الثورات عبر التاريخ : لا تغييرَ بدون تضحيات.
يقول تشي غيفارا : » الثورة قوية كالفولاذ، حمراء كالجمر، باقية
كالسنديان، عميقة كحبنا الوحشي للوطن. ولايهمني أين ومتى سأموت بقدر ما يهمني أن
يبقى الوطن والثوار يملؤون العالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بثقله على أجساد
الفقراء » .
إن الثورة مصطلحٌ سياسي يطلق على حركةٍ وطنية أو شعبيةٍ ترفض السلطة
الحاكمة وترغب في إسقاطها، وقد تكون الثورة اجتماعية واقتصادية محضةً تحركها دوافع كالجوع والفقر
والفساد دون أن تكون هناك رغبة في تغيير نظامِ الحكم. وقد خلفت الثورات –عبر التاريخ-
أعداداً كبيرة من الضحايا والأبرياء، ولكنها تُفضي في النهاية إلى تحقيقِ مطالب
الفئة الثائرة أي إلى التغيير، إذا اقترنت بإٍرادة قوية للنصر.
فما أهم الثورات التي شهدها التاريخ وما علاقتها بالتغيير ؟ وما أبرز
الدوافع التي تساهم في قيام الثورات ؟ وهل هناك بديل آخر عن الثورات العنيفة
لتحقيق المطالب ؟
يؤكد المؤرخون أن أقدم ثورة في التاريخ كانت في مصر القديمة، وبالتحديد
خلال آخر فترات حكم الأسرة السادسة، حيث كان الملك « بيبي الثاني »، الذي
ولد سنة 2278 قبل الميلاد ، قد اعتلى العرش وعمره لا يزيد عن ستِ سنواتٍ، واستمر
حكمه أربعاً وتسعين سنة كأطول فترة حكم في تاريخ الملوك المصريين القدامى، حيث
كانت الأوضاع متدهورة في مصر آنذاك خصوصاً بعد ان وصل الملك إلى سن تزيد عن
التسعين، وأمام ضعفه وتصديقه لأكاذيب المنافقين من حوله وعجزه عن التصدي لكل ذلك،
قام حكام الأقاليم المصرية بالإستقلال بأقاليمهم والإستبداد بأهلها وفرض المكوس
الجائرة، ومن ثم انضمام كهنة المعابد إليهم والإفتاء بفتاوي كاذبة لصالح الحكام الجائرين حفاظاً على مصالحهم،
وتقديم وعود زائفة لأبناء الشعب الذين كانوا يقصدون المعبد للشكوى من الظلم والجور
حيث كان الكهنة يدعونهم إلى الصبر وانتظار حياةٍ أفضل في العالم الآخر. وبعد
ذلك قام بعض الأفراد من الشعب بالدعوة لعصيان الحكام ومحاربة الظلم بالقوة والعنف،
ونجحت تلك الدعوة وقاموا بترك العادات والتقاليد الزائفة ووجهوا ضرباتهم نحو
الطغاة ورجال الدين.. وكانت نتيجة هذه الثورة ان تخلى المصريون عن خدمة طقوس دفن
الفراعنة.
أما أقدم ثورة أتت بعدها فكانت في بلاد الرافدين على يد الملك « أوركا
جينا » الذي ولد سنة 2363 ، والذي قام بإعادة صياغة القوانين والدساتير، منها
قوانين تحدد صلاحيات الكهنة مع عامة الناس وتحريم استعبادهم لهم، وفي احدى المراسيم يقول إنه على الكاهن الأكبر ألا يدخل حديقة
أرملةٍ فيأخذ من خشبها أو يفرض عليها ضريبة أو جزية يتقاضاها من ثمرها. أما عن
الثورة فقد قام بها ليتولى الحكم بعد استبداد الكهنة وظلمهم للناس وسيطرتهم على
ثرواتهم وسيطرتهم على أملاك المعابد للصالح الشخصي..
وبعيداً
عن ثورات ما قبل الميلاد، يمكننا أن نلقي نظرة خاطفة عن الثورة الفرنسية التي قامت
سنة 1789 ودامت ما يقارب ست سنوات، وهذه الأخيرة كانت دوافعها عديدة من بينها
الصراع الطبقي وفرض الضرائب على الناس، وانتشار البطالة وتدهور التجارة، أما حكومياْ فقد تميز نظام الحكم في فرنسا قبل الثورة باستحواذ
الملك والنبلاء والأكليروس على الحكم في ظل الملكية المطلقة المستندة إلى نظرية
الحق الإلهي إضافة إلى انعدام دستور يوجه الحكم، وبالتالي أفضت هذه الثورة إلى
تغيير نظام الملكية المطلقة إلى النظام الجمهوري وتم فصل السلط والدين عن الدولة
وفرض قيم المساواة وحرية التعبير، ومن جهة أخرى تم تبني النظام الرأسمالي وإلغاء
الحقوق الفيودالية التي تميز بها النبلاء، وتمت مصادرة أملاك الكنيسة..
وفي روسيا في أكتوبر سنة 1917
قامت الثورة البلشفية التي قادها فلاديمير لينين بناءً على أفكار ماركس لإقامة
دولة شيوعية وإسقاط الحكومة المؤقتة، وتم التخلص خلالها من القيصر والأسرة الحاكمة
إعداماً بالرصاص ليتم نقلهم إلى مقبرة جماعية وأيضا القضاء على الرأسمالية
الإقطاعية ليحل محلها النظام والعمل الإشتراكي الموحد..
ومروراً بثورة المليون ونصف المليون شهيد بالجزائر سنة 1954 التي دامت سبع
سنوات ونصف ضد المستعمر الفرنسي التي انتهت باستقلال الجزائر، وثورة 1919 بمصر بقيادة
سعد زغلول زعيم الحركة الوطنية المصرية وذلك بسبب المعاملة البريطانية القاسية
للمصريين وأحكامهم العرفية التي انتهت بالإستقلال في مصر، والثورة الإسلامية
الإيرانية سنة 1979 التي –على غرار الثورة
الفرنسية- حولت نظام الحكم من الملكي للشاه إلى الجمهوري الإسلامي عن طريق الإستفتاء.. هناك عدة ثورات أخرى اشتركت
كلها في كونها قامت ضد أنظمة دكتاتورية لقلب نُظم الحكم وتحقيق الديمقراطية،
وصولاً إلى ثورات العصر الراهن من بدايات القرن العشرين والثورة البرتقالية في
أكرانيا سنة 2004 ، ثم الثورات الحالية في
تونس مثلاً والتي أدت إلى عزل الرئيس التونسي عن الحكم، وما هو قائم حالياً في
مصرلإزالة حسني مبارك أيضاً، نجد أن إرادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها بأي ثمن
كانت الدافع الرئيسي الذي يكمن وراء كل تلك الثورات .
و أخيراً نلاحظ أن التغيير كان هو الهدف الأساسي من كل الثورات، التغيير
نحو ما يريده الشعب، فالتغيير يبدأ من الفرد الواحد وينتهي إليه، أما الثورة فقد
اتسمت بكونها تبدأ من الجماعة وتنتهي إليها. وقد يلجأ البعض إلى اعتبار التغيير
نتيجة حتمية للثورة مادامت إرادة الشعوب فوق كل شيء، أو كما يقول تشي غيفارا :
» أنا لست محررا، المحررون لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها
» ..
Aucun commentaire