إطلالة على التربية و الأخلاق
إطلالة على التربية و الأخلاق
"اطبع الطين ما دام رطبا و اغرس العود ما دام لدنا"، هكذا يقول باب الحكمة سيدنا علي كرم الله وجهه؛ و هكذا دواليك أعطانا آباؤنا جرعات من التربية و الأخلاق-
أخلاق كثر الحديث بشأنها في زمان عرف بالعودة إلى الدين- و تربية قد يشوبها كثير من الغبش في محيط لا يتناسب معها أو العكس- و لعل الملاحظ الفطن يلاحظ المفارقة و الهوة الواسعة بين مبادئ التربية و الأخلاق من جهة، و الواقع المعيش من جهة أخرى- بل إن أكثر الناس معاناة مع الناس أولئك الذين يتصفون بالأخلاق أو الذين رضعوا على الأقل من ثدي التربية الحليب الصافي-
و لذلك ربما قال رسول الفطنة و الحكمة ׃"خيركم من يخالط الناس و يصبر على أذاهم"٬ نعم إذا لم نستوعب هذا الاعتبار فسيؤول بنا الحال في الأخير إلى الانزواء في الأركان و نكتسب بالتالي عقدة اللااجتماع أو تحديدا ما يعرف بالنفور و الخوف من مخالطة الناس و هو ما ينعت باللغة الفرنسية
La phobie sociale
كم هو سهل ان تقاطع الناس٬ كما هو بسيط أن لا تشارك و أن لا تنتخب مثلا٬ و لكن الأصعب هو أن تجتهد و تخالط "فلا تسبوا الظلام بل أشعلوا شمعة" كما يقال!
و كم هو بديهي أن يقال إنا مسلمون ولدينا أخلاق!ـ و لكن ليس كل ما يقال يصدق!!
من هذا الأخير نبدأ و لكن لن نعود للسؤال هل نحن مسلمون؟؟ أو على الأقل عرب!٬ و دواليك السؤال مغاربة!؟
إنما الإشكال و بيت القصيد عن التربية و الأخلاق إذن- ما قيمة التربية والأخلاق؟، و كيف يمكن العيش معها و بها في هذا الوقت؟٬ و هل هناك مبرر لانتفائها؟؟
فالأمر في نظري لا يتوقف على سرد طروحات و تحليلات بشان التربية و الأخلاق بقدر ما يجب التنبيه و التركيز على كيفية و إمكانية عيشها في هذا الوقت٬ و في محيط ربما نتن٬ أو لنقل بكل احترام و مسؤولية مستنقع خاص- ذلك انه لا يتضح لنا ظلام الحجرة التي نحن فيها إلا إذا انقشع النور- كما أننا لا نعرف أنفسنا من نحن إلا برؤية دواتنا في غيرنا-
المعنى الأكثر جلاء و هو أننا لا يمكنا بالبتة معرفة الجو الذي نعيشه و ما بنا من حال إلا بالخروج خارج الوسط الذي نحن فيه، و لذلك دعانا المولى عز و جل للسياحة الشرعية قائلا׃" قل سيحوا في الأرض فانظروا"٬ و قد تكون كناية أيضا على السفر الذي قال عنه علي كرم الله وجهه انه ميزان الأخلاق
اجل "السفر ميزان الأخلاق"٬ كما أن "المؤمن يعرف بالحك" كما اخبر الصادق و هو على خلق عظيم -فالذي يتحدث عن الدكتور المنجرى عندنا مثلا، يجب أن يعلم انه قضى ثلثي حياته في أسفار العلم و البحث و العمل- فهو عندما يتكلم يعطي عصارة تجربة لا أشعار شاعر كان قد نعته بما لا يحق-
و الدكتور القرضاوي كذلك عندما يفكر و يجتهد في مسالة أو معضلة يعيشها المسلمون في كل مكان ليس طبعا ذاك الذي لا زال في بطانته الدافئة و عمامة يديرها على رأسه عدد مرات الأزمات التي في عقله و من فوقها صفر اسود يوحي برواية رجال تحت الصفر!!!
المهم هوالخروج إلي الخارج٬ أي خارج المحيط الذي نوجد فيه- و حبذا لو نكون في مقام أعلى كي نرى الرؤية الشاملة الكاملة و هو
Travelling cinématographique
كما أن هذا الخروج قد يكون لمقام آخر غير ذلك مثل التجربة السابقة للدكتور منير شفيق في الماركسية فهو الآن تجاوزت كتاباته العشرات في الفكر الإسلامي و هو عندما يعالج مسالة ما فليس كمن تلقن من الكتب!-
أعجبتني هذه اللفظة "التلقن من الكتب"، عندما كان يكررها على مسامعنا الشريدة في المهجر إمام جزائري في تولوز و قيل انه كان يحظر الدكتوراه بجامعة الأزهر- فلما حصل و أن طلبه للضرورة احد الأصدقاء بعد الصلاة في المسجد، بدا يفقه و ينظر؛ حتى أوقفه الصديق قائلا و لكن يا شيخ طلبي هذا هو مجرد ورقة شكلية ليس إلا و أنا اطلبها فقط لمباشرة ترتيبات إدارية و شكلية ليس إلا؛ و" ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها" فبهت و انقشع الشيخ و صاح׃" إذا كنت أنت مضطرا فانا لست ملزما"ـ و انصرفنا بأدب لكي يتتبعنا يرجو منا التريث؛ قلت لصاحبي هيا بنا لقد خسر صاحبنا في الامتحان
نعم امتحان الأخلاق؛ و هو لا يجرى في القسم بل ميزانه السفر و المخالطة و رتبه الفطنة و الحكمة و السمت۰
كما لا يجب الانخداع بالمسميات و المظاهر٬ فلو تلقن احد من كان العلم ـلنفرض جدلاـ داخل الكعبة المشرفة حتى٬ و على ايدي الخلفاء الراشدين الأربعة!! ما زاده دلك عند الله إلا مسؤولية٬ و عندنا احتراما و وقارا لا أكثر و لا اقل ـ// يعني أن اكتساب العلم من المفروض أن يصبغ صاحبه بالأنة و له أن يسمع من كل الناس و أن يناقش بفطنة و صبر حتى لا ندخل في متاهات التحامل على الأشخاص٬ الذين نريد تقديسهم بشكل من الأشكال٬ تحت طائلة أنهم مرشدوا زوايا أو أننا وليناهم و عليناهم منصب العالمية ولا ادري كل هذا يحصل مع أن الكل سواء يأكلون الطعام و يمشون في الأسواقـــــــــــــــ •
و نعود للأخلاق حيث إذا ذهبت؛ ذهبت الأقوام معها كما يقال و لكن أي أخلاق؟
حقيق انه كما قال علي كرم الله وجهه "لا تقسروا أولادكم على آدابكم- فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"
لقد أوردت آنفا في مقال "الخوف و الخصاصة" المقطع التالي׃
"غير انه لفت انتباهي قولهم ما مفاده انه لا يوجد لدينا منصب في مستواكم في الوقت الراهن- قلت يا لبلاغة الاحترام – لذلك احتفظ بجواباتهم مكتوبة كي ادرس من خلالها المبادئ العامة للأخلاق لأولادي- "
كما قلت في مقال" قراءة في وفاة إدريس"
و نحن كبار فلم نجد جوابا لذلك إلا في سؤال سيد قطب هل نحن مسلمون بل أحبذ من جهتي أن اتسائل أولا هل نحن عرب سؤال أردته لا للتفاخر بالأنساب و لا للخوض في الامازيغية لان الأولي بدعة جاهلية و الثانية كوني امازيغي لا يعني انحصار عقلي في وسيلة اللغة- بل أردته لمعرفة من نحن من الأساس"
فإذا أخدنا موقعا معينا و عرفنا من نحن ستعرف الأخلاق بالتتابع طريقها إلينا، إنما العبثية و الفوضى العارمة التي تتصف بها سلوكاتنا لا يمكن فيها الحديث عن التربية و الأخلاق-
فاجئني أيضا مسئول في التيار الإسلامي يشبه حزبه أمام القناة الفرنسية يقول إننا مثل الكاثوليك الديموقرطيون بأوربا، لا ادري إن كانت مقارنة اللامقارن هي الأخرى رتبة من رتب الأخلاق أو كما قال القلم البتار رشيد نيني أن قول أنني فرنسي أصبحت عندنا مهنة ناجحة و أضيف يرض بها عنا لملاحظون و المحللون-
السؤال عن أخلاقيات قوم هو الذي يبرهن فعلا الانتساب أو لنقل إنسانية الإنسان هي عملة إسلامه بحق قولا و فعلا و لقد قالوا عندنا لنغير سلوكنا مع أن فاقد الشيء لا يعطيه و قولهم هذا لا يصلح ما أفسدته القرون قرون كنا أمواتا فيها نذكر الأموات كما يقولون وفقط و حرام علينا أن نخوض فيما قالوا أو فعلوا –
نعم " العقل غريزة تربيها التجارب"، و من يكون قائلها غير باب الحكمة علي!!- و لقد حدث و أن حشرتنا التجربة يوما من الأيام مع قيدوم الجالية المسلمة باستراسورغ- و الذي كنا نعيب عليه نحن الأطر العرب المسلمون عدم حضوره لجلسة افتتاح دورة تدريس حقوق الإنسان، لكي اكتشف فيه من بعد عدم الالتزام أكثر مني أنا قيدوم نفسي و فقط/؛ و شاءت الأقدار كي نسمع يوما كذلك من فوق منبر الجمعة قيدوم الجالية المسلمة في بادكالي يقول بالحرف "إن الإيمان وحده لا يؤكل"٬ لكي افهم بعد مجالسته انه خريج كلية الاقتصادـ
فاذا كان لا يلتزم دكتور التاريخ و الآخر يقرا الإيمان قراءة مادية اقتصادية٬ ما عسانا اذن أن ننتظر من لأجيال؟؛ لقد بنينا مساجد كثيرة ولكننا نفتقد لرجالاتها حقا و فعلا أولئك الذين ينقلون الأخلاق الصافية البهية بإخلاص و حكمة و أقول بحكمة لأنه هنا فقط كما قال القيدوم الأخلاق وحدها لا تهضم۰
سمير عزو
من فرنسا
Samir.azzou@caramail.com
2 Comments
مقال متميز فعلا كم هي الهوة كبيرة بين المسلمين اليوم وبين الاسلام ادا نظرنا الى المساجد كم هي ممتلئة لكن المعاملات بعيدة كل البعد عن روح الدين لايستثنى في دلك الفقيه وغيره اننا نعيش فعلا في تناقض مع ابسط امور الدين فمن يرى احتكار السلع في الاسواق واليمين الكادب والمضاربات العقارية والغش في العمل وتفشي الربا والفساد …وغير دلك يستغرب مادا كان الناس يفعلون في المسجد هدا عن الناس العاديين اما العلماء الدين يفترض فيهم قول الحق دون خوف فنراهم لا يجرؤون على اكثر المواضيع خطورة كمسؤولية الدولة في تفشي الربا مثلا فهم يكتفون بالقول ان الربا حرام لكن لا يفتون بان ما يقوم به المسؤولون من تشجيع لها هو اصل الحرام هده بعض الامثلة فقط من امثلة كثيرة في واقع المسلمين تبعث في النفس الما و حزنا كبيرين….ما اكثر المساجد وما اكثر الوعاظ وما اكثر الدروس التي تلقى لكن الادان بها صمم والقلوب كالحجر ولا حول ولا قوة الا بالله.
يقول الشاعر المصري الكبير : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت /// فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
صدق الشاعر ، وصدقت أيها الأخ الكريم سمير عزو ، إننا في عصر الفتن والتكالب والجشع ، أهملنا أصولنا ومبادئ شريعتنا السمحة لنهوي في القاع . فلا أسرة تقوم بواجباتها التربوية ، ولا مدرسة ترعى الناشئة ، ولا شارع إلا لذوي العاهات العقلية : انحراف وتشرذم وفحش وزنا وربا وما غلى ذلك من أفعال الشيطان ، وندعي التحضر والتمدن . سبحان الله ولا إلاه إلا الله .