خروق في سفينة المجتمع : خرق المجاهرة بالفاحشة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
خروق في سفينة المجتمع
ـ خرق المجاهرة بالفاحشة
بقلم: عبد المجيد بنمسعود
تتناوش سفينة مجتمعنا العزيز سهام البغي والعدوان من كل حدب وصوب، ومن كل نوع ولون، تبغي بها شرا وفتكا، وتحطيما وإغراقا ، ويتولى البغاة المتربصون بأمن هذا الوطن كبرهم، بدم بارد واستخفاف شنيع، وهم يحشدون كل ما في جعبتهم من ضغائن وأحقاد، وينشرون كل ما يبرمونه من أحابيل الكيد تحت تدبير وتدريب مردة شياطينهم من الإنس والجان، الذين يدينون لهم بالتقديس والطاعة والولاء.
وإن من أشد السهام إصابة لسفينة المجتمع في الصميم، حتى تدعها جسما متهالكا منهوكا متداعيا، خرق المجاهرة بالفاحشة، والفاحشة: » هي الفعلة البالغة حدا عظيما في الشناعة« كما ذكر الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله. ذلك بأن المجاهرة بالفاحشة إذا تحولت إلى مسلك مقبول، أو مسكوت عنه في أوساط الناس،كان ذلك خليقا بأن تتحول في عرفهم وإدراكهم مع الأيام، إلى أمر مألوف تستسيغه الطباع، وذلك بعينه، هو أحد الأطوار النكدة التي حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أمته من أن تدركها وتنحدر إلى دركاتها السفلى، فتفقد هويتها وهيبتها، وتنسلخ من ميسم الطهر والنقاء الذي يميزها بين الأمم، وأن تتعرى من لباس الحياء الذي يعد إحدى شعب الإيمان العظيمة كما وردت في الحديث النبوي الشريف، وأصل الأصول في رفع بنيان المجتمع الطاهر الذي يأبى أن تتلوث أجواؤه بالتيارات الفاسدة، أو أن يكون محضنا لسوء الأدب وقلة الحياء، وهما اللذان لا يتركان سفينة المجتمع، إذا استبدا بها واستحكما بمفاصلها، إلا وقد ضربها الكساح وداهمتها الأخطار من كل مكان. أعني بالطور النكد الذي ينتج عنه كل هذا السوء والوبال، الطور الذي تنطمس فيه البصائر، ويختل فيه ميزان الرؤية والتقدير، بسبب تراكم المعاصي والذنوب، وسيطرة الران على القلوب، فينتج عن ذلك اعتبار الناس المنكر معروفا والمعروف منكرا. وإذا لم يجد هذا الطور من يوقف زحفه من أولي العزم والإصلاح ، رشح للانتقال إلى طور أدهى وأمر، وأعتى وألعن، وهو الطور الذي يكثر في الخبث، ويتجرد فيه القوم بكل صفاقة وعمى، للأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
وإن الذي يعاين أحوال مجتمعنا المغربي اليوم، ويتتبع ما يبرز فيه من ظواهر غريبة، وأنماط للتفكير والسلوك تتميز بالشذوذ عن القواعد والأصول التي قام عليها الكيان الحضاري للشعب المغربي،وعن القيم السامية التي شكلت غذاءه على مر العصور، و حصنه الحصين، ضد عمليات التذويب ومحاولات التهجين، يصاب بالذهول إزاء هذا التطور الرهيب في الاتجاه المعاكس للفطرة، وهذا الانتكاس الذي أصاب الأمن الروحي والأخلاقي في السويداء. فلم تبق قيمة من القيم التي مثلت أساسا لمناعة الأمة واستمرارها،ومثارا لفخرها واعتزازها، إلا واقتحمت في خدرها، وتم التجرؤ عليها، في سياق مسلسل الاختراق والإغراق، الذي اتخذ له أساليب غاية في المكر والدهاء، والتنكر في شتى الصيغ والأزياء، قبل أن يتم سقوط الأقنعة، وكشف المتنكرين عن وجوههم، وزعمهم امتلاك الشرعية فيما يقولون وما يفعلون، وفيما يطرحونه من أفكار شاذة بتراء، وممارسات ممجوجة بلهاء، سندههم في كل ذلك ما يعتقدونه حقوقا مكتسبة في أن يتطاولوا على مواريث الأمة بالنقد والتجريح، باسم حرية لا تعرف لديهم ضوابط ولا حدودا، ولا ترعى في شرف الشعب وكرامته إلا ولا ذمة، وكتابهم الموثوق وصحفهم المقدسة، هي المواثيق المسماة دولية، والتي يزعمون لها الهيمنة والسمو على دين الإسلام الذي « لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ».
أليس من نتاج ذلك المسلسل الوبيل وثماره المرة، أن يعلن » ناشط من حركة 20 فبراير وصحافي في مجلة مغربية فرنكفونية في مداخلة له، خلال ندوة نظمتها صباح الجمعة 23 مارس بالرباط،وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية حول « المرأة بين التشريع والواقع »، بأنه يقيم علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج، مع عشيقة له، داعيا إلى عدم اعتبار هذا الأمر مستهجنا، لأنه حسب قوله » لا يضر المجتمع بهذه العلاقة الجنسية ») جريدة المساء، عدد السبت الأحد 23ـ 24 مارس 2012(، وأن تجري المجاهرة بانتهاك حرمة رمضان، في تحد سافر لدين الدولة والشعب، منذ عهد قريب، أوليس هذا الانتهاك العملي الصارخ لدين الله، وذاك التبجح القولي بممارسة الفاحشة أمام الملأ سوى حصاد حتمي، لسكوت أهل السفينة حكاما ومحكومين، على عربدة أهل الفسوق والعصيان، واختراقهم لجميع الخطوط، تحت مختلف الذرائع الباطلة، بما فيها بناء المجتمع الحداثي العلماني الذي يتمتع فيه الأفراد بحرية التصرف بلا حدود ولا رقيب، بما في ذلك حرية التصرف في الجسد، سكوت شيطاني، سمح لجراثيم الداء، أن تنتشر عرضا وطولا في أرجاء الوطن، وتعيث فيها فسادا، وللأفاعي الرقطاء، أن تنفث سمومها، وأن تفقس بيضها لتكثير نسلها في السهول والأودية والجبال.
ما أبله ذلك الدعي الأخرق، وهو يزعم أن اقترافه للفاحشة لا يترتب عنه ضرر للمجتمع، ألا ليته يعلم أنه يمثل هو وزمرته ممن يشاطرونه فكره السقيم، نفس التصور لمن كان لهم أسفل السفينة بموجب الاستهام عليها، « فقالوا لو أننا جعلنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا » ولعل من حسن حظ ذلك الدعي الذي خدرته، ومن هم على شاكلته، الأهواء، أن ينقض عليه أحد الأسود الذين يمثلون طليعة الوعي والإصلاح، ممن ندبوا أنفسهم، ثم ندبهم ركاب سفينة المجتمع التي ترهلت ألواحها بفعل رحلة التيه، لإصلاح ما أفسد الناس، وجعله تحت طائلة الفصل489، من القانون الجنائي، الذي يدان بموجبه المجاهرون بالفاحشة، والمتبجحون ممن شهدت عليهم ألسنتهم في الدنيا قبل الآخرة.
إن من صفات العظمة في منهج الإسلام التربوي، أن يقطع دابر الفساد لا بتركه ينمو ويترعرع، ثم يصارعه بعد ذلك، في معركة مأساوية تكثر فيها الخسائر وتسيل فيها أنهار الدماء، ولكن ببناء النفوس المؤمنة، على هدى وبصيرة، وبسد ذرائع الفساد، ثم بتوفير درع للردع، تلوح بسياط العقاب،لمن تسول لهم أنفسهم النيل من السفينة بخدش من الخدوش، وأخيرا بإيقاع المناسب من العقاب ، على كل من ركب رأسه واتخذ إلهه هواه، قطعا لرأس الحية، وصيانة لأمن السفينة من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
إن الإسلام بمنهجه التربوي الفريد،يرصد للمجاهرين بالفاحشة حدا رادعا يضع حدا لرعونتهم، ولعبثهم بهيبة المجتمع، ويخمد شهواتهم إلى الأبد، ولكنه لا يقف عند هذا الحد في صيانة سفينة المجتمع من أن تبتذل أو تهان، إنه يعلن حربه الاستباقية على الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا،بالتلويح لهم بعصا العذاب الشديد في الدنيا والآخرة، يقول الله سبحانه وتعالى: » إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون » يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله: »وجعل الوعيد على المحبة لشيوع الفاحشة في المؤمنين تنبيها على أن محبة ذلك تستحق العقوبة ; لأن محبة ذلك دالة على خبث النية نحو المؤمنين . ومن شأن تلك الطوية أن لا يلبث صاحبها إلا يسيرا حتى يصدر عنه ما هو محبب له أو يسر بصدور ذلك من غيره. »
إن من شأن القضاء الصارم والنزيه على ظهر سفينة المجتمع المغربي، أن يخوض حربا ضروسا لا هوادة فيها، لتطهير جيوب السفينة وطبقاتها ودهاليزها التي عشش فيها الفساد، بل إن الذي يضمن لذلك الجهاز العتيد حظوظ النجاح، هو انخراط جميع أهل السفينة في هذه العملية التطهيرية بحب وإخلاص، وأمل في ميلاد جديد، يتخلص من خلاله جسم الشعب من الخلايا السرطانية المريضة التي أورثته الآلام والعذاب.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله
Aucun commentaire