في ذكرى رحيل المفكر محمد أركون
مرّت سنةٌ كاملةٌ على رحيل المفكر الجزائريالأصل محمد أركون الذي درس بالجزائر وانتقل لفرنسا وترددعلى المغرب كثيراً، حيث احتكّ بمفكريه وثقافته ليتم دفنه فيالرابع عشر من سبتمبر 2010 بالدار البيضاء حسب وصيته.لكن ما الذي يميز هذا المفكر الباحث والمؤرخ ؟ ولماذا يهمنااستحضار فكره ومواقفه في ظل الظروف الراهنة التييشهدها العالم العربي ؟يؤكد عدد من المفكرين على أن محمد أركون كان من بينأبرز المدافعين عن الديمقراطية والعدالة والحرية، ومنالمهتمين أيضاً بالعقل العربي، حيث أكد طيلة مساره الفكريعلى أن العقل العربي يستحق وَ بِجدارةٍ أن يحظى بمكانةٍ مرموقة في العالم، وأنه يجب عليه أن يقاوم ويناضل لأجل التخلص من قيود السياسة التي تتجلى في تحالف دول كبرى قصد القضاء عليه وإلغائه بوسائل تقوم على النفاق في المرتبة الأولى.ولا يمكن تجاهل كون هذا المفكر أثار ضجة كبيرة خصوصاً حين نشر مقالا في جريدة فرنسية سنة 1989 يرد به على قضية سلمان رشديصاحب كتاب » الآيات الشيطانية » التي أثارت بدورها لغطاً كبيرا، ليتم اتهام أركون بالأصولية والدفاع عن الإسلام المتزمت، هو الذي قضىمعظم وقته في نقد التراث العربي الإسلامي ومحاولة القضاء على التقليد الأعمى لنشر ثقافة إعمال العقل بدلاً من النقل. وقد قال العديد منالنقاد أن أركون كان يحاول جاهداً إصلاح صورته المنتشرة في أروبا، غير أنه لم ينجح في إبعاد تهم الأصولية والتزمت عنه كمفكر عربيمسلم، وقيل أيضاً أنه لم يكن يطيق تلك النظرة الكلاسيكية إلى فكره في الغرب.وربما لا تختلف نظرة الغرب خاصة الثقافة الفرنسية إلى محمد أركون بهذه الطريقة التقليدية عن الطريقة التي يُنظر بها إلى أي مسلم حاصلعلى جنسية فرنسية، بحيث أن جنسيته تلقي على عاتقه أثقالاً من بينها أنه يتوجب عليه إبداء الطاعة والولاء لفرنسا عموماً، وإلا تمّ اتهامهبنكران الجميل، حتى ولو حاول، كما فعل أركون، أن يغير من مواقفه ويظهر في وسائل الإعلام بمظهر الرجل العلماني الذي ينتقد الطرقالتقليدية في التعامل مع التراث الإسلامي، ويدعو لإسلام عقلاني متخلص من أوهام النقل الأعمى.
يقول أركون في كتاب » الإسلام والحداثة » : » ينبغي أن نسير في موضوع الحداثة بحذر شديد، فالأرض مزروعة بالألغام، ولكنك تستخدمكلمات كثيفة جداً ومثقلة بالدلالات التاريخية، دون أن تحاول تفكيكها أو تحليلها، كل هذه التعابير المصطلحية الأساسية التي ورثناها عنالماضي، كمفردات الإيمان والعقيدة بشكلٍ خاص، لم نقم بإعادة التفكير فيها الآن، ونحن نستخدمها وكأنها مسلمات وبديهيات « نشربها » كمانشرب الماء العذب وهذا ما تعودنا عليه منذ الصغر، لكن إذا صممنا على أن ندخل فعلياً في مناخ الحداثة العقلية، فماذا نرى؟… مثلا عندمايقول المؤمن التقليدي إن هناك أشياء لا تتغير ولا تتبدل، وعندما يقول هناك المقدس أو » الحرَم » باللغة الإسلامية الكلاسيكية، ولا ينبغي التساؤل حوله أو مسّه، وعندما يقول هناك الوحي .. فإنه يستخدم لغةً كثيفة أكثر مما يجب.. « وقد تحدث في نفس الكتاب عن مسألة إعادة النظر في مفاهيم تقليدية ولكن بنظرة حداثية، فكما رأينا، يحاول إعطاء معنى جديد للمقدس والوحيفيقول في نفس الكتاب : » أتمنى هنا عندما تلفظ كلمة الوحي ان تشعر بأنها كلمة شديدة الخطورة والأهمية وأنه لا يمكننا استخدامها بسهولةوبمناسبة ودون مناسبة، بمعنى أننا لا نفهمها جيداً وهي في حاجة لأن تخضع لدراسة جديدة دقيقة لا تقدم أي تنازل للتصورات الألفية، التيفرضتها العقائد الدوغمائية الكلاسيكية… « وبعيداً عن صراعات الأيديولوجيا ونقد التراث وطريقة النظر إليه، فإن محمد أركون لم يتوقف عن نشر قيم التسامح بين الغرب والشرق،والدعوة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان بطريقة حداثية، ومن المؤسف أن يرحل سنةً قبل أن يشهد » الربيع العربي » فيحرمنا الرحيل منسماع رأيه، بل ومشاركته وأمثاله من المفكرين الراحلين، كالجابري، فرحة مشاهدة العقل العربي وهو يساهم في صناعة التاريخ، ويقدم على اتخاذ قرارات جريئة وينجح في القضاء على أبرز رموز الطغيان والدكتاتورية بالإصرار وتحدي الموت، حتى ولو كان البعض يرى أنها قرارات تحتاج التطوير، فالمهم أن العقل العربي نجح في اتخاذها والدفاع عنها بالأساس.
Aucun commentaire