Home»Enseignement»جاك دريدا في ذكرى الرحيل السابعة

جاك دريدا في ذكرى الرحيل السابعة

0
Shares
PinterestGoogle+

 

عرف مفهوم « النّص » في فرنساً، منذ بداية السبعينيات عملية »إعادة تحديد » أو « شَرح » تجلّت في محاولات قادها أبرز المفكرينالفرنسيين في اتجاهات مختلفة، أمثال رولان بارت صاحب كتاب « لذّةالنص » الذي جعل النص يرتفع عن معناه التقليدي بأنه مجرد كلمات أو »جَسدٍ لغوي » يحمل معنى واحداً، ليصبحَ مصدر لذّة لا تقاوم، وليفتح عنطريق تحليل النصوص باباً جديداً للتأويلات النّصية يمكن إدراجها فيما يُطلقعليه:  » التداولية  » التي تهتم بدراسة الظواهر اللغوية عامة وَوصف وتفسيرمكونات النصوص.

لكن من يهمنا الآن هو فيلسوف التفكيك « جاك دريدا » الذي اهتم بآلياتالتفكيك التي كانت في فلسفة مارتن هايدغر تهدف إلى نوع من « الهدم »الذي يطال البنية أو الصّرح التقليدي للمفاهيم المؤسسة للأنطولوجيا أوالميتافيزيقا الغربية، يقول دريدا في محاضرة له بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة: « إن التفكيكية ليست فلسفة، بل هي شكل من أشكال التعامل مع النصوص يهدف إلى التقليل من سيطرة النصوص التي كانت في وقتمن الأوقات شَكلانيةً، وتعطي سُلطة كبيرة لشهوة الكلام »، ثم يضيف مجيباً عن سؤال العلاقة بين التفكيك وما بعد الحداثة: « إن التفكيك جزء من تراث أوروبا العقلاني الغربي، وربط التفكيك بالتيار المناهض للعقل غير صحيح، فالتفكيك جزء من التنوير يمكنه نقد بعض أشكال التنوير القديمة، وإذا كانت أزمتا الفكر العربي المعاصر تتمثلانفي « الماضوية » و »المركزية الأوروبية »، فإن أول سؤال للتفكيك هو نقد كل من الماضوية والمركزية الأوربية، وأنايمكن أن يقال عني إنني تفكيكي تراثي لكني ضد هيمنة خطاب واحد ». ثم يضيف في نص شهير بعنوان « رسالة إلى صديق ياباني » متحدثاً عن التفكيك: « فَهو ليس تحليلاً، لأن تفكيك عناصر بنية ما على الخصوص، لا يعني الرجوع إلى العنصر البسيط ولا إلى أصل غير قابل للحلّ (…)، وهو ليس نقداً، لا بالمعنى العام ولا بالمعنىالكَنـتي (أو الخاص)، فهيئة القرار أو الإختيار أو الحكم أو التحديد، تشكل إحدى « الثيمات » أو أحد « الموضوعات »الأساسية للتفكيك، شأنها في ذلك شأن جهاز النقد المتعالي نفسه (…)، وهو ليس منهجاً، ولا يمكن تحويلهإلى منهج، خصوصاً إذا شدّدنا في هذه اللفظة على الدلالة الإجرائية أو التقنية ».

إنه الفيلسوف صاحب القولة الشهيرة : « لاَ شيءَ خارجَ النّـص »، التي أراد أن يقول بها إنه لا يوجد مَعبر إلى ماوراء اللغة إلاّ « النّص » لذلك فإن النص هو كلّ شيء.

وُلد دريدا سنة 1930 بالجزائر حين كانت لا تزال مُستعمرة فرنسية، ليرحل في الثامن من أكتوبر سنة 2004 بباريس، ويعود إليه الفضل في تطوير نظرية التفكيك التي تحدثنا عنها، من بعد مارتن هايدغر، محاولاً تجاوز الميتافيزيقا التقليدية عبر فلسفة ما بعد حداثية. وعملت كلّ مؤلفاته على « تفكيك » وَمُساءَلة التعارُضات والتقابلات والتفرعات الثنائية، من قبيل: « الكتابة/ القول » في مجال اللّسانيات، و « العقل/الجنون » في مجال التحليل النفسي، ثم « الشكل/الجوهر » النصي في مجال الأدب، « المؤنث/المذكر » في نظرية الأنواع، إضافة إلى تقابلات أخرى: مثل « الحضور/الغياب »، « الداخل/الخارج »،  » العقلي/الحسي »،  » الطبيعي/الثقافي » …إلخ. ويقول الدكتور عز الدين الخطابي بخصوص هذا العمل: « يعتبر هذا العمل بمثابة خلخلة لميتافيزيقا الحضور، لأن الإطارالذي انبَنَت عليه هذه الميتافيزيقا يحدد الوجود بوصفه حضوراً بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، سواء اتخذت اسم « الصورة » أو « الفكرة » أو « الأصل » أو « الغاية » أو « الحقيقة »…إلخ. لمواجهة ميتافيزيقا الحضور هذه، وتفاديا للوقوعفي فخ التقابلات الثنائية، سيشرع دريدا في خلخلة نظامها والكشف عن تناقضاتها واقتراح بدائل أخرى، متمثلةفي سلسلة من المفردات المزدوجة المعنى، مثل « الأثَر »، الذي يشير في الوقت نفسه إلى امّحاء الشيء وبقائه محفوظاً في باقي علاماته، و « الفارمَاكون » الذي يعني السّم والدّواء، و »الإضافة » التي تضاف من أجل تكملة أو سدّ نقص… إلخ. وبذلك سيتم قلب النظام الهرمي الذي أقامته الميتافيزيقا الغربية رأساً على عقب، والإنفتاح على الهوامش، والإنصات إلى فكر مغاير هو فكر الإختلاف، وسيتم بذلك الكشف عن الخلفيات الثانويةوراء البديهيات والمسلّمات التي اعتمد عليها الفكر الغربي في بناء أنساقه وبلورة مؤسساته ».

ورغم أنه قدّم أكثر من ثمانين مؤلّفا غير أنه ظل على هامش الثقافة الفرنسية الرسمية، شأنه شأن ليفيناس، بلانشو، باتاي، جابيس وغيرهم. يقول دريدا في حوار له مع مجلة الكرمل: « أنا يهودي جزائري، لا يهودي بالطبع، ولكن هذا كافٍ لتفسير العُسر الذي أتحسسه داخل الثقافة  الفرنسية. لست منسجماً، إذا جاز التعبير، أنا شمال- إفريقي بِقدر ما أنا فرنسي، وأنا أقول هذا واعياً أن هذا الحوار موجّه إلى مجلة فكرية عربية، ومن خلالها إلى الإنتلجنسيا العربية، نعم، وهذه ليست مجاملة، إن الحوار مع الثقافة العربية، وعلى الرغم من معرفتي الناقصة بها، يَظل يتمتع لدي بأهمية كبيرة ». (1)

إذن يمكن القول إن فلسفة دريدا وضعت على السّاحة مفاهيم أساسية تتمثل في: « التفكيك » الذي تطرقنا إلىمعناه عبر بعض اقتباسات دريدا، الذي رغم محاولاته تعريف التفكيك إلا أنه يقول في نفس النص « رسالة إلى صديق ياباني » ما معناه أنه لا يمكن تعريف التفكيك وتحديد معناه بشكل لا يدع للإلتباسات من مدخل، لسبب بسيط هو أنّ تلك المفاهيم والمفردات التي سنستعين بها لتعريف التفكيك، هي نفسها بحاجة للتفكيك. ثم هناك مفهوم « الأثر » الذي يقول دريدا بخصوصه: « الأثر الذي لا يقبل المَسحَ لا يسمّى أثراً »، وأيضا هناك مفهوم »الغراماتولوجيا » أو -ثقافة الكتابة – الذي هو علم يتناول الحرف والكتابة بصفتهما يشكلان معنى الثقافة والفكر. وفي نفس السياق نجده يهتم بـ « الصوت » و « الظاهرة » و « الحقيقة  » و « الموت » وغيرها من المفاهيم التيظهرت في كتبه الكثيرة، ونذكر منها:
« مقدمة لأصول الهندسة » سنة 1962: ترجمة لكتاب إدموند هوسرل، « الصوت والظاهرة » 1967: مرجع أدبي جامعي حول جيمس جويس وإدغار آلان بو، « الغراماتولوجيا » 1967، « الكتابة ووالإختلاف » في نفس السنة، « هوامش الفلسفة » سنة 1972، « هايدغر والسؤال » 1990، « عن الحق في الفلسفة » سنة 1990، « أحادية الآخراللغوية »، « مغهوم الحادي عشر من سبتمبر » الذي هو حوار أجري في نيويورك سنة 2004 مع يورغن هابرماس الشهير بنظرية المعرفة، وكتب أخرى امتدت إلى حدود سنة وفاته.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *