الانقسام الفلسطيني بين الزوال والاستمرار
الكل يجزم ان حالة
الانقسام والانشقاق تترك سلبيات على كل المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني، والجدل
الدائر الان حول المسافة التي تم قطعها على طريق اعادة الحقوق التاريخية للشعب
الفلسطيني، وهناك من يقول اننا اصبحنا اقرب من كل مراحل النضال الى اقامة الدولة
الفلسطينية، واخرين يقولون ان النضال الفلسطيني تراجع واصبحنا ابعد بكثير عن
فلسطين من مرحلة النكبة، وهناك من يدعي ان الكفاح المسلح والمقاومة لم تتمكن من
انجاز عملية التحرير، وان المفاوضات هي اقرب الطرق، واخرين يقولوا حق الشعب
الفلسطيني بممارسة كافة اشكال النضال بما فيها المقاومة المسلحة، هناك من يطالب
بالشرعية الدولية لان تشق طريقها باتجاه حل الصراع وهناك من يرى بالشرعية الدولية
جزءا من المؤامرة على الشعب الفلسطيني، وهناك من يتجول ويتنقل بالضفة
الغربية من مدينة الى اخرى ويغادر الوطن بكل سهولة، واخرين تطغى على حركتهم
السرية الكاملة او الجزئية، مقارنات لا تعد ولا تحصى، وامام الفلسطيني خيارات
كثيرة وعديدة، فهل الفلسطيني يدعم المفاوضات ام المقاومة؟ ضد حصار غزة ام ضد
حملة الاعتقالات بالضفة والحواجز العسكرية؟ والعدو واحد بكلا الحالات، مع
صمود غزة امام الحصار والجوع ام مع رفع المعاناة عن شعبنا بالضفة من خلال تحسين
وضعهم الاقتصادي؟ من هو الافضل لفلسطين وشعبها المشروع الوطني ام المشروع
الاسلامي؟ مفاوضات مع المساس بالمقاومة ام مفاوضات بعدم المساس بالمقاومة؟ اطلاق
سراح الاسرى من خلال حسن النوايا ام اطلاق سراح الاسرى من خلال النضال وكمشروع
نضالي ومقاوم؟ المقاومة عبء على الشعب الفلسطيني ام الاحتلال مجرم وقاتل؟
بين هذه الافكار والمواقف يتراجع النضال تدريجيا، كمقدمة لضياع قضية ومصير شعب.
هناك من يرى ان
الدولة الفلسطينية والعودة قريبة من الانجاز اذا مارسنا الديمقراطية الفلسطينية
لاختيار قيادتنا القادرة على قيادة كل اشكال النضال بما فيها الكفاح المسلح، قيادة
ترى بالتمثيل النسبي حلا لتمارس دورها القيادي من خلال مكاتب برام الله وغزة وكل
مدن فلسطين، كأنها تعطي الاوامر لتنطلق المجموعات المسلحة وتنزل الجماهير الى
الشوارع، واخرين يروا بان النضال واجب ومهمة وطنية ولكنه لا يرى به جدوى، لان
المحصلة لا تخدم قضية وانما رجال مكاتب يدعون بالثورية والنضال ويهددون الكيان
الصهيوني بالانتفاضات الشعبية واشكال اخرى من النضال، وهناك من يزرع شجرة الزيتون
ويرويها بدمه ولكنها لا تكبر، تذبل ولا تثمر، ثورتنا ونضالنا وقيادتنا اصبحت
مجموعة من المكاتب اختلقت لها خلافات لتستمر وتعيش ويطول عمرها، وهذه القيادة
تناضل من اجل تجاوز حالة الانقسام، تصرف عشرات الالاف من الدولارات لجولات الحوار
وشعبنا يموت جوعا بالضفة وغزة.
العدو الصهيوني اصبح
البند الثالث او الرابع بالبرنامج النضالي، يرهب الكل ويرعبهم، من الذي يجب هزيمته
اولا، فتح بالضفة ام حماس بغزة، المنظمة كممثل ام حماس كبديل، من هو الشرعي سلطة
رام الله ام سلطة غزة، هذا هو الجدل الذي يضيعنا كفلسطينين وتضيع فلسطين
بنا، والحق على ايران والامريكان، المستوطنات ستزول اذا اتفقنا والجدار
سيهدم ايضا اذا اتفقنا، والقدس ستكون عربية واسلامية ايضا اذا اتفقنا، والحق على
مين؟ طبعا على ايران والامريكان.
غزة مع المقاومة ولن
تمارسها والضفة ضد المقاومة وتعتقلها، حكومة غزة شرعية شئتم ام ابيتم، وحكومة رام
الله شرعية ايضا شئتم ام ابيتم، فاذا كانت الحكومتان غير شرعيتين هل هناك من تتوفر
عنده القدرة على ازالتهما؟ اعطوني الجواب، من يقف ضد القانون؟ قانون رام
الله اوقانون غزة، من يجرؤ على ان يكون ضد المجلس التشريعي باغلبيته وقوانينه؟ ومن
يجرؤ ان يكون ضد المجلس الوطني باغلبيته وقوانينه؟ العدوان ما حصل على الضفة وانما
حصل على غزة، الاعتقالات اليومية تجري بالضفة وليس بغزة، الكيان الصهيوني يمارس
انتهاكاته ضد القدس وضد الاسرى واقتطاع ومصادرة اراضي لبناء الجدار، ومصر تبني
جدارا اخرا على غزة، السفراء الدبلوماسيون يتبعون لرام الله، وغزة سفرائها اكثر،
التضامن مع غزة ياتي من اوروبا والتصدي لبناء الجدار بالضفة ياتي من اوروبا ايضا،
الكيان الصهيوني بغارته الاولى المفاجأة منذ عام يستشهد جراءها مائتين شهيدا كلهم
ابناء الفقراء وابناء الكادحين، لم يقصف اي مكتب لاي قائد بغزة، تمر الدبابات من
امام مكاتب السلطة والقيادات برام الله ولم يتم اعتقال احد، ما هو السر؟ هل هم جزء
من هذا الصراع مع العدو ام هم جزءا من الصراع الداخلي بين غزة ورام الله؟ ومن
سينتصر بالنهاية غزة ام رام الله؟
ان تتضامن مع
المقاومة انت تتضامن مع حماس لانها مع المقاومة حتى لو لم تمارسها اليوم، ان تكون
مع المفاوضات اذا انت مع رام الله حتى لو لم تحقق المفاوضات اي نتيجة اليوم،
المهم ان تكون انت جزء من الانقسام، ليس بالضرورة ان تكون مقاوما ضد الاحتلال،
وليس بالضرورة ان تكون مفاوضا مع قادة الاحتلال، فالاحتلال باقي ولن نهزمه
الا بتجاوز الانقسام، نهزمه بالوحدة، اليوم يجب ان تنحاز الى غزة او الضفة، المهم
ان تهزم غزة او تهزم الضفة، وبهزيمة احدهما نعبد طريق تحرير كامل التراب
الفلسطيني، وكيف ستعود للقدس عروبتها واسلاميتها اذا لم تعاد لغزة عروبتها وللضفة
اسلاميتها، اذا اردت ان تعيش وتستمر عليك ان تكون جزءا من الانقسام، اما غير ذلك
فانت تعمل ضد المصلحة الوطنية وضد الصالح العام، فاما ان تكون منحازا لغزة او
للضفة، غير مقبولة منك المواقف الازدواجية.
هذا هو الواقع الذي
تمر بها قضيتنا الفلسطينية، وهذه القيادة هي التي تبتعد عن الجماهير وعن تطلعاتها،
عن امالها وعن احلامها، هذه هي نفس القيادة التي اوجدت الانقسام وتريد من الاخرين
ان يخرجها من هذا الوحل، يبحث المواطن عن الحل فلم يجد الا ان يختار احد اطراف
الانقسام ليكون جزءا من المعادلة والعملية الحسابية المستعصية على الحل، فالمكاتب
لا تحرر فلسطين، فهذه القيادة لا تعاني ما يعانيه المواطن الفلسطيني بالشارع
والحارة وعند كل حاجز، فقيادتنا تعيش بالسجون يمنع عليها حتى اللقاء مع عائلاتهم
ومحاميهم لان تفكيرهم يختلف كليا عن من جاؤونا بالانقسام ومفاهيمه ومصطلحاته، اما اولئك
الذين يعيشون بالمكاتب هم من جاؤوا لنا بالانقسام وهم من يعيشوا به ولا يجدوا له
مخرج.
Aucun commentaire