Home»International»لا يمكن تسويق النموذج الحضاري الغربي بالقوة في بلدان لها نماذجها الحضارية الأصيلة.

لا يمكن تسويق النموذج الحضاري الغربي بالقوة في بلدان لها نماذجها الحضارية الأصيلة.

0
Shares
PinterestGoogle+

تعتبر الحرب على العراق وعلى أفغانستان نموذجا فاشلا لتسويق النموذج الحضاري العربي بالقوة. والمعروف تاريخيا أن النماذج الحضارية الإنسانية تنتقل عبر المجتمعات عن طريق التأثر بعد الاقتناع بها. ولم يثبت تاريخيا أن نموذجا حضاريا ما فرض بالقوة على أمة من الأمم. إننا كمجتمعات إسلامية وعربية نقر ونعترف بأن النموذج الحضاري الغربي في جانبه المادي والتكنولوجي يتميز بالتفوق على نماذجنا المادية المتخلفة عن الركب الحضاري المادي. ونحن نقر أيضا أن هذا النموذج من حيث جانبه المادي والتكنولوجي قد أثر فينا التأثير الكبير ، ونحن نتفاعل معه بشكل إيجابي ، وننخرط في استخدامه دون عقد نفسية بل نحن منبهرون به كأشد ما يكون الانبهار. وعندما يتعلق الأمر بشق القيم والأخلاق في النموذج الحضاري الغربي فإننا متأكدون من أن نموذج قيمنا وأخلاقنا أكثر رقيا من نموذج القيم والأخلاق الغربية ، ونحن نتفاعل بشكل سلبي مع هذا النموذج من القيم والأخلاق ، بل نحن نرفضه رفضا .

وربما وقعت طائفة من أبناء جلدتنا في حيرة إذ تسوي الجانب المادي من الحضارة الغربية بجانب القيم والأخلاق ، وهذا خطأ جسيم. وقد تتهافت هذه الطائفة على جانب القيم والأخلاق الغربية أكثر من تهافتها على الجانب المادي والتكنولوجي. وقد تستورد القيم والأخلاق الغربية تماما كما تستورد المواد والتكنولوجيا.وقد وقر في قناعة البعض أن الشق المادي التكنولوجي الغربي ملازم ولصيق بشق القيم والأخلاق. والحضارة الغربية نفسها تحاول التسويق لهذا الاعتقاد الخاطىء الذي يصادف هوى في بعض النفوس المنفصمة حضاريا. ولهذا فكر الغرب في تسويق نموذجه الحضاري وتحديدا شق القيم والأخلاق بالقوة وبواسطة آلة الحرب التي تعتمد التكنولوجيا الحديثة. ولقد وقع الخطأ التاريخي الجسيم في تاريخ البشرية عندما عمدت الحضارة الأمريكية التي لا يزيد عمرها عن قرون لا تكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة إلى تدمير الحضارة العراقية الموغلة في أعماق التاريخ. ولقد شاهدنا كيف استباحت الآلة العسكرية الأمريكية حضارة بلاد الر افدين ، وأوعزت للرعاع ، وللطائفية المتعصبة تخريب حضارتهم بأيدهم ، وقد شهد العالم كيف خرب هؤلاء حضارة بلادهم بأيديهم خضوعا للآلة الحربية الأمريكية. وقد شهد التاريخ أكبر السرقات الحضارية بسبب الغزو الأمريكي البربري للعراق. وقد كان هدف الغزو هو التسويق للنموذج الحضاري الغربي في شقه القيمي والأخلاقي حيث اعتقد الأمريكان أن انبهار أو خوف أو فزع الشعب العراقي من آلتهم الحربية سيجعل منهم أقنانا وعبيدا تابعين لقيم وأخلاق أمريكا خصوصا وقد أغرى الأمريكان ما لمسوه في نموذج الطائفية العراقية من انقياد واستسلام ، واستعداد للخيانة والعمالة فقاسوا على ذلك كل نماذج الشعب العراقي ، ولكنهم أخطئوا التقدير والحساب ، واستيقنوا أخيرا أنهم لا يمكنهم أبدا تسويق نموذجهم الحضاري المنحط أخلاقيا تماما كما يروجون لنموذجهم المادي التكنولوجي. أجل لقد أخذ عنهم العراقيون الشق المادي والتكنولوجي ، ولفظوا الجانب الأخلاقي. ولا يتشبث بالشق الأخلاقي الغربي من العراقيين إلا نموذج الطائفية البخسة الذين يقيسون القيم والأخلاق على المادة. ولم يكن الشق المادي والتكنولوجي أبدا عاملا مؤثرا في الشق الأخلاقي بل لقد ثبت أنه بقدر ما يحصل في الشق المادي التكنولوجي من تطور يقابله في الشق الأخلاقي تدهور وانحدار في سلم القيم والأخلاق مصداقا لقول الله تعالى : (( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )) فالطغيان مرتبط بالاستغناء ، والجانب المادي والتكنولوجي هو نوع من الاستغناء يجعل الإنسان الغربي يتجاسر على الاختصاصات الإلهية ، وينازع الله عز وجل الألوهية والربوبية ، والسيادة على الكون ، والكبرياء ويحاول أن يستعبد العباد وهو عبد من العباد. ولقد ترسخ في وجدان الإنسان الغربي أنه بقدر سيطرته على الطبيعة من خلال العامل المادي والتكنولوجي بقدر تجاسره على القيم والأخلاق الإنسانية. والواقع المعيش يشهد على ذلك بحيث تحولت الحضارة الغربية إلى بداوة موغلة في التخلف بسبب ازدياد تطور شقها المادي والتكنولوجي حتى صور الشعراء والأدباء الحياة الغربية أبشع تصوير ، وصارت العواصم الغربية العملاقة من حيث مادياتها وتكنلوجياتها نماذج لليباب والخراب الروحي والأخلاقي وصار الإنسان فيها مجرد شيء من أشيائها تقل قيمته عن أبخس شيء فيها. لقد أراد الغزو الأمريكي أن يصدر إلى العراق وإلى أفغانستان نموذج الإنسان « الشيء  » الفارغ من كل قيم أخلاقية وروحية كما هو حال الإنسان الغربي ، ولكنه اصطدم بجهاز مناعة عتيد حيث رفض الإنسان الشرقي المسلح بالعقيدة الإسلامية أن يتنازل عن إنسانيته التي تعني الاستخلاف في الأرض استخلافا حضاريا بانيا وليس تمردا وتجاسرا حضاريا هادما وفق النموذج الغربي المتهور. لقد تعامل الأفغان مع الشق المادي والتكنولوجي للحضارة الغربية واستعملوا الآلة الحربية الغربية التي غنموها من الغرب ضده ، ولم يواجهوه بآلة حربية تقليدية بسيوف ورماح ونبال لاعتقادهم الراسخ بتطور شق حضارته المادي والتكنولوجي ، ولكنهم واجهوا شق حضارته الأخلاقي بشق نموذج حضارتهم الأخلاقي لقناعتهم بتطور أخلاقهم وقيمهم على أخلاق الغرب وقيمه.

والغرب سيهدر الكثير من شق حضارته المادي والتكنولوجي ، وسيزهق أرواحا كثيرة من بني جلدته في العراق ، وفي أفغانستان ولكنه لن يفلح أبدا في تسويق شق حضارته الأخلاقي لأن العراقيين والأفغان يميزون بحسهم الحضاري الراقي بين الأخذ بما هو مادي وتكنولوجي وما هو قيمي وأخلاقي. إن الكوفية العراقية ، والقبعة الأفغانية ، والخمار العراقي والتشادور الأفغاني عبارة عن رموز للشق الأخلاقي من حضارة راقية ، تماما كما أن القبعة الأمريكية والمينجوب أو الميكروجوب الغربي عبارة عن رموز للشق الأخلاقي من حضارة ساقطة. والمضحط حقا أن يوجد بين المسلمين من المحسوبين على الإسلام بمؤشرات شكلية لا تعدو الأسماء والألقاب ، وشواهد الميلاد المرتبطة بالجغرافيا والمنسلخة من التاريخ من يروج وبافتخار واعتزاز للشق الأخلاقي المنحط من الحضارة الغربية ، ويستهلكه استهلاك الشق المادي التكنولوجي ، بل لسذاجته وتبلد حسه يحاول أن يفرض على المسلمين نظرته القاصرة فينكر على من يتعامل بذكاء مع النموذج الحضاري الغربي من خلال الأخذ بالشق المادي والتكنولوجي المتطور ، والتخلي عن الشق الأخلاقي المتردي. وهذا النوع من السذج يتميزون بالجهل المركب بحيث لا يتنبهون إلى قصور تعاملهم مع حضارة غربية غازية من أجل تسويق قيهما وليس من أجل تسويق تكنولوجيتها. وإننا نعاني الكثير بسبب هذا النوع من السذج الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على الأمة الإسلامية والعربية ، وقد اتخذ منهم الغرب بطانة ، ومهد لهم سبل التحكم في تقرير مصير الأمة في ظرف جد حساس يريد الغرب أن يستغله لوضع خريطة للعالم الإسلامي توافق هواه ، وهوى الغرب لا يخفى على ذي لب حصيف.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *