لا تنسوا الوصية
من مظاهر الديمقراطية والمساواة ، خروج المرأة للعمل ، وقد وافقها الحظ ، فوصلت إلى أعلى المناصب السياسية والاجتماعية ، محققة بذلك إثبات ذاتها وتفوقها في كثير من المجالات على الرجل ،ومحطمة أسطورة تفوقه عليها ، وربما تكون قد شعرت بنشوة الانتصار وتحقيق الانتقام من الذي مارس عليها الظلم والاستبداد . ولكن هل عملها خارج البيت وفر لها السعادة ورفع عنها الحيف والظلم ؟ أم صنفها في أعلى السلم الاجتماعي ؟أم جعل المجتمع يعترف بمساهماتها الاقتصادية والاجتماعية ؟؟؟ خارج البيت ،أجر زهيد مقابل ساعات من العمل الشاق( نموذج معامل النسيج والتصبير والخدمات الموسمية والهامشية والمنزلية …) وفي البيت استضعاف و تميز جنسي ، وجهد مضني بلا رحمة ولا مساعدة. فكم من امرأة ليس لها من الراتب والأجرة إلا المشقة .تشقى وتذل نفسها وتتخلى عن كرامتها ليستفيد غيرها .ليس لها من الإرث إلا النسب ، ولا من الملكية إلا الرسم العقاري ، ولا من حرية اختيار الزوج إلا السكوت( السكوت علامة الرضا) ولا من حق الاعتقاد إلا ما اختار الزوج أو اعتاد عليه . دون مراعاة لقوله سبحانه وتعالى :{يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن ياتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا . } ( سورة النساء آية19 ) ….ولا لقوله صلى الله عليه وسلم [ اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة استوصوا بالنساء خيرا .لا يفرك مؤمن إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر ] (رواه أحمد) كم أثر في نفسي منظر امرأة تبدو في سن السبعين وهي حتما لا تتجاوز الأربعين من عمرها ، ترتدي الزي العسكري الخاص بالقوات المساعدة ، هذا الزي ، قد يلائم تجاوزا، فتاة في ريعان شبابها ولكن امرأة أنهكها العمل في ظروف جد قاسية ، كالوقوف لمدة ساعات في البرد الشديد والحر العالي والمشي الدائم ، مع تلقي الأوامر والنواهي ، التي في كثير من الأحيان لا يستسيغها سمع ، لأنها أوامر أو نواهي تحملها كلمات بذيئة ،قبيحة … أضف إلى ذلك متاعب البيت ، ومشاكل الزوج والأبناء .. . كل ذلك أثر على صحتها و مظهرها ، فبدت وكأنها عجوز ارتدت الزي العسكري ، لتلعب دور المهرج ، فتضحك المارة بالشارع. ولكن المارة لم يستجيبوا للضحك ، بل كانوا ينظرون إليها باشمئزاز مستنكرين عدم تناسب الزي مع سن المرأة ، لأن العقل الجمعي عندنا مرتبط وبقوة بقانون الأعراف والتقاليد وهو المسؤول الوحيد عن تحديد شكل ولون ونوع اللباس لكل سن و لكل مناسبة … والذي يخرج عن هذا القانون أو هذه القاعدة يعرض نفسه للسخرية وللغمز واللمز وقيل وقال … وربما يتهم في عقله ودينه.
لقد أثر في نفسي ذلك المشهد أيما تأثير، ودار في خلدي كثير من الأفكار والتصورات المرتبطة بظروف عمل هذه المرأة وغيرها من النساء اللاتي يعملن أعمالا ، كانت إلى عهد قريب حكرا على الرجال ، بل من اختصاصهم كعمل الشرطة والدرك والعسكر ورجال المطافئ… لأن هذه الأعمال قاسية وتحتاج إلى قوة وصلابة وشجاعة وبسالة في كل وقت وحين ، كما تحتاج إلى التجرد من العاطفة في كثير من الأحيان ، وهي فوق هذا لا تتناسب مع شخصية المرأة ولا مع بنية جسمها و قدرتها على التحمل، خصوصا أثناء الحيض والحمل والنفاس… كما يرفضها العقل الجمعي ، والعقل الجمعي قهري، جبري لا يرحم . (كم سمعنا من النكت والطرف التي تعرض بالشرطيات والعسكريات… ينفس من خلالها المجتمع عن عدائه اللاشعوري لهذا النوع من العمل الذي أصبحت المرأة تتقلده . ) إن المرأة عندما يتقدم بها السن. لا تستطيع التوفيق بين العمل الوظيفي والعمل المنزلي ، الذي لا يعترف به مجتمعي كعمل ، إلى جانب عدم استعداد الزوج للتعاون أو المساعدة في الأعمال المنزلية وتربة الأبناء … أضف إلى كل هذا النفقات الجانبية التي تضطر لها المرأة الموظفة، كنفقات النقل والتجميل والدواء والملابس الخاصة وكل ما من شأنه أن يحافظ على المظهر الخارجي والذي غالبا ما يكون مرتفع الثمن باهظ التكاليف… صحيح أن النساء شقائق الرجال، وهي نصف المجتمع كما يقال. يمكن أن تساهم في رفع الإنتاج الوطني وتطوير وتنمية المجتمع… ولكن على المجتمع أن يعلم أن الأنثى كالقارورة لا تتحمل العنف سريعة التحطم والانكسار . إن هو حافظ عليها وأحسن إليها وعاملها برفق وإن ساءت إليه ، ملكها واستفاد منها وإلا تحطمت فأزعجت .فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم تضرب إحدى زوجاته يده فتسقط القصعة وتنكسر ، فلا يعنف لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا ولا يسب لها أصلا ولا يضرب لها وجها وإنما يجمع الطعام ويلتمس لها العذر ويقول :[…غارت أمكم كلوا فأكلوا…] » تقول عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب امرأة « ( رواه مسلم ) .كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفق على النساء ويخاف عليهن حتى من ركوب الجمال وما ينتج عنه من اهتزاز فيقول :[ يا أنجشة رفقا بالقوارير. ] ( أنجشة رجل كانت الإبل تهتز طربا لسماع صوته ).
كما كان صلى الله عليه وسلم يوصي بهن خيرا فيقول [ استوصوا بالنساء خيرا. ] ( رواه البخاري في كتاب النكاح باب الوصاية بالنساء حديث رقم 4787 و رواه مسلم في كتاب الرضاعة باب الوصية بالنساء حديث رقم 2671).ويقول : [ خيركم ، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ]وفي حديث آخر [ إن أكمل المِؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائكم ] ( رواه أحمد) .إن السنة النبوية و القرآن الكريم مرابطان بواقع الناس الاجتماعي والنفسي ومن ثم حملا الفرد والجماعة المسؤولية عن المرأة وجعلاها أمانة عند المجتمع . حقوقها عظيمة عند الله وعند نبيه ،لا يجوز الاعتداء عليها . فلا تجمعوا عليها مشقتين العمل والإهانة واذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبراس هذه الأمة فاتبعوه تهتدوا .وصدق الله العظيم إذ يقول : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }( الأحزاب 21
1 Comment
baraka allaho fik