴾ (سورة الأحزاب:21).
وإن ذلك ليفرض على المسلمين بصفتهم أفرادا وبصفتهم يمثلون في مجموعهم الأمة الشاهدة على الناس، أن يكونوا على علم كامل ووعي دقيق بسيرة ذلك الرسول الإسوة، لأنه لا مجال لتصور أي تأسٍّ أو اقتداء في ظل أي جهل بمحل الاقتداء، أو في ظل أي علم مشوش أو ناقص.
إن الذي يولد فينا شعور الحب والإعجاب، والاعتزاز والإجلال لهذا النبي الكريم الأمين عليه الصلاة والسلام، إنما هو الاقتراب من حقيقته، والوقوف على معالم شخصيته، حتى كأننا نعيش في حضرته ونتفيأ ظلال العيش في زمرته من أصحابه عليهم سحائب الرحمة والرضوان.
وهذا يتطلب منا أن نتضلع من سيرته، فنتتبع حركاته وسكناته ونصحبه في كل موقف من مواقفه، ونترسم كل خلق من أخلافه وسجية من سجاياه. إنه مطلب عزيز بالغ الأهمية وعميق الأثر في صلاح أحوالنا وحسن عاقبتنا في الدنيا والآخرة,
سأتناول في هذه السطور، الرحمة باعتبارها أحد خصائص الرسول الجوهرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي تشكل طبعه الأصيل، وسر بعثته للعالمين، فقد قال فيه ربه عز وجل: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (الأنبياء 107).
« والرحمة، صفة من صفات الله (رحمن رحيم)، صفة ذات، إذا أريد بها إرادة الخير، وصفة فعل إذا أريد بها الإحسان والتعطف على الخلق ».

ووصف الله عز وجل لنبيه بهذا الوصف يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفيض بالرحمة والرأفة والشفقة، وكانت رسالته عليه الصلاة والسلام كلها رحمة، إنها تمثل منهج الهداية للتي هي أقوم، وتعاليمها وقيمها، وأحكامها، هي طوق النجاة وسبيل التحرر والانعتاق، فلولا بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما كان للبشرية أن تخرج مما كانت غارقة فيه من غواية وضلال وتعاسة وشقاء، ولولا تلك البعثة المباركة، ما كان للبشرية أن تتفيأ ظلال الحرية والكرامة والأمان.
وإن الذي يعرف حالة البشرية قبل إرسال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويدرك هول ما كانت تعانيه من شرود وانحراف وضلالة وعماء، يدرك مدى الرحمة التي لحقت بالعالمين كثمرة مباركة لذلك الإرسال. فقد حل محل الكفر والإشراك إيمان خالطت بشاشته القلوب وحل محل الحيرة والاضطراب ثبات ويقين تهتز له الجبال، ومحل التباغض والتناحر والشقاق حل التراحم والتماسك والوئام. وحل محل العصبية المقيتة للباطل ورموزه وارتباطاته، الولاء الخالص للحق، والاستعداد الكامل للتضحية من أجل نشره وإحقاقه، وكسدت خصال الأثرة والغش والأنانية، والخداع واللصوصية، وما تثمره من ظلم وعدوان، وراجت على أنقاضها قيم رفيعة وأخلاق سامية، كالصدق والأمانة والوفاء، والإيثار وحب الخير للناس، كل ذلك بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته التي كانت بمثابة الغيث الذي يحيي موات الأرض ويحيل جدبها إلى خصوبة ونماء، فقد كانت دعوة خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم أفضل الصلاة والتسليم، ما طهورا تخلصت به النفوس من أدرانها وانفكت به القلوب من صدئها وأغلالها.
إن الرحمة التي لحقت العالمين نتيجة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم واضحة للعيان، إنها رحمة للمؤمن بالهداية، ورحمة للمنافق بالأمان من القتل ورحمة للكافر بتأخير العذاب…
ليتصور كل مسلم ينعم بنعمة الإسلام ويتفيأ ظلاله أنه لو لم يكن من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، ويجر عليه مفعول رحمته، لكان من أهل النار، فهل هناك رحمة لهذا الإنسان تعدل رحمة عتقه من النار ورحمة جعله من أهل الجنة والرضوان.
إن رحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم شملت بين أكنافها الإنس والجن والملائكة والحيوان والنبات، فسيرته عليه الصلاة السلام، تعكس ذلك بوضوح… ففيما يتعلق برحمته صلى الله عليه وسلم إضافة إلى ما ذكر، نجد سيرته العطرة حافلة بأروع الصور وأبهرها للنفس، يتجلى ذلك في حرصه عليه الصلاة والسلام وهو يشرع لأمته، على أن يكون ذلك التشريع رحيما لا يشق عليها ولا يكلفها عنتا، من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: « لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ». وقد تجلت رحمته صلى الله عليه وسلم في صور من الحلم رائعة، تخشع لدى تأملها الجوارح والقلوب، لقد أعطى عليه الصلاة والسلام أعرابيا عطاء، ثم سأله إثر ذلك قائلا: « هل أحسنت وأجملت؟ » فقال الأعرابي: بكل فظاظة وجفاء: « لا أحسنت ولا أجملت »، فساء ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، فطلبوا منه عليه الصلاة والسلام أن يأذن لهم فيضربوا عنقه، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن لهم في ذلك، بل ما زال يعطي الأعرابي ويزيده حتى رضيت نفسه، فأجاب بكلام طيب وقال: « نعم أخو العشيرة، لقد رضيت، ولقد أحسنت وأجملت، جازاك الله خيرا. وفي يوم ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحادثة لأصحابه مبرزا لهم الحكمة منها قائلا – عليه الصلاة والسلام – فيما معناه، لو أنني خليت بينكم وبين ذلك الأعرابي لكان من أهل النار، ولكن الله عز وجل أنقذه بسبب رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت الفئة المؤمنة قد حظيت بقسط وافر من رحمته وعطفه عليه الصلاة والسلام، فإن الفئة الكافرة من قومه لم تخطئها نفحات تلك الرحمة وظلالها الباردة السنية، ولم تحل بينهم وبينها ما كانت تسلطه على رسول الله صلى الله عليه وسلم من إيذاء مس شخصه ورسالته: لقد عرض عليه جبريل عليه السلام أن يطبق على قومه – الذين كذبوه – الأخشبين ويضع حدا لصلفهم وطغيانهم.

ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار أن يتحمل الأذى ويصبر على البلاء، أملا في انفتاح القلوب للرسالة الهادية، ولذلك فقد توجه بالدعاء المفعم بالمحبة المشبع بالرحمة إلى ربه الرحيم الكريم، أن يشملهم بغفرانه معتذرا لهم بأنهم لا يعلمون، لاهجا بتلك العبارة الحانية الرحيمة: التي تفيض حدبا وحرقة وشفقة على مصير قومه: « اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ».
إن كون رسول الله صلى الله عليه رحمة مهداة، يتجلى فيما جاء به من منهج الهداية الذي يمثل الرحمة في جميع تجلياتها ومعانيها حال تمثلها وتغلغلها في نسيج الجماعة المسلمة والأمة المسلمة، كما يتجلى في تشخيصه لنموذج الرحمة، باعتباره قرآنا يمشي ويبث الرحمة أنى حل وارتحل، عليه الصلاة والسلام، ومن حيث كونه صانعا لجيل الرحمة الذي تلقى قيمها وتعاليمها في زمن أصاخ فيه الكون لنشيد الرحمة الغامر الجميل وهو يعزف في جنباته وزواياه,
إننا ونحن نتحدث عن الرحمة خلقا لرسول الرحمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لا يفوتنا، من باب الدلالة على الشر وأهله،أن نسفه المزاعم الباطلة والجراءة على الحق، الصادرة من قوم بهت، لا يستحون من نعت شريعة الإسلام بالقسوة في حق الإنسان، وهم ينصبون أنفسهم الكالحة وما ينفثونه من سموم،وما يحملونه من أفكار خرقاء،ومذاهب عرجاء،بديلا عن دين الله، يضمن السعادة والتيسير لبني البشر،وهم إذ يحملون كبر هذه الجراءة الدالة على جهل شنيع،يتوهمون أن ذاك الصنيع، كفيل بحجب الواقع الأليم الذي يغشى الناس، ويتجرعون فيه مر العذاب،أو بدفع الأذى البليغ الذي ينفذ منهم إلى العظام، ولا يملكون منه فكاكا ولا له ردا,
إن غياب الأمن والسلام عن مرابع الناس، في أي شأن من شؤونهم، على صعيد الأسرة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، أضحى كابوسا مرعبا ونكدا دائما ومؤرقا، تتساقط بسببه الضحايا بالملايين،حتى ليكاد أن يكون الشعور بالأمن عملة نادرة، والعثور عليها أشبه بالعثور على إبرة وسط ركام هائل من التبن، أو قطرة ماء في فلاة,
إن التحليل النفسي لنفسيات المبغضين لشرع الله وأحكامه الغراء، يثبت أنهم إنما يصدرون في ذلك البغض الأسود، عن انسياق مع تيار الشهوات الجامح الذي لا يدع لهم مسكة من عقل أو بقية من رشد، فيتصورن الرحمة انغماسا في أتون اللذات والشهوات حتى الأذقان، وإمعانا في الولوغ في الأعراض وانتهاك الحرمات، وهم بذلك الاعتبار، لا يبرحون مرحلة الطفولة من حيث سطحية التفكير ومحدودية الأفق، مع فارق جوهري، هو اقتران الطفولة الطبيعية بالبراءة والصفاء،وعدم تعدي الأذى حدود عالمها الصغير إلى ما سواه، بينما طفولة هؤلاء الجهلة الغلاظ، تتميز بطيش سهامها المسمومة إلى أبعد مدى، فهي تخترق كل الحدود،وتصيب الحياة في مقاتلها,
وقد دلت قرائن أحوال هؤلاء الشانئين لشرع الله الحكيم، أنهم بين زان مسكون بحب الفاحشة حتى النخاع، ولص أو مراب مهووس بالتطاول على أموال الناس واستمراء أكلها بالباطل، أو ظالم مستبد يكره ما من شأنه أن يحد من غلوائه وينزع مخالبه، ويجعله على صعيد واحد تحت مظلة الحق والإنصاف مع الآخرين،وقس على ذلك كل نزعة للشر والفساد، يريد أصحابها أن يجدوا لها مرتعا مترامي الأطراف،أو بالأحرى مستنقعا تتسع فيه وتتفاحش، وتبيض وتفرخ، فهي لا تعيش إلا في الماء العكر، لأن الماء الصافي الشفاف يفضحها ويكشف عوارها,
إن القول الفصل، هوأنه لا رحمة بلا دين حق، وشريعة صادرة من رب العالمين الذي وصف نفسه بالرحمن الرحيم،وسيظل العالم يتدحرج من عذاب إلى عذاب ما لم يغتسل في نهر الإسلام,
وهل يمكن أن تنسب هزيمة أمة الإسلام إلا إلى غياب التمسك بالإسلام؟ أم هل يمكن أن يفسر هذا الاضطراب المريع والفقر الشنيع على كل صعيد إلا إلى التجرد من حقائق الإسلام، وارتداء كل سربال بغيض من سرابيل الباطل المعاندة لتعاليم الواحد العلام؟

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *