مصر و جدار العار
الآلام تلد الآلام والهموم تورث الهموم، كلما تمسكنا بخيط من الأمل واستبشرنا بمستقبل يحمل الخير للعرب عامة ولفلسطين خاصة إلا وسرعان ما ينقطع هذا الأمل و كلما خطا العالم العربي خطوة إلى الأمام إلا ونتفا جئ بالرجوع إلى الخلف جراء الأفعال المشينة التي لا تمت للعروبة أو القومية العربية -كما يحلو لهم تسميتها- بصلة . التبست علينا الأمور واكتنف الغموض الوضع الحالي، هل هناك بالفعل جدار فولاذي بين غزة و مصر أهو حقيقة وأمر واقع أم هو مجرد إنشاءات هندسية كما يروج له البعض؟ وما ضرورته إن وجد فعلا في الأوضاع المتأزمة التي يعرفها قطاع غزة؟ أسئلة شغلت الساسة والخبراء والمحللين واختلفت المواقف والآراء حوله من مؤيد ومعارض وناف لصحته مع استبعاد الرأي الأخير نظرا لتأكيد السلطات المصرية بناء الجدار.
قبل الخوض في كتابة أسطر هذه المقالة تكبدت عناء البحث عن الحقيقة التائهة وتعبت من التمحيص فوصلت إلى قناعة تنطبق عليها مقولة : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب مفادها : الجدار الفولاذي الذي كثر اللغط حوله كان أول من أعلن عنه هاآريتس « الصحيفة الإسرائيلية المعروفة » و يأتي بعدها مباشرة السيد أبو الغيط وزير خارجية مصر ليصرح بتصريح فيما معناه أن مصر من حقها بناء هذا الجدار ولا أحد من حقه أن يسألها أو يحاسبها عليه وحتى الشيخ الفاضل شيخ الأزهر اعتبر بناء الجدار حلالا كما صادق على هذا الجدار مجلس الشورى المصري، أما في الطرف الآخر فقد بارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخطوة المصرية، كل أدلى بدلوه كما يقال فالمسألة تتعلق بالسيادة المصرية كما يدعون، أما غزة الأبية أتحتمل كل هذا التضييق والحصار الشديد عليها؟ الكل يعلم أن غزة تعاني الويلات من قتل ودمار وتشريد من طرف العدو الصهيوني الغاشم وهذا ليس بالجديد ومسألة مفروغ منها أما الأمر الغير مستساغ أن الحصار على إخواننا في غزة يكون بتعاون مع إخوانهم العرب أعني بذلك مصر الشقيقة، ليس هذا موضوعنا فالفاجعة والصدمة التي لم يتوقعها أحد بناء مصر لجدار فولاذي صفائحه من صنع أمريكي على الحدود مع غزة الذي يمتد على طول أربعة عشر كيلومترا بذريعة حماية أمنها القومي وتأمين حدودها وهذا حق مشروع لا اعتراض عليه لكن إن طبق هذا القرار على كل الحدود المجاورة لمصر كليبيا والسودان التي حدودها أطول من حدود غزة ، أليس كان من باب أولى أن يكون هذا الجدار بين مصر والكيان الصهيوني؟ أ ليس الصهاينة أخطر أم إخواننا في غزة هم الذين يشكلون تهديدا على الأمن القومي المصري؟ يتشدق بعض المؤيدين لهذا الجدار الجديد الذي يشبهه البعض بالجدار العنصري الصهيوني في الضفة الغربية بضرورة أمنية نظرا لتهريب المخدرات التي تأتي عبر الأنفاق وكدا الأموال المزورة و أيضا قضية حزب الله التي تسلل عناصرها من غزة ويستشهدون بالحادثة التي وقعت في 23 يناير الماضي وهي هرب 7000 فلسطيني من غزة إلى شرقي سيناء مصر بسبب الحرب على غزة وغيرها من الجرائم التي مصدرها الأنفاق، ربما أغفل و تغاض المصريون عن ما يجري في الحدود مع ليبيا والسودان التي هما بوابتا قضايا الإرهاب وتهريب المخدرات كالسلوم مثلا، ألم يقتضي ذلك بناء جدار فولاذي؟ . عند سماع كل هذا التخوف من غزة يتبادر إلى أذهاننا أن غزة بلد كبير بيد أنها مجرد قطاع يسكنه مليون ونصف فلسطيني لا أكثر ولا أقل ، يجب على صناع القرار في مصر أن يراجعوا حساباتهم فغزة ليست بغول يهدد الاستقرار في مصر بل هي في أشد الحاجة إلى المساندة والعون فلا نزد معاناتهم بجدار لا ضرورة له ، أما مسألة الأنفاق التي تشكل خطرا على مصر فلو فتح المعبر أقصد معبر رفح بشكل دائم لتقديم الإمدادات اللازمة وكذا أمام قوافل التضامن مع إخواننا في غزة – قافلة شريان الحياة على سبيل المثال- لما استعان الفلسطينيون بالأنفاق.
كل الكلمات التي ذكرت آنفا ليست نابعة من قلب يكن الضغينة والحقد على مصر أو يتحين الفرصة للطعن في مصر الشقيقة لا ليس المقصود ذلك فمصر لها مكانة خاصة في قلوب العرب عامة لدورها الريادي والفعال دائما في القضايا العربية لدا فمكانتها التاريخية أسمى من أن تشوهها مثل هذه الإجراءات لدا لا نرضى نحن كعرب بهذه التصرفات الغير مقبولة .ولا يسعني في الأخير إلا أن أذكر بشارة لإخواننا في غزة وهو حديث سيد الأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ، قيل أين هم يا رسول الله قال ببيت المقدس أو بأكناف بيت المقدس. فغزة العزة والإباء لن تستكين ولن تداهن على قضيتها ولها في ذلك رجال يموتون نصرة لأجلها فانطبقت الآية الكريمة عليهم : » من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيم ».
Aucun commentaire