نتنياهو يرشح مبارك
مبارك العائلة السياسية الممتدة، لا يهم الأب أو الابن، فكلاهما أحرص من الآخر على حماية إرث الاستسلام وتركيع الشعب والإجهاز على ما تبقى من مناعة، وإن كانت أمنية الساسة الصهاينة « الوحيدة » ـ على لأقل حاليا ـ أن يعمر الرئيس مبارك طويلا، ما دام الهاجس الإسرائيلي الأكبر هو وصول حزب إسلامي للسلطة المصرية، والتحدي الكبير للقادة الإسرائيليين خلال السنوات القريبة، سيكون كيفية تأمين نقل جزء من علاقات السلام مع وريث حسني مبارك، على أمل أن يمتلك « سخاء » حسني مبارك نفسه.
ما قاله الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب والقيادي البارز في الحزب الوطني لصحيفة المصري اليوم: « ضرورة موافقة الإدارة الأمريكية وعدم اعتراض إسرائيل على رئيس مصر القادم »، لم يخفف من حالة الذعر التي تنتاب الإسرائيليين من أن رحيل الرئيس مبارك قد يخلف فراغا في السلطة وعدم استقرار واهتزاز في الوضع الاستسلامي لمصر حيال إسرائيل، لكن طمأنهم الرئيس مبارك: « أرجح سيناريوهات الخلافة السياسية لن يترتب عليه أي من هذه الكوارث »، فقد عمل طوال مدة حكمه على تحويل نظام مصر إلى كيان بارد أجوف، موكول بمهمات أمنية لضمان سلامة الصهاينة وإجهاض التوجهات التحررية في المنطقة.
نتنياهو قلق على إرث مبارك، الحارس الأمين على طموحات وأطماع الكيان الصهيوني، وحق له ذلك، فهو يريد أن يحافظ ـ ابتداء ـ على تركة بيغن، لكن مع التعميم، أن تتحول مصر (كما سيناء إرث بيغن) منزوعة الكرامة والمناعة إلى مناطق سياحية ومنتجعاتٍ صيفية، يرتادها الزوار الإسرائيليون من مختلف بقاع العالم، وعليه، فنتنياهو وفاء للآباء المؤسسين، معني بمستقبل الحكم بعد مبارك أكثر من أي جهة أخرى، وأن يكون العبور آمنا و »الانتقال » سلسا.
ومن يجادل في هذا من الغيورين على النظام المصري والملتفين حول « ولاة الأمور » وجيوش المرتزقة والمنتفعين من معسكرات المال والأعمال، نسأله: هل ثمة إنجاز لمناحيم بيغن بعد الإسهام في تأسيس الكيان الصهيوني، أهم من قيامه بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع الرئيس الراحل أنور السادات، وإخراج مصر من دائرة الصراع؟
نعم هانت مصر وصغرت عندما أصبح حسم مستقبل الحكم بيد نتنياهو، كيف لا وحديث مصر اليوم: أيهما يحكم الأب أو الابن؟ ومزاج « النخبة » العام يتوافق مع خيار نتنياهو، المهم أن لا يخرج المرشح من عائلة مبارك السياسية، وكثير من مثقفي مصر يلعن صباح مساء الصهاينة، لكنه في الأخير ـ وربما لا يدري ـ لا يمانع في تبني مرشح نتنياهو (من عائلة مبارك السياسية وليس شرطا من نسله) لاستكمال تحطيم مصر الدولة ومصر التاريخ ومصر المكانة والتأثير والنفوذ. وحكم عائلة مبارك هو الحكاية الوحيدة التي يتداولها المصريون بتلك الروح من الدعابة القاسية، وكأن مصر اليوم لم تنجب إلا مبارك، العائلة الخادمة للمحتل، هنا تنتهي الكرامة والشهامة وترحل الرجولة وتغادر المروءة ويجبن العلم.
فهل اختفت مشاريع النهضة والإصلاح في مصر أمام هوس التوريث، حتى أصبح مشروعها الوحيد الذي تحتضنه مصر اليوم في عهد الإفلاس والاحتضار، ولا أظنها مرت بأسوأ من الحقبة « المباركية » خلال العقود الأخيرة؟
Aucun commentaire