مغرب 2008 ….. في حاجة إلى نخب جديدة وقوية لتحقيق مغرب العهد الجديد
بحلول السنة الميلادية 2008 سيكون قد مر على التعديل الدستوري الأخير بالمغرب أكثر من اثنتي عشر سنة، هذا التعديل الذي مهد للانتقال الديمقراطي كما مهد لنوع من المصالحة مع ما كان يسمى حينها بالحركة الوطنية أو المعارضة التي أضاعت مع الدولة على المواطنين أربعة عقود من السجال والمتابعات و الإكراهات الاقتصادية ناهيك عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان… المؤكد أن المغرب كان في غنى عن كل هذه المتاهات لو انتصرت الحكمة في المصالحة بين قطبي الدولة والحركة الوطنية، ومع ذلك فلا وقت للرجوع إلى الوراء، باعتبار أن التعديل الدستوري مكن من تجسيد أول مصالحة بوصول ما أصبح يصطلح عليه بداية بحكومة التناوب لتصبح لاحقا حكومة التناوب التوافقي، وهي الحكومة التي مهدت بسلاسة فائقة الانتقال من عهد المرحوم الحسن الثاني إلى مغرب العهد الجديد مع جلالة الملك محمد السادس.
وإذا كانت هذه المعطيات توضح أن التعديل الدستوري الأخير قدم خدمات جليلة للمغرب فإنه بالمقابل حان الوقت لتقييم المرحلة وفسح المجال أمام مراجعة الذات للوقوف على التعثرات الموضوعية التي ما فتئت تعرقل الانتقال الديمقراطي الحقيقي، فالأحزاب المغربية في واقع الحال لم تواكب المرحلة، واكتفت أقطاب المعارضة بالجري وراء الحقائب الوزارية وتوزيع الغنيمة الحكومية مما أدى إلى تشتت المشهد السياسي وتفريخ أحزاب جديدة عوض التكتل في أقطاب حزبية قوية، كما أن الأحزاب المنادية بالديمقراطية لم تستطع فسح المجال لانتقالها الديمقراطي الحقيقي مادامت تكرس زعامات مؤبدة وقيادات سياسية هرمة لم تسمح بعد بتكوين جيل جديد من القادة داخلها أو نخبة سياسية تواكب التغيرات، رغم الإحالة الإجبارية لبعض القيادات التي فضلت الحقائب الوزارية على التقاعد وتقديم الاستقالة من تسيير بعض المكاتب السياسية كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الاشتراكي في شخص كاتبه الأول محمد اليازغي ونائبه عبد الواحد الراضي، ورغم ذلك فإنه لا يمكن بعد الحديث عن نخب سياسية جديدة، سواء داخل هذا الحزب الذي أرغمت زعاماته على تقديم الاستقالة أو الأحزاب التي لا زال ينخرها التسيير الهرم والمريض…
وإذا كان الانتقال الديمقراطي بالمغرب قد فسح المجال لمد جسور التفاهم بين الدولة أو المؤسسة الملكية وأقطاب الحركة الوطنية فإن الفراغ الذي تركه انتقال المعارضة إلى دواليب الحكم أفرز تيارات جديدة أكدت أن الطبيعة لا تقبل الفراغ كما كشفت موضوعيا فشل الأحزاب الوطنية في تحقيق أهدافها التناوبية في فترة ما بعد حكومة 1998.
وما بين الدولة وأقطاب الحركة الوطنية ضاعت النخب المكونة للمجتمع المدني، فالانخراط السياسي ظل محتشما رغم المحاولات الحثيثة لاستقطاب الشباب الذي فهم أنه لن يصل إلى مراكز القرار ضمن التشكيلة الهرمية الديكتاتورية لزعامات الأحزاب، ولعل هذه المنحى هو الذي بات يولد انخراطات انتهازية للظفر بالمناصب أو الوظائف، وفي حالات أخرى فسح المجال أمام تفريخ أحزاب معارضة لم تنبثق سوى من رحم المعارضة ومن أحشاء هذه الأحزاب التي لم تستطع أن تستوعب ظرفية المرحلة ودقتها خصوصا مع تنامي ظاهرة الإرهاب وبروز التيارات المتشددة التي باتت تجد لها فضاءات مناسبة في الدول العربية التي أصبحت مصانع لتفريخ الإرهاب…في غياب أي إصلاح ديمقراطي من الداخل.
وما بين البحث عن حقيقة الانتقال الديمقراطي ومكان داخل حلبة المجتمع لازالت النخب المغربية تجتر نفسها، بين المزايدات الإعلامية والخرجات السياسية غير المحسوبة العواقب ليتضح مرة أخرى أن الظروف الموضوعية للانتقال الديمقراطي في العهد الجديد لم تتحقق بسبب تعثر النخب السياسية المغربية والثقافية في مواكبة الانتقال السياسي أولا، وفي عدم قدرة الأحزاب السياسية على صناعة مشهد سياسي يواكب الظرفية التاريخية للبلاد ثانيا.
إن المطلوب في الوقت الراهن لتحقيق نجاح الانتقال الديمقراطي والسياسي بالبلاد هو نضج عقلية سياسية وثقافية جديدة تفكر في المستقبل و الإستراتيجية الاقتصادية عوض أن تبقى لصيقة مهووسة بالحسابات الماضية، نخب شابة ومكونة قادرة على عكس طموحات 2008 وما بعدها وليس نخب برجع الصدى وانكسارات الماضي و إحباطا ته…ولاشك أن فسح المجال لهذه القيادات الشابة كفيل بتجاوز التعثرات ومتابعة القضايا الكبرى المعاصرة، وعلى الأقل لن تسمح بإفلات ناهبي المال العام إن لم تستطع القضاء كليا على معالم الرشوة والزبونية وزواج السلطة بالمال…
لكن الحديث عن هذه النخب الفاعلة في المجتمع والمتفاعلة معه لا يمكن أن يتجسد دون إرادة سياسية حقيقية للدولة ولأقطاب الحكومة، فالإصلاح لابد أن يبدأ من داخل الأحزاب المغربية قبل أن تفرضه ترسانة قانون الأحزاب الجديد، لأننا في واقع الأمر سنكون أمام مشروع إصلاح مفروض من الخارج على غرار ما يعرف بمشروع الإصلاح العربي أو مشروع الشرق الأوسط الكبير…فهل تفهم الأحزاب والنخبة هذه المعادلة؟.
هذا ما نتمنى أن تكشف عنه سنة 2008 .
tzahreddine@menara.ma
4 Comments
حفظك الله يا أستاذ زهر الدين فكلامك موزون و حجتك مقنعة ..لذلك ندعو صاحب الموقع إلى الاكتفاء بنشر مقالاتك و مقالات القليل من الكتاب الموضوعيين اما المهرجون فلا حاجة لنا بهم.
ليت الاخ المسؤول يغلب الحكمة على العلاقة و يأخذ بهذا الرأي
bravo mon prof tu es le meilleur bonne continuation et merci pour c articles qui touche au fond encore merci moi j été votre élève et vous étiez un symbole pour moi
كلام رهز الدين جميل و لكن ننتظر منه هو أيضا أن يرفع من مستوى جريدته
مغربصحيح المغرب محتج لنخبة صادقة مستقلة غير وصولية ملتحمة مع هموم شعبها وفية لمبادئها نخبة يصدق فيها (وما بدلوا تبديلا. للأسف الشديد بعض المناضلين السابقين اختفوا تحت جلباب السلطة وأصبحوا يرددون كلامها ويدافعون عنها في كل المحافل والمنابر والجرائد !!! وبعض آخر يقول ما لا يفعل. المغرب محتاج لتحرير الإعلام السمعي والمرئي وذلك لبسط نقاش مفتوح وصريح في كل القضايا: السياسية والفكرية. محتاج كذلك لإصلاح سياسي عميق تنخرط فيه كل القوى الحية بدون استثناء ولا إقصاء. ف 7 شتنبر 2007 كانت نذيرا والتقارير الدولية والوطنية في مجال التنمية البشرية تؤكد ذلك. وبالتالي على الغيورين على مستقبل المغرب أن يتعاونوا وأيبتعدوا عن الشوفينية والحزبية الضيقة والحسابات والمصالح الآنية ويحددوا هدفهم ويصدقوا مع وطنهم وشعبهم. والسلام