Home»Islam»الثقة أولا

الثقة أولا

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه
الثقة أولا

بقلم: عبدالمجيد بنمسعود

إن من سمات المجتمع المسلم الكبرى، أن يكون، كما شبهه رسول لله صلى الله عليه وسلم – كمثل الجسد في تراحمه وتواده وتعاطفه. وإن الذي يجعل الجسد المسلم على هذه الشاكلة، إنما هو الإيمان بالله وما يرتبط به من أخلاق فاضلة، وقيم سامية، كالصدق والوفاء والأمانة والإتقان، والكرم والإيثار، وإغاثة الملهوف، وحب الخير للناس، استجابة لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه » (أخرجه الشيخان) وقوله عليه الصلاة والسلام: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا » (أخرجه الشيخان) فإذا تفككت لبنات البناء، أصبح ما كان بناء متماسكا متراصا، أشتات متفرقة مبعثرة، لا تقدم ولا تؤخر.
إن ما يعرض بناء المجتمع المسلم للزلزال، جملة أمراض، من قبيل الأنانية والأثرة، والغش والاحتيال، والمكر والخيانة والنفاق، والسكوت عن الحق والإحجام عن أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن خلقا واحدا من الأخلاق الذميمة، التي تشكل أعراضا لنفسية مريضة مهزوزة، يمكن أن يفعل الأفاعيل بالمجتمع، فالأنانية على سبيل المثال، لا تقف بمن ابتلي بها، عند حب « الخير » لنفسه، ولكن من شأنها أن تعدى به هذا الحد لتدفعه إلى البحث عن كل ما يجلب له المنفعة والمتاع، ولو كان على حساب الآخرين، وفي هذه الحالة يعبر الإنسان الذي هذه صورته عن تبلد في الإحساس وتلوث في الفطرة، ويصبح كائنا كريها قاسي القلب لئيما، همه في الحياة، التفنن في إتقان وتجسيد المقولة المكيافيلية في علاقاته مع الناس، فلا يترك وسيلة إلا ويستخدمها لإسقاط ضحاياه في شباك مكايده ومكره، ويتولد لدى هذا النوع في لحظة من لحظات الوهم، أنه قمة في الذكاء وحسن التعامل مع الحياة§ وهو، في الحقيقة، في غاية البلادة لو كان يعلم، لأن العبرة بخواتم الأمور.

إن مما ورثه فقدان خشية الله عز وجل ومراقبته في مجتمعنا – وهو وراء كل الأدواء – داء خطيرا وشرا وبيلا أحدث خلخلة وتفككا في بناء المجتمع، وباعد بين الناس، وجعل كل واحد على حذر من الأخير، وهو يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على عقد بيع أو شراء مع غيره من الناس، وبعد أن يفعل ذلك يداخله هم دفين، وشك قاتل من أن تكون الصفقة مغشوشة، وقد لا يمضي غير وقت يسير حتى تنكشف لديه أنه كان ضحية عملية نصب واحتيال محبوكة الخيوط. إنه داء عدم الثقة وطغيان الشك على علاقات الناس فيما بينهم.

إن عدم الثقة نار محرقة تأتي على آصرة الأخوة والتآلف والتضامن، التي من المفروض أن تنسج على أساسها شبكة العلاقات الاجتماعية في مجتمع عنوانه الإسلام. إننا لا نعجب إذا رأينا كثيرا من الشركات تصاب بالإفلاس وتنتهي إلى الطريق المسدود.. قال عليه الصلاة والسلام، معبرا عن هذا الأمر الذي يمثل قانونا اجتماعيا صارما، وحافزا إيمانيا محركا لأولي الألباب: « أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر، فإذا خان أحدهما الآخر، خرجت من بينهما ».
إن مما أصبح اليوم جاريا على كل لسان، الشكوى من استفحال البطالة وتوقف عجلة التنمية. ويستغرب الناس هذه الأوضاع الصعبة التي تمسك بخناق المجتمع وتشل طاقاته. والحال في حقيقة الأمر لا تدعو إلى الاستغراب والعجب، لأنه إذا عرف السبب بطل العجب، والسبب، على مستوى البناء الحضاري معروف، مشهود الأعراض والآثار.
إن البعد عن منهج الله والانسلاخ عن منظومة القيم الفاضلة والخصال الشريفة. فالله سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نلزم التقوى ونكون مع الصادقين، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} (التوبة 119). ويأمرنا بالتعاون على البر والتقوى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} (المائدة 2).
إن مفتاح باب التنمية الذي لا يفتح بسواه في مجتمع المسلمين، هو الإيمان والتقوى. يقول الله تعالى: {ولو أن أهل التقوى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض} (الأعراف 96). والإيمان والتقوى يفترضان الأخذ بكل الأسباب التي تفجر ينابيع الخير في هذا الكون الذي سخر لنا سبحانه كل ما فيه من طاقات وخيرات.
قد يقول قائل: لماذا الأوربيون والأمريكيون واليابانيون متقدمون؟ وعجلة التنمية عندهم تدور وتنتج الخير الوفير؟ رغم أن هؤلاء القوم على كفر وضلال؟.. والجواب الذي يزيل اللبس ويحرر العقول من الوهم، هو أن تلك الشعوب عرفت بأن هذا الكون تحكمه أسباب ويسير بمقتضى سنن ونواميس مقدرة، فسارت في مناكب الأرض محترمة تلك السنن، ومن ذلك، أن هذه الشعوب عرفت أن تحقيق مطلب التنمية، لا بد أن يستند إلى جملة من الضوابط والأخلاق التي يجب أن يحترمها الجميع، كاحترام الوقت وتقديس العمل، واحترام قيمة الإنسان وصون كرامته، وضمان ما يرتبط بها من شروط كالحق في الشغل والحق في التعبير عن الرأي، وما إلى ذلك من الصفات التي ترتفع بها معنويات الإنسان، ويحس أنه مكرم في بلده ويحسب له حساب ويعطى له اعتبار. لقد آمن الغربيون بكل ذلك انطلاقا من تمسكهم بمتاع الحياة الدنيا، وأيقنوا أن إهماله موجب للتخلف والإخفاق. فإذا رأيت الإنسان الغربي يحترم الوقت ويصونه عن التبذير، ويقدر العمل أيما تقدير، ورأيت دول الغرب لا تردد في تمتيع العمال المهاجرين بحقوقهم كاملة شأنهم في شأنهم مع مواطنيهم وبني جلدتهم، فاعلم بأن الدافع إلى ذلك هو الحرص على الحفاظ على وتيرة التقدم سائرة وعجلة النمو دائرة.
أما نحن الذين شرفنا الله سبحانه وتعالى بالإسلام وجعل العمل عندنا عبادة وطلب العلم عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل وينال بهما عز الدنيا وفلاح الآخرة، فقد أدرنا ظهورنا لكل ذلك وإنها لمن العجب العجاب أن تحرك حوافز الطين أهل الغرب إلى تحقيق مجد الدنيا، ونتخلف نحن عن الاستجابة لحوافز الدين المؤدية تعاليمه ومنهجه إلى سعادة الدارين. لقد سادت فينا أخلاق الغش والكذب والخديعة وأكل عرق العمال وهضم حقوقهم، وهان عندنا الإنسان حتى أصبح يهان أمام الملأ ويضرب في الشوارع، وكممت أفواه الناس عن النقد وقول الحق، وأرخي العنان للفسقة الفجرة ليفسدوا أخلاق الناس، باسم حرية الفن والإبداع.
وبعد ذلك نتباكى على التنمية التي ضاعت، ونتأفف من التخلف الذي أصبح قدرا مقدورا في ديارنا! ما أجد كل واحد منا أن ينصت بإمعان لصوت عاقل يخترق سمعه وهو يقول: « يداك أوكتا وفوك نفخ »، وان ينصت قبل ذلك وبعده، بعمق واعتبار، إلى قوله تعالى: {اوكلما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم} (سورة؟؟؟ الآية).
إن الصورة التي أصبحت تترسخ يوما بعد يوم في أذهان الناس، في مجتمعاتنا هي صورة إنسان يتوقع في كل لحظة أن ينقض عليه آخر، أو يحتال عليه، فيسلبه ماله ومتاعه. إن الشعور الذي أضحى قائما في نفوس كل الناس، هو شعور الحيطة والحذر من أن يسقط في كمين ما أو ينطلي عليه مكر أحد الماكرين.
إنه لا مجال لإقلاع أمتنا الإسلامية من جديد لبناء القوة، إلا بإعادة بناء الثقة ، ولا مجال لبناء الثقة، إلا بتجديد معاني الإسلام في النفوس، ولا مجال للتجديد ما لم توفر شروط التجديد، وعلى رأسها العلم والعدالة وحرية الإبداع، في ظل ضوابط الإسلام ومنهجه القويم

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. ادريس
    17/02/2009 at 22:33

    شكرا على هذا المقال المتميز و ارجو تصحيح الآية الكريمة **ولو أن أهل التقوى آمنوا واتقوا …** بالآية:*** ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا …** وشكرا

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *