Home»International»أبعاد مفهوم الأقليات ـ د.محمد البشاري

أبعاد مفهوم الأقليات ـ د.محمد البشاري

0
Shares
PinterestGoogle+

أبعاد مفهوم الأقليات ـ د.محمد البشاري

الأقلية مفهوم استفزازي: ليس مصطلح "الأقلية" و"الأقليات" مصطلحا حياديا… إنه مصطلح استفزازي، بمعنى أنه مثير للتمايز المزدوج. فمن جهة الأكثرية يعزز المصطلح / المفهوم شعور بالفوقية والاسترخاء في نرجسية راضية عن الذات، مطمئنة إلى سلطانها وهيمنتها، لكنه في الوقت عينه يبعث على "الاسترابة" بالآخر والتشكك فيه. أما من جهة الأقلية نفسها، فالمصطلح / المفهوم يثير الإحساس بالدونية والقلق على الذات والمصير، والرغبة في الاحتياط من خطر الذوبان، أما الاجتياح، أو الابتلاع… وهو خطر قد يكون حقيقيا، وقد يكون ممكنا أو متخيلا أو موهوما… كما أنه محفز للبحث عن ملجأ أو حماية داخلية أو خارجية.إنه من أكثر المصطلحات اكتنازا بمغريات الفتنة والواقعية… والتعريض عليها، فيه ثمة تذكير دائم "باللاأمان" الاجتماعي والسياسي والوجودي والاعتقادي، وبالتالي فهو مفاعل تقسيدي، أو ممانع للحمة، أو قابلية اختراقية.في ديننا ومشروعنا الحضاري، لا وجود لمصطلح / مفهوم الأقليات بالدلالات القانونية والسياسية والثقافية المتداولة منذ حقب، فلم يعرف بين ظهرانينا إلا في القرن التاسع عشر، وفي ظل الدولة العثمانية. وكان العالم العربي هو الذي دس هذا المصطلح / المفهوم ليهون من شأن "الأقليات" – أي غير المسلمين- ويصورهم بوصفهم ضحايا ظلم الأكثرية واضطهادها، وأنهم بالتالي يحتاجون إلى الحماية من الخارج، وبخاصة من الدول المسيحية.[1]لذلك لم يكن مستغربا أن تجعل قضية الأقليات مطية أو ذريعة للتدخل في شؤون الأمن بحجة الحرص على حماية تلك الأقليات، والدفاع عن حقوقها المنتقصة أو المنتهكة الأقلية، في هذه التعريفات، كيان مستقل متميز عن الأغلبية الساحقة لعموم الشعب- وأبرز معالم الأقلية عصبيتها ورفضها الاندماج في الأكثرية التي تفقد فيها- إن فعلت- كيانها المستقل، وقد لا تكون الأقليات دينية فحسب، بل يمكن أن تكون ثقافية ولغوية وعرقية أيضا، وربما ابتنت على أساس اقتصادي.والرائج أن الأقليات موسومة بالاستضعاف والمظلومية والحرمان، وبأنها في موقع مضايقة واضطهاد وهيمنة، وليست هذه بالطبع حال بعض الأقليات التي نجحت، لأسباب كثيرة ومعقدة ومختلفة، لا مجال لذكرها، في احتواء الأكثرية والاستيلاء على مقدراتها وقرارها، بل في تذويبها أحيانا، ذلك خلافا للقانون العام القائل بحتمية ذوبان القلة في الكثرة.فلطالما عرف التاريخ دعوات ورسالات احتضنتها قلة في البدايات، حتى استطاعت في النهاية أن تتحول إلى كثرة، كما عرف التاريخ أقليات ثقافية واعتقادية وسياسية، ظهرت في بوتقتها أكثريات غفيرة، كما فعل العرب والمسلمون في شبه الجزيرة الإيبيرية. وقد شهدت الأزمنة المتأخرة هيمنة أقليات على أكثريات، كما كانت الحال في إفريقيا الجنوبية (روديسيا)، أو كما هي الأقلية المسيحية في السنغال … إلخ.بمعنى آخر، ليست الأقليات، دائما، هي الجماعات المظلومة والمستضعفة، وليست دائما في حالة الحرمان، ولا في موقع الاضطهاد والامتهان.ثم أليس غير المسلمين أفضل حالا من المسلمين في المجتمعات الإسلامية؟ ولقد حفظ الإسلام – عبر التاريخ- حقوقهم، بل إنهم- أي أهل الذمة بمفهومها الحقيقي- من هذا المعيار، هم الأقرب إلى المسلمين، بل هم معقد حرصهم واهتمامهم والتواطن معهم. ولا نحسب أن أحدا في ذلك الوقت من عمر الإنسانية ومن مستوى الوعي بالآخر، قد بلغ هذه المرتبة في تقديره لمن هم على غير ملته. أهل الذمة بين التشريع وممارسة التاريخ الإسلامي:فرغم أن هذا التكريم الاستثنائي المتجسد في مصطلح "أهل الذمة"، فإن هذا المصطلح- كما ذهب إلى ذلك الدكتور سمير سليمان وهو يعيش في وحدة لبنان الطوائف الدينية عن جهل أو عن سوء نية، أو عن سوء تصرف، إلى حملات تبكيت وتشويه وتنذر، توحي بأنه يعني تحويل غير المسلمين إلى مواطنين ثانويين، والحط من قدرهم… إلى حد اعتبارها إهانة… وهذا حقهم.المهم، اليوم، من مصطلح أهل الذمة، قد بات مشكلة لا بد من أن يكون تطبيعيا اجتماعيا، وما عاد صالحا للتداول… وقد أصاب الأستاذ فهمي هويدي عندما اقترح عنوانا لكتابه الذي عالج الظاهرة، هو "مواطنون لاذميون" فلا يصلح أن تسمي إنسانا بما لا يطيقهن أو بما يستفزه.هذا ليس معناه إلغاء أحكام "أهل الذمة" بين الحقوق والواجبات كما جاء به التشريع الإسلامي، وإنما هو محاولة لتقريب مفاهيم المواطنة في المنظور الإسلامي، وهذا ما أصل لذلك فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وهو يعالج هذه الظاهرة في كتابه القيم "غير المسلمين في المجتمع الإسلامي". حقوق الأقلية غير الإسلامية في الإسلام:إن التشريع الإسلامي عندما ظهر- ولا يزال- أخذ بفطرة الإنسان وميله إلى الحرية- في مفاهيمها البعيدة- فأقر بذلك نصوصا –من الكتاب والسنة- وجعل فقهاء الإسلام – عبر العصور- أحكاما لتنظيم حياة المجتمع الإسلامي بتشكيلاته العرقية واللغوية وتعدد المعتقدات.ويمكن تلخيص أهم حقوق الأقليات الدينية في الإسلام إلى:أولا: حريتهم في الاعتقاد وفي ممارسة شعائرهم الدينية، والالتزام بأحكام دينهم في ما يتعلق بسلوكهم الخاص وأحوالهم الشخصية من زواج وإرث ووصايا ونحو ذلك.ثانيا: حمايتهم من أي اعتداء أو ظلم خارجي أو داخلي يهدد حياتهم أو أعراضهم أو أموالهم.ثالثا: حريتهم في العمل والكسب ومزاولة ما يختارون من المهن الحرة وألوان النشاط الاقتصادي.رابعا: حقهم في تولي وظائف الدول ما عدا تلك التي لها مساس بالعقيدة
والنظام الإسلامي، عموما جواز ذلك في وزارة التنفيذ[2].خامسا: شمولهم بالرعاية الاجتماعية العامة وتمتعهم بها كسائر رعايا الدولة الإسلامية الآخرين من المسلمين. ورقة "الأقليات" في الخطط الاستعمارية:إن مفهوم الأقليات الدينية أو العرقية لا يظهر فعليا، ويكون ذا تأثير، إلا ومرتبطا بمشاريع الدول الكبرى الهادفة إلى استعمار المنطقة والقضاء على الخلافة العثمانية[3]. فلقد كانت مسألة التمايز الثقافي والديني محل استخدام القوى الاستعمارية على أوسع نطاق، فبعثت المسألة القومية، بوصفها تعبيرا عن التمايز الثقافي بين الأجزاء المكونة للمجتمع الإسلامي، وبعثت الشخصية الدينية تعبيرا عن التمايز الديني بين الجماعات التي يتألف منها هذا المجتمع، ولعبت الإرساليات التبشيرية دورا كبيرا في الجانبين معا. وواضح، في الجانب الأول، دور الكلية الإنجليزية السورية في بيروت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وفي الجانب الثاني يظهر دور الجمعيات التبشيرية اليسوعية إلى جانب دور المستعمر نفسه، مباشرة أو بشكل غير مباشرة، في بعث الروح الانفصالية للجماعات التي كانت لا تزال تشكل أحد العناصر الأساسية المنصهرة في بنية المجتمع الإسلامي.لم يتجاوز حرص المستعمر، في ذلك، حد البحث عن موطئ قدم أو جماعة في الداخل يجري الاستناد إليه. فقد تمكن البريطانيون من أن يقنعوا الدورز في جبل لبنان بأنهم منقذوهم، وتمكن الفرنسيون من استمالة العلويين في الساحل السوري فيما شكلت الجماعات الدينية الأخرى أرضية أرحب لاستقبال الوافدين الجدد على المنطقة.وفي الجانب الآخر، قامت سياسة فرنسا، في شمال إفريقيا، منذ مطالع القرن التاسع عشر على أساس توسيع الهوة بين العرب والبربر وتعميقها. وفي هذا الإطار جرت محاولات لربط البربر بالحضارة الأوروبية المسيحية، سواء من الناحية الثقافية بإنشاء المدارس والتخصصات التي تفي بهذا الغرض، أم من الناحية التشريعية بجعل الأعراف البربرية قانونا يجري الاحتكام إليه.وغذت بريطانيا مشاعر الانفصال عن العثمانيين عند الأكراد، ودفعتهم إلى التحالف معها ضدهم.ولا تزال، حسب اعتقاد سام عبد المجيد، مثل هذه الأمور تجد إلى يومنا الحاضر أدواتها ومسالكها ومنطقها، وربما تمثلت هذه النماذج في وقتها الراهن بالنموذج الإسرائيلي، فقد عرف الفكر الصهيوني منذ إنشاء الدولة العبرية عدة مشاريع تفتيت على القاعدة نفسها. ولما كانت إمكانية التقسيم على أساس ديني وطائفي هي الأكثر ورودا، فإن هذا الكيان سيستفيد من تشريع وجوده على أساس دسني (مشروع ديفيد بن غوريون سنة 1954 لتقسيم لبنان مثلا). واليوم يبحث الدول الإسرائيلي عن مكان على الأساس نفسه:"دعم أكراد العراق، ومتمردي جنوب السودان، والدول الإسرائيلي إبان الحروب اللبنانية".لقد عبرت صحيفة "هارتس" الإسرائيلية عن هذه الحقيقة بدقة في مقالة في عددها الصادر يوم 20 حزيران سنة 1982 (قبل ثلاثة أيام من اجتياح لبنان):"إن تفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة فكرة تشغل بال إسرائيل، بل إنها إحدى نقاط إسرائيل الإستراتيجية التي تفكر بها دائما".وهذا الاتجاه مؤكد في أكبر وأحدث موسوعة عن الأقليات في العالم قام بها "معهد الولايات المتحدة للسلام" وبمشاركة "برنامج جينتجر راندلوف للسلام الدولي" والذي يقر في أولى صفحات التقرير:"يعد البوسنيون، والأكراد، والأفارقة السود في جنوب إفريقيا هم الحالات الأكثر بروزا من بين أكثر من مائتي أقلية دينية وعرقية وأغلبيات ثانوية في كل أنحاء العالم.ويثور جدال حول شروط "إدماجهم" في "النظام العالمي" وقدر عدد الجماعات الطائفية النشطة سياسيا- وأغلبهم من الذين يتعرضون للضرر حوالي 900 مليون مواطن في سنة 1990 أي حوالي سدس سكان العالم، وقد كافح ما يزيد عن خمسين شعبا من بين هذه الشعوب منذ سنة 1945 ونظموا احتجاجا متواصلا ومارسوا الإرهاب المتمرد في مواجهة الدول التي تحكمهم، وغذا "القوميون العرقيون" "Ethnonationalists" في إيتربا وكبيك على شفا الاستقلال وحصلت عشرة قوميات أخرى على الحكم الذاتي.وهذا هو أول تقرير شامل لمشروع "الأقليات في خطر" ويعرف ويصنف الفصل الأول – منه – 233 جماعة طائفية نشطة سياسيا".

حاجة الأقليات المسلمة إلى فقه خاص: بين الماضي والحاضر

فقه النوازل:يستعمل علماء الشرق الإسلامي مصطلح "الفتاوي" ، فنلاحظ لائحة من الفتاوي في "كشف الظنون" لعلماء الشام والعراق ومصر وغيرها من جهات الشرق العربي.ويقل عندهم استعمال لفظة "النوازل" وعندما نتصفح مؤلفات الغرب الإسلامي نجد المصطلحين معا يستعملان على السواء: الفتاوي أو النوازل، وربما غلب استعمال كلمة "النوازل"، الأحناف بدورهم، مثل نوازل أبي الليث السمرقندي، ولكن ذلك لم يصل إلى ما وصل إليه عنده المالكين في المغرب.ويغلب على الظن بادي ذي بدء أن الفتاوي تنصرف إلى ما يتعلق بالعبادات والإرشادات والنصائح والبحوث النظرية، بينما تهتم "النوازل" أكثر بمضمون المعاملات والخصومات التي لها ارتباط بالقضاء والمحاكم[4]، وهذا يظهر جليا في كثير من النوازل بعد سقوط غرناطة عند علماء المالكية بالمغرب العربي. خصائص فقه النوازل:إن لكتب "النوازل" –سواء منها العامة والخاصة- جانبا آخر هاما قلما يلتفت إليه، وهو الجانب الاجتماعي والتاريخي، فقد تتخيل النوازل وإشارات إلى أحوال المجتمع الإسلامي في هذه المنطقة من الغرب الإسلامي، من عادات وتقاليد الأفراح والأتراح، وأنواع الملبوسات والأطعمة، وحالات معينة من الحرب والسلم، والغلاء والرخص، والخصب والجدب، وانتشار العمران وتقلصه، وانتشار العدل والظلم بين أفراد المجتمع، إلى غير ذلك من الأحوال، مما يجعل من كتب النوازل مصدرا وثيقا وواقعيا للمؤرخ الاجتماعي كما هو الفقيه[5].ولذا كانت قضية مسلمي الأندلس- بعد سقوط غرناطة- تكتسح مساحة شاسعة في "فقه النوازل" جعلت العلمانيين من يطلب منهم الهجرة إلى بلاد الإسلام –المغرب- ومن يبحث لهم عن مسلك فقهيا لإمكانية العيش بين النصارى، عندما يتعذر – أولا- الهجرة إلى بلاد الإسلام، وهذه خاصية أخرى يتميز بها كتب النوازل في الفقه المالكي، لذا نضرب بعض الأمثلة.ـ كتاب المعيار للمونشريس، فمن الأمثلة التي تستلفت نظر الدارس للكلام على الحلف باللغات الأعجمية، مستدلا بقوله: "إن الاعتبار بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني، والكلام على حكم من غلب النصارى على بلده ولم يهاجره…"ـ وهناك نوازل أخرى، مثل جواب حفص الفاسي السلطان حول: "الاستعانة بالكفار في أمور الجهاد".ـ ورسالة "صرف الهمة إلى تحقيق معنى الذمة" للمسناوي.ـ في باب الرهن من نوازل العلمي[6] وجدت هذه المسائل: ما هو حكم من رهن قريبا له، أو عبده، أو أجنبيا عند كافر؟ وكان الجواب" لا يجوز رهن المسلم عند كافر إلا لمصلحة عند المسلمين. وغيرها من المسائل والنوازل.إن فقه خاص بالأقليات المسلمة ليس طرحا جديدا وإن اختلفت المسميات فلقد ظهر – كما ذكرنا آنفا- فقه "النوازل" وكيف تعامل فقهاء الأمة مع الواقع الجديد للمسلمين في القرن الخامس عشر، كما ظهرت اجتهادات العلماء المختلفة حول الاستعمار التي آلت إليه جموع العالم الإسلامي والقضايا المتعلقة بذلك. منهجية فقه الأقليات:لابد وأن يتوفر في الفقه الجديد الذي نطالب به ما يضمن : 1 ـ تحقيق مصالح الناس في كل ما يحتاجون إليه، ولا تضيق الشريعة بمصلحة للمجتمع يقر العقلاء والدارسون الشرعيون والاجتماعيون بأنها مصلحة.2 ـ تحقيق العدالة بين الناس إذا تعارضت مصالحهم، مهما كلفت العدالة من عزم بعض الناس.3 ـ تحقيق التطور الاجتماعي الصالح في المجتمع الإنساني، فلا يقف الإسلام في وجه تطورها في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية، إذا كان هذا التطور نتيجة حتمية لتطور الفكر أو العلم أو ضرورات الحياة."فكل اجتهاد، وكل رأي، وكل نص فقهي يصطدم مع مبدأ من هذه المبادئ، فهو مرفوض عندنا مهما كان قائله لأنه ينافي روح الشريعة ورسالتها الاجتماعية في الحياة.


[1] حقوق الإنسان في الإسلام/ مقالات المؤتمر السادس للفكر الإسلامي – طهران، فهمي هويدي.
[2] الأحكام السلطانية- ص 38 للإمام أبي الحسن الماوردي.
[3] حقوق الأقليات العرقية في الإسلام – د. بسام عبد الحميد. مداخلة.
[4] خصائص فقه النوازل في سوس ونماذج مختارة منها، ص 186 وما بعد، حسب العبادي مجلة دار الحديث الحسنة، عدد 12 سنة 1995/1415.
[5] تقديم الدكتور محمد حجي للمعيار- ء وزارة الأوقاف المغربية.
[6] نوازل العلمي، ج 2 مسائل الرهن، ص 4238.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *