القذافي و الثورة. ….عفوا و الثروة،و كيف تعامل مع المملكة المغربية ؟
من منا لم يتمالك نفسه،و انفجر ضاحكا،عندما تسقط عيناه،و بشكل فجائي، على خطاب الزعيم الليبي معمر الكدافي،فطريقة حديثه،و لباسه المزركش،الخارج عن المألوف،كثيرا ما يدفع إلى السخرية،فمن رآه من على شاشات التليفزيون،و هو يدحض فراره المزعوم إلى فنيزويلا، داخل سيارة، في سيناريو كاريكاتوري مضحك،إلا و شبهه ب Mister Bean . لكن هذه السخرية،غالبا ما تخفي ضلالا قاتمة من واقع مزري يعيشه واقعنا العربي المأزوم المفعم بالتناقضات.
فالرجل كثيرا ما قدم نفسه كثوري زاهد في كل شيء،في الأكل و الشرب ،فهو يشرب يوميا حليب الناقتين اللتان يمتلكهما في قصر العزيزية، كما أنه لا يتورع في نقل خيمته،و نشرها في أعتى الفنادق الفارهة في القارة العجوز.
من لا يعرف كواليس السباق نحو المال،يخال معمر القذافي زاهدا على شاكلة غاندي،لكن الحقيقة عكس ذلك،فهو يعتبر من أثرياء العالم،فثروته تقدر بأكثر من 131 مليار دولار،و هو محاط بسبعة أبناء،و بنت،يتناطحون في ما بينهم و يتصارعون على السلطة و كسب المزيد من المال.
زيادة على هرولته نحو الثروة و الثورة،كرس القذافي وقته للعمل التنظيري،و و أبدع كتابا أسماه على بركة الله،بالكتاب الأخضر،الذي ينتقد فيه كل الأنظمة السياسية ، من الديمقراطية الليبرالية،إلى الديمقراطية المركزية،و اعتبراهما لا يمكنان الشعب من الحكم،و لهذا ترجم هذا الإبداع الزائف الممزوج بالحمق ،على أرض الواقع،سنة 1977 من خلال ما أسماه باللجان الثورية و الشعبية،فاللجان الشعبية جهاز تشريعي على شكل برلمان محلي داخل المحافظات،و اللجان الثورية على شكل حكومة محلية وجهاز تنفيدي، .و كثيرا ما خرجت هذه اللجان بقرارات،لم ينفذ منها القذافي إلا ما شاء.
و عوض الإهتمام بيومي المواطن الليبي و تحسين مستواه المعيشي ،لم يتورع الأخ القائد في دعم ما اعتقده ظلما و بهتانا بالبؤر الثورية ،هكذا دعم فخامته جبهة البوليساريو لمعاكسة الوحدة الترابية المغربية،و أمدها بالسلاح،كما نسج علاقات مع حركة إيطا الباسكية بإسبانيا،و مع الشين فاين،الجناح العسكري لحركة إيرا الإرلندية،و مع حركة إبي سياف بالفلبين،و مع الألوية الحمراء بإيطاليا….و ضلعت استخباراته في تفجير عدة طائرات غربية ،في عمليات مثيرة،كعملية لوكربي،و طائرة بانام الفرنسية في سماء النيجر ، كما ضلعت أجهزته ألأمنية في تفجير إحدى الملاهي الألمانية و قتل جنود أمريكيين،و يعتبر ابن عمه أحمد قذاف الدم،الذي انشق عنه مؤخرا،عرابا و كاتما لكل أسراره الإستخباراتية،و لما ضغطت عليه الدوائر الغربية،قدم القذافي عدة مليارات من الدولارات من أموال الشعب الليبي،لشراء سكوت الغرب،و قدمها عبر مؤسسة القذافي التي يسيرها ابنه المهندس سيف الإسلام، الذي كان يهيئه أبوه للتوريث،و بدا للعيان كإصلاحي،لكن خطابه الأخير أظهر أنه نسخة طبق الأصل لأبيه.
و من بين الأشياء التي طبعت العلاقات المغربية الليبية،أن القذافي مباشرة بعد القيام بانقلاب أبيض على الملك السنوسي سنة 1969،حضر إحدى مؤتمرات الجامعة العربية بالرباط،و قد كان يكن العداء للملكيات العربية خاصة العربية السعودية و التي كان يخندقها في مصاف الرجعيات ،هكذا خاطب القذافي دون مقدمات و احترام الراحل الملك فيصل ب »يا فيصل…. « مما دفع الراحل بالإنسحاب، و هو ما جعل الراحلين الحسن الثاني ،و جمال عبد الناصر يتدخلان لرأب الصدع، و عند الخروج ،في ساحة المؤتمر رفض القذافي السلام على أفقير ، مدعيا أنه قاتل المهدي بنبركة.
أما في انقلاب سنة 1972 بالمغرب ، فقد نوه القذافي بأفقير و اعتبره- و يا للمفارقة- بطلا ثوريا !!!! و طلب من جزائر بومدين السماح لطائراته اختراق الأجواء الجزائرية،لدعم انقلاب افقير.
و في ثمانينيات القرن الماضي،و بعد صراع بين المغرب و النظام الليبي،الذي دعم جبهة البوليساريو،و مدها بالسلاح،حضر في زيارة رسمية إلى المغرب،و قد أراد زيارة السوق الشعبي بمدينة الرباط، و عندما تعرف عليه المواطنون،و التفوا حوله،رفع شعار » من مراكش للبحرين، شعب واحد ،مش اثنين…. « .
و من غرائب هذه العلاقات بين البلدين، و في سياق تهيئ المغرب للقيام بالمسيرة الخضراء،أبرق القذافي للراحل الحسن الثاني طالبا منه تمكينه من المشاركة فيها،إلا أن حذق الراحل و ذكائه،جعله لا يجيب على برقية القذافي،مما جعل الأخ معمر لا يبتلع هذه الإهانة.
و استقبل القذافي المعارضة المغربية، التي كان يتزعمها الفقيه البصري ،و أمدها بالسلاح كما وقع في عملية دار بوعزة سنة 1973، كما خصص لها إذاعة لضرب النظام السياسي المغربي.ولم يذخر القذافي جهدا،في تمويل بعض التنظيمات الأهلية العربية ،
إذن يمكن أن نقول أن القذافي تشبث بالأوهام الثورية، و منها ثورته على ثروة الشعب الليبي الشقيق،الذي تركه عرضة للفقر،و تعليم رديء،و بنيات تحتية عتيقة.
لقد آن الأوان لرحيل القذافي.و الشعب الليبي لا يريد ثورة القذافي الحمقاء،بل يريد ثروته التي نهبها.و كفى المؤمنين شر القتال.
Aucun commentaire