عقول ساسة العراقيين وأقدام اللاعبين
هل تتعلم عقول الساسة العراقيين من أقدام لاعبي العراق *** سامي الأخرس
كأي مواطن عربي والطبيعة البشرية العربية ، والغريزة التي لا يمكن أن تبرح ترابطنا وقوميتنا وحبنا وعشقنا لروابط الدم والصلة والانتماء والبيئة التي وجدت بالنفس ، وجدت نفسي أنجذب وأتابع بطولة كأس الأمم الآسيوية وخاصة سفراء العرب فيها ، حيث تمنيت من البداية أن تكون الكأس تتكلم عربي ، وبدأت بواكير الحلم تداعب أحلامي وتثغر فاهها ضاحكة أمامي ، وتارة أخرى يخبو الأمل عندما تتعثر الأقدام العربية في الميدان ، فأصبح الحلم مرهوناً بأقدام سفراء العرب وأبناء الفرق العربية ، انتابني الحزن عندما غادرت عُمان البطولة مبكراً ، لأنها لم ترافق الشقيق العراقي للدور الثاني ، واستشطت غضباً على الإمارات وأبناء زايد عندما كانت مانعاً لصعود قطر للدور الثاني رغم إنها جسدت مفاهيم الإخلاص العربي ، وقدمت درساً في الأمانه والوفاء لألمانيا والنمسا التي تآمرت سابقا على الجزائر في كأس العالم ، وكذلك على التراخي البرازيلي – النرويجي ضد المغرب في كأس العالم أيضا .
ورغم ذلك فقد كانت متابعتي لا تخلو من العصبية والإرهاق العصبي أحياناً الذي صاحب المنتخبات العربية خطوة خطوة حتى بدأت ملامح الحلم تتحول إلي حقيقة وبدأ يداعبني بأن اسمع الكأس يتكلم عربي وبطلاقة ، من خلال قمة التحدي التي جسدها أسود الرافدين مع فيتنام تلاها مسيرة الأخضر السعودي ضد أوزباكستان ، وبدأت أضع سيناريوهات الاحتفال ، حتى حانت لحظة الابتسام الفعلية ولحظة الحقيقة التي أبكت الملايين بعد فوز الأسود على كوريا الجنوبية ، وتخطي العملاق السعودي حاجز الكمبيوتر الياباني ، ولكن البسمة العراقية كانت موشحة بنكهة مختلفة ، فهي البسمة التي نثرت عبيرها في شوارع بغداد ، ونثرت بلسم الفرح والحب التي اقتحمت القلوب الحزينة المكلومة ، قمة التحدي والعزيمة التي سطرها اسود الرافدين ، فمزجت الدمعة بالفرحة ، والألم الذي جعل من أحد عشر فارساً أبطال شجعان ، وشحت أذرعهم بالسواد ، والدمعة تحولت لبركان ثائر بأعماقهم ، الدمعة التي نزفت من دموع المحتفلين بالنصر ، فأقسم الفرسان على الثأر للشهداء الثأر في الميدان ، فلن تسرق المفخخات فرحة شهداء بغداد ، ولن تنجح مفخخات الحقد والنذالة أن تكسر الإصرار بل أشعلت التحدي والإصرار بقلوب السود المتربصة للإنقضاض على الحزن ووأده .
جاء طرفا القمة العربية الآسيوية يداعبهما الأمل بالاحتفال ، فجلست كغيري من أبناء هذه الأمة حائراً إلي أين يتجه قلبي ، ولمن ينتمي وجداني ، فلم تنتابني لحظات الغضب العصبي السابقة ، جلست منتفضا أراقب المشهد ، وأتساءل أي شوارع ستشهد أهازيج الاحتفال بغداد الموشحة بالحزن ، والمتخمة بالجراح ، بغداد الثكلي المكلومة ، ارتسمت أمامي شوارع بغداد بمعالمها التاريخية ، بصرخات جرحاها ، بجثث شهداءها ، بأنين معذبيها ، بدموع أطفالها اليتامي ، وصرخات نساءها وأراملها ، ارتسمت وجوه ملايين العراقيين المشتتون بالدول العربية والعالم تفترسهم مخالب الحزن على وطن ، جميعهم يبحثون عن لحظة يرددون فيها معاً أهزوجة نصر بزمن الإنكسار ، لحن عراق واحد موحد بزمن التشرذم .
مرت عشر دقائق من عمر المباراة ومجرياتها تعطي دلالة أن طريق الكأس تتجه صوب بغداد ، لم اشعر بأحد عشر لاعباً في الميدان يرتدون الرداء الأبيض الموضح بالسواد ، شاهدت شعب بأكمله يصول ويجول في ميدان ملعب أندونيسيا ، روح شعب تقاتل من اجل الانتصار والفرح والابتسام ، شعب تجسد في حارس مرمي اسمه (نور) ، ومن أمامه خط دفاع بل جبال صامدة شامخه يقودها عباس بإباء تتكسر علي إرادته كل هجمات العملاق السعودي ، خط وسط شكل مايسترو قلب ينبض حياة وتحدي وعنفوان ، ورأس حربة تشعر بأنه لواء من المقاتلين تمثل بيونس محمود ، شعرت بأنه شعب يهاجم الحصون السعودية ، وهو ما عبر عنه نفس اللاعب بعبارته الرائعه وهي نفس المشاعر التي أحسستها وأنا أراه يقاتل ، إن من أحرز الهدف هو شعب العراق.
إن ما شهدته أندونيسيا شكل يوماً تاريخياً في حياة الشعب العراقي ، استمد تاريخيته من درس وحد عراق جريح بأحد عشر لاعباً امتزج فيه أهل السنة والشيعة والكرد والتركمان ، تمازجت هذه المسميات لترسم راية العراق ذات الثلاث ألوان المزينة بالله أكبر ، راية حملها اسود الرافدين لتشعل الطاقة البشرية الهائلة ، وتثور إصرار وتحدي أثار كل عنفوان الحنق الداخلي بداخلي على قادة العرب عامة ، وقادة العراق خاصة ، هل هذا التحدي والعنفوان من شباب العراق الذي افتقر لكل مقومات النجاح والإعداد مقارنة بما توفر لغيره من أقرانه ، يذهب هباءً وهدراً ؟ إنهم اسود حرثوا أرض ملعب أندونيسيا ، أسود أكلت عشب الميدان لترفع إسم العراق وتعيد البسمة لشعب أصبح الحزن زاده ، وشرابه ، ودواءه . فهل هذه الطاقات تتبخر بلا استغلال ؟
إن ملامح الفوز العراقي اتضحت منذ الدقائق الأولي ، وأنا أشاهد أحد عشر كوكباً تقسم أن تشعل شعلة الابتسام ، تألقت في أعماقهم كل ألوان العراق الأخضر بنخيله بأنهاره ، بذرات ترابه ، بدموع أحزانه ، بآهات شجونه ، ثورة وإنتفاضة تفجرت ، لتحمل الخزي والعار لهؤلاء القادة الذين حولوا هذه الأسود العراقية لجثث تتكدس بشوارع بغداد ، هذه الأسود التي تثبت إنها أسود الميدان ومعارك التحدي ، فهل يتعلم قادة العراق المتقوقعون بالمنطقة الخضراء من هؤلاء الفرسان ، الذين وحدوا ما مارسه قادة مزقوا العراق ، لطوائف وأحزاب ، مزقوه بين الهجمات والمفخخات ، ونهب خيراته وبتروله ليحولوه لملكية خاصة وميراث للمتكرشين من مصاصي الدماء.
نعم ايها العراقي لقد سجل اليوم اسود الرافدين باقدامهم وإرادتهم تاريخ مشرف عنوانه عراق واحد ، عراق سيبقي رافعاً هامته ، ناصباً قامته ، عراق واحد لا سنة ، ولا شيعة ، ولا كرد، ولا تركمان ، عراق للعراقيين ، قهروا المستحيل بإرادة من حديد ، وصنع الأسود الابتسامة في مصنع الشرف والانتماء علي شفاه المحرومين.
فهل تعلم ساسة العراق من هؤلاء الفرسان ، الرجال الرجال ، هل تصحوا عقولهم المسلوبة وتستوعب الرسالة التي خطتها أقدام الفرسان بأحرف الحب والوفاء … الإنتماء والإخلاص .
ايها النائمون بعروشكم .. هل ابتسمت قلوبكم وأنتم تشاهدون اسود العراق الرابضة وهي تحفر بالصخر لتدون اسم العراق " عراق واحد موحد " هذا هو العراقي الأصيل الذي نعشقه ونحبه ونفتخر به ، هو العراقي إبن الرافدين ، أما هؤلاء القادة فهم اشباح مستنسخه من صورة العراقي الأصيل ، دمي بهيئة عراقي تنفذ أجندة اسيادها في تمزيق وتقسيم أوصال العراق ، ونهب خيراته ، وقتل أبنائه.
مبروك لأبناء العراق الأصيل … مبروك لمن عانق عراق واحد موحد .. مبروك لمن احتفلوا أمام تمثال كهرمانه يرددون عراق عراق .. مبروك يا بغداد … يا بصرة … يا ديالي … يا كركوك .. يا كردستان … يا أنبار … لقد رفرف اليوم العلم العراقي المزين بكلمات الله أكبر ، وكان سيداً لا سيد غيره ، تاجاً يكلل رؤوس الأبطال ….
سامي الأخرس
29/7/2007
1 Comment
حسب ما جاءت به جريدة le monde فإن مسجل الهدف قائد الفرقة و هو سني و التمريرة التي أعطت الهدف جاءت من كردي و الخوف أن يقتل من جهة معينة عند رجوعه جعلته يرفض العودة إلى العراق و ليرجع إلى قطر حيث يلعب في أحد فريقه و طالبا هذه المرة اللجوء السياسي بعد أن أدان بقاء الأمريكيين ثلاث مرات متتابعة إلى مجموعة من الصحافة الغربية