بشر يصارع بشارا:وفي الأخير يموت الأسد
بشر يصارع بشارا: وفي النهاية يموت الأسد
رمضان مصباح
بشر بن عوانة العبدي ,من صعاليك الجاهلية الشعراء؛وكما هو معروف لدى المشتغلين بالأدب ,جمعت سلالة القنافذ هذه بين شيم البطولة و حياة التشرد ,والتغني بهما ؛على خلفية تصطبغ بكل الألوان الزاهية للحرية, وبكل الألوان الداكنة لمكابدة الانعتاق من أسر القبيلة, الذي يقتل الفردية والتميز؛ولا يرى في البدعة إلا ضلالة.
بهذا المفهوم تسمو الصعلكة القديمة عن البلطجة ,كما هي اليوم سوأة عارية لا تعرف الأنظمة المستبدة كيف تواريها ؛على الأقل اتقاءا للذباب.
حتى غارات الصعاليك – فرادى غالبا- على القبائل,والسابلة الحاملة, لم تكن سوى انتزاع حقوق عينية من مغتصبيها ,باسم المشيخة و التقاليد والأعراف,لتوزيعها على مستضعفي العرب ؛فالصعلوك لم يكن جماعة مال, ولا حتى أكولا شرها:
أديم مطال الجوع حتى أميته وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهل
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له علي من الطول امرؤ متطول
ولولا اجتناب الذأم لم يلف مشرب يعاش به الا لدي ومأكل
( الشنفرى)
ألا يضاهي هذا الرجل- بخلقه هذا- كبار الصوفية ,المنقطعين في البراري ؟لقد سبقهم الى ما هم فيه دون رسالة هادية.
والصعاليك ,كبني عذرة: « اذا أحبوا ماتوا » ,أو استماتوا من أجل معشوقتهم استماتتهم من أجل حرية كاملة غير منقوصة ,ولو استف التراب طعاما.
أحب بشر ابنة عمه فاطمة ؛ولما كان ولابد من ألف من نوق خزاعة مهرا لها- نزولا عند رغبة العم الكيدية- سار ؛رغم علمه بأن الأسد بالمرصاد في طريق طويلة و موحشة.
رمزية قصة بشر هذه- صادقة أو متخيلة- يجعلني أقدمها هدية للشعب السوري البطل , الذي يكابد هذه الأيام حمارة الرصاص » البعثي » المصبوب , وحمارة القيظ , وحمارة الضمأ الرمضاني.
كما أقدمها الى القراء؛باعتبار انخراطهم في الحدث المأساة , وباعتبار حاجتهم الى متعة شعرية قديمة ,تخفف وطء الواقع, والهاجرة, و الضمأ.
لكن ما الدعم الذي يقدمه شاعر صعلوك الى شعب أعزل ظل يستحضر دائما أن قتلته سيكونون الصهاينة,وليس غيرهم؟
بغض النظر عن لعبة الأسماء, بدا لي أن كل مواطن سوري زاحف,هو بشر بن عوانة ؛اشتراكا في قيم الصعلكة بمفهومها السامي,الذي يتضمن :
الخروج عن المألوف الاستبدادي للقبيلة. انتزاع الحقوق عنوة. الاقتصاص من القوي للضعيف. الاستشهاد في سبيل الحب:المرأة ,الحرية,سوريا…..
إن بشر ,المواطن السوري, يصارع بشارا الأسد ,وحيدا ,وقبائل العرب تنظر ,وتنتظر هلاكه ؛حتى لا يقيم الحجة على أحقيته ببنت عمه ,زوجة تقاسمه حريته.وحتى لا يظهر
بشر ثاني وثالث ورابع ……
بشر لم يمكر بالأسد,ولم يغدر به,بل وجه له مطالب/نصائح لم يعرها اهتماما ,ظانا أنه الأقوى.
بشر يدلي باستحالة تراجعه ,وهو الصعلوك « الساموراي » ؛والأسد لا يرى في هذا غير مناورة .
بشر لا يثبت على ظهر فرس مرتعد فيترجل ,ثابتا على أرض ثابتة.
بشر ,المستضعف ,اللامسنود يوجهها ضربة نجلاء, يخر لها الأسد صريعا ؛في طريق خزاعة ,أو في ساحات حماة وحلب ودير الزور .لا يهم.
رغم غدر الأسد يرثيه بشر خير رثاء يقال في خصم شجاع .
بفارق أن الأسد الحيوان بطل, مات من أجل إطعام أشباله.أما الأسد البعثي ففضل أكل أشباله بدل اطعامهم.
ينتهي المشهد البطولي بالقصيدة ,وقد كتبت بدم الأسد على قميص الشاعر: تتسلم الحبيبة دم حبيبها شعرا,وشعر حبيبها دما ؛أما الرجل فقد أقسم ألا يعود دون نوق خزاعة.
سوريا الحبيبة بدورها تصلها مثل قصائد العشق هذه : شباب في عز العنفوان أقسموا – مثل بشر – ألا بديل عن الحبيبة ؛ولو كانت الأسود بالمرصاد: وتتوالى القصائد..
أين ينتهي الخيال, ومتى تبدأ الحقيقة ؟ سؤال علمنا غابريال كارسيا ماركيز – في مائة عام من العزلة- ألا قيمة له؛اذ هما وجهان لعملة واحدة.
إليكم يا أشبال سوريا ,في الأرياف والمدن,اهدي هذه الرائعة ,وكلي أمل أن تتمكنوا من الحرية ,تبعثونها بعثكم أنتم, ,كما تمكن بشر من الزواج ببنت العم.
أفاطم لو شهدت ببطن خبت وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا
إذا لرأيت ليثا زار ليثا هزبرا أغلبا لاقى هزبرا
تبهنس إذ تقاعس عنه مهري محاذرة، فقلت: عقرت مهرا
أنل قدمّي ظهر الأرض؛ إنّي رأيت الأرض أثبت منك ظهرا
وقلت له وقد أبدى نصالا مكفهرا محددة ووجها
يكفكف غيلة إحدى يديه ويبسط للوثوب علّى أخرى
ّ وبالّلحظات تحسبهنّ جمرا بمخلب وبحدّ ناب ويدل
وفي يمناي ماضي الحدّ أبقى بمضربه قراع الموت أثرا
ألم يبلغك ما فعلت ظباه بكاظمة غداة لقيت عمروا
وقلبي مثل قلبك ليس يخشى مصاولة فكيف يخاف ذعرا
وأطلب لابنة الأعمام مهرا وأنت تروم للأشبال قوتاً
ففيم تسوم مثلي أن يولّي ويجعل في يديك النّفس قسرا؟
نصحتك فالتمس يا ليث غيري طعاماً؛ إنّ لحمي كان مرا
فلمّا ظنّ أنّ الغشّ نصحي وخالفني كأنّي قلت هجرا
مشى ومشيت من أسدين راما مراما كان اذ طلباه وعرا
هززت له الحسام فخلت أني سللت به لذي الظلماء فجرا
وجدت له بجائشة أرته بأن كذبته ما منته غدرا
وأطلقت المهنّد من يميني فقد له من الأضلاع عشرا
فخرّ مجدّلاً بدمٍ كأني هدمت به بناء مشمخرا
وقلت له يعز علي أني قتلت مناسبي جلدا وفخرا
ولكن رمت شيئاً لم يرمه سواك فلم أطق يا ليث صبرا
تحاول أن تعلّمني فرارا لعمر أبيك قد حاولت نكرا!
فلا تجزع فقد لاقيت حرا يحاذر أن يعاب فمت حرا
فان تكن قد قتلت فليس عارا فقد لاقيت ذا الطرفين حرا
ramdane3@gmail.com
Aucun commentaire